الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008

ماجد كيالي، بماذا يتميز النظام الإسرائيلي عنا

بماذا يتميّز النظام الاسرائيلي عنّا؟



ماجد كيالي
يطيب للمحللين، الذين تأخذ عقولهم او تستهويهم الأيديولوجيات والشعارات والمطلقات، تفسير تفوّق حال اسرائيل، على حال الواقع العربي، بتفوقها في المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، وتمتعها بعلاقات استراتيجية استثنائية مع الولايات المتحدة الاميركية. لكن هؤلاء يغفلون في تحليلهم العوامل الذاتية، التي تضفي على اسرائيل قوة مضافة، تجعلها قادرة على تجيير عناصر تفوقها، وتحويلها الى عوامل قوة.واقع الحال ان اسرائيل مجرد دولة محدودة بكل المقاييس، فهي صغيرة بمساحتها، وقليلة السكان، وتفتقر للموارد الطبيعية. كما انها دولة معزولة عن محيطها، بل انها تواجه بعداء كامل منه. وفوق كل ذلك فهذه الدولة تعج بشتى التناقضات، بين العلمانيين والمتدينين، والشرقيين والغربيين، واليساريين واليمنيين، والعرب واليهود، ثم انها دولة تسيطر على شعب آخر بالقوة، في حين ان هذا الشعب يواجهها بالمقاومة.لكن مع كل ذلك من المهم الانتباه جيداً الى ان اسرائيل هذه تتمتع بميزة السيطرة على ازماتها ومشكلاتها (بحكم طريقة ادارتها لأوضاعها)، بل انها تستطيع ان توجهها نحو الخارج، وبما يخدم مصالحها. وعلى الرغم من كل ما تقدم، اي بالرغم من تحدياتها الداخلية والخارجية، وضمن ذلك تداعيات الصراع العربي _ الاسرائيلي، فان ما يلفت الانتباه ان هذه الدولة، التي نشأت، فقط، منذ ستة عقود، ومع بداية تشكل الكيانات العربية، تبدو اكبر من حجمها، وأكثر قوة من امكاناتها، وأفضل استقراراً من غيرها خصوصاً بالقياس لحال الكيانات العربية السائدة!وما ينبغي الاعتراف به هنا هو ان اسرائيل على الأغلب، مدينة بهذا التميز وبالقدرة على الاستقرار والتطور، الى طريقة ادارتها لأوضاعها ولمجتمعها، وخصوصاً لنظامها السياسي الديموقراطي (بالنسبة لمواطنيها اليهود)، الذي يضفي عليها قود مضافة، يجعلها قادرة على تحويل عناصر ضعفها الى قوة، على عكس الواقع العربي الذي يعيد انتاج علاقات الضعف والتهميش والتآكل.وللمفارقة فان التميز الاسرائيلي في هذا المجال، هو ما تفتقده الكيانات العربية، وهو نقطة ضعفها، بالقياس للامكانيات الكبيرة التي تمتلكها: المساحة _ الكثرة العددية _ الثروة النفطية، عوامل تكوين الأمة، وهذا في الحقيقة ما يفسر ان السياسة العربية تقصر عن مواجهة التحديات التي تمثلها اسرائيل، سواء كانت في حال ازمة ام من دونها.طبعاً لا ينبغي ان يفهم من هذا الكلام ان الأوضاع في اسرائيل على ما يرام، فمثلما ان ثمة شططاً وضرراً في المبالغة بما تمثله، فانه لا يجوز الاستهانة به، بمعنى ان المطلوب التعامل مع اسرائيل بشكل موضوعي (بغض النظر عن رأينا بها) بوصفها ظاهرة عادية، تعج بالتناقضات والتحولات.وبهذا المعنى تبدو اسرائيل، كغيرها من الظواهر الاجتماعية والسياسية، تعاني من ازمات ومن تحديات ومن نوع من عدم النضج او الاستقرار، بسبب من طبيعة تكوينها، والتناقضات الكامنة فيها: وضمن ذلك التناقض بين كونها دولة علمانية او يهودية، وبين كونها دولة ديموقراطية وعنصرية (ازاء العرب)، وأيضاً بسبب طابعها الاستعماري، وسيطرتها بالقوة على شعب آخر.اما العوامل التي تمكن اسرائيل من تجاوز ازماتها، بل وتجييرها لمصلحتها، فيمكن تبين اهمها في الجوانب التالية:1ـ طبيعة نظامها الديموقراطي القائم على الانتخابات، وفق نظام النسبية والدائرة الواحدة، والتعددية والتنوع، والاحتكام لصناديق الاقتراع لحل القضايا الخلافية. ولا شك ان هذا الشكل من الديموقراطية يتيح لكل التيارات والجماعات والاحزاب السياسية والاثنية التعبير عن ذاتها، ويكفل لها حقها في الوصول الى مقاعد الكنيست الاسرائيلي. وكما بات معروفا فقد اتاح هذا النظام للأحزاب الصغيرة، وضمنها الأحزاب المتطرفة، ابتزاز الأحزاب الكبيرة وفرض اجندتها عليها.2ـ التوافق على توفر نوع من الاجماع بشأن التقرير بمصير القضايا الاستراتيجية والمصيرية، مثلا، يهودية الدولة، ومكانة الجيش في الدولة، ومركزية قضايا الأمن والهجرة والاستيطان والتقديمات الاجتماعية والعلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة: وهي كلها قضايا تمس هوية الدولة وحماية حدودها وأمنها ودورها الوظيفي الاقليمي. وهذا ما يفسر ان قضية مصيرية، بحجم قضية التسوية مع الفلسطينيين، بأبعادها التاريخية والرمزية، لا يمكن حسمها في اسرائيل على اساس من المعادلة الديموقراطية التي تتعلق بموازين القوى في الكنيست، أو عبر قانون خضوع المجموعة للأكثرية، كونها تحتاج الى نوع من التوافق يضم معظم التيارات السياسية الاسرائيلية. وكما هو معروف لم يكن بالمستطاع تحقيق مثل هذا التوافق، طوال المرحلة الماضية، لا في ظل حكومة حزب العمل ولا في ظل حكومة الليكود، ولا كاديما. ومثلا فهذا الحزب (الليكود) رغم معارضته للتسوية واعتباره الضفة والقطاع جزءاً من ارض اسرائيل الكاملة (ارض الميعاد)، الا انه لم يستطع ترجمة ذلك بضم هذه الأراضي لاسرائيل، رغم وجوده في الحكم منذ العام 1977 ورغم تشكيله عدة مرات حكومة يمنية صرفة. أما اليسار الاسرائيلي فقد فضل المماطلة في عملية التسوية، بسبب ادراكه للصعوبات والتعقيدات المتعلقة بهذه التسوية، والتي تطال تحديد حدود اسرائيل الخارجية والداخلية، اي حدودها الجغرافية والسياسية والبشرية. وهذا ما يفسر ان حزب العمل فضل السير بطريق التسوية المرحلية، وانه اجل الكثير من الاسئلة المتعلقة بهذه التسوية. معنى ذلك ان الشعور الجمعي الاسرائيلي متوافق على ضرورة تخفيف وتجاوز التناقضات التي يمكن ان تشكل خطراً على الوجود الاسرائيلي، اي ان الاسرائيليين يمينيين او يساريين، متطرفين ام معتدلين، لن يغامروا بتعميق التناقضات فيما بينهم على قضية تتعلق بالعرب، او "الأغيار"، ولن يغلبوا انفسهم في هذا الشأن، خاصة وأن هذا الموقف لا يحملهم الكثير من التكلفة او الاعباء المادية والمعنوية، او انه يحملهم تكلفة في حدود معينة هم قادرون على امتصاصها.3 ـ التوحد ازاء العدو الخارجي، وبذلك فان التعنت الاسرائيلي يستمد مشروعيته من الشعور الجمعي في هذه الدولة العبرية باعتبارها دولة استيطانية احلالية ـ يهودية، حيث ان هذه المجتمعات الوظيفية المصطنعة هي مجتمعات ايديولوجية بامتياز، وهي تقوم على الأغلب على اساس ايديولوجيا عنصرية غيبية برغم الغلافات العلمانية التي تتغطى بها، والتي تعبر عن التناقض الذي يحيط بها من الجانب الآخر. وفي مثل هذه المجتمعات فان الاحساس بالخطر الوجودي الخارجي هو احساس لا نهاية له، لانه متضمن في الوعي الباطني لمجموع المستوطنين في محاولتهم نفي الآخر (المجتمع الاصلي)، وفي تطلبهم لنوع من الأمن المطلق، الذي يستحيل بلوغه، الا عبر نفي او الغاء او امتصاص المجتمع الاصلي، الذي هو مستحيل في الحالة الاسرائيلية ـ الفلسطينية.فاسرائيل ليست اميركا، والفلسطينيون ليسوا الهنود الحمر، والمقارنة من ناحية الحدود الجغرافية والاقتصادية والبشرية والثقافية بين المشروعين ليست في صالح اسرائيل ابداً. ويتبين من تفحص الظاهرة الاسرائيلية ان اعلى اشكال التوحد، وتغييب التناقضات والخلافات الداخلية، كانت تنشأ في ظل ظروف الصراعات الخارجية، والعكس صحيح اذ ان التناقضات الداخلية الاسرائيلية بدأت بالبروز على خلفية غياب المخاطر والتحديات الخارجية.على ذلك فثمة استعجال في التعاطي مع اية تغييرات سياسية او حزبية في اسرائيل، بذهاب اولمرت ومجيء غيره، بتفكك هذا الحزب وصعود غيره، بتعابير ضعف الاستقرار السياسي او بمصطلحات الأزمة او الانهيار او التفكك، فالنظام السياسي عندهم لا يعمل بهذا الشكل، ولا يعمل بالطريقة التي يعمل بها عندنا، برغم كل ثغراته وتناقضاته ونقاط ضعفه.

ملحق نوافذ، جريدة المستقبل


ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .