السبت، 20 سبتمبر 2008

سليم نصار، لبنان في مواجهة استحقاقات التغيير


لبنان في مواجهة استحقاقات التغيير

سليم نصّار



قبل أن يسافر الى نيويورك لإلقاء كلمة لبنان أمام الجمعية العامة، أطلق الرئيس ميشال سليمان مؤتمر الحوار الوطني الذي جمع 14 ممثلاً لأحزاب وتيارات سياسية مختلفة. وهذا أول مؤتمر يرعاه الرئيس الجديد مستأنفاً بواسطته المناقشات التي توقفت عقب حرب 12 تموز (يوليو) 2006. أي المناقشات الصعبة التي طرحها مؤتمر الحوار الأول (من 2 آذار/ مارس حتى 29 حزيران/ يونيو سنة 2006) بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان. ويستدل من مراجعة نتائج مؤتمرات الحوار السابقة، ان ما نجح منها كان مشمولاً برعاية عربية أو خارجية، الأمر الذي يؤكد صعوبة إيجاد حل بين اللبنانيين أنفسهم. وهذا الاستنتاج ينسحب على مؤتمر الطائف الذي رعته اللجنة الثلاثية العربية (السعودية والجزائر والمغرب) سنة 1989، وعلى مؤتمر الدوحة الذي عقد برعاية قطر.في خطاب القسم حرص الرئيس ميشال سليمان على ضرورة وضع استراتيجية دفاعية تحمي الوطن، وقال إنه من المفيد الاستفادة من خبرات المقاومة التي نجحت في اخراج المحتل أثناء تفكك الدولة. وقد كرر هذا الموقف في كلمته الى المتحاورين يوم الثلثاء الماضي، مشدداً على حق لبنان - شعباً وجيشاً ومقاومة - في الدفاع عن أرضه، ما دامت اسرائيل تحتل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وجزءا من قرية الغجر. ثم أضاف الى هذه الأسباب سبباً آخر كان العماد ميشال عون قد طرحه كحجة لإبقاء السلاح في قبضة المقاومة، وذلك «من أجل منح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المشروعة ومنع التوطين». وهذا يفترض استمرار نشاط «حزب الله» الى ما بعد حل القضية الفلسطينية. والسبب أن الرئيس محمود عباس تجاوز اشكالية حق العودة عندما وافق على رجوع أعداد لا تشكل نسبتهم خطراً على ديموغرافية اسرائيل. ومعنى هذا أن الـ400 ألف لاجئ سيواجهون مشكلة أخرى غير مشكلة حق العودة والتعويض.برر الرئيس ميشال سليمان في خطاب القسم نشوء المقاومة اللبنانية (صارت اسلامية) الى حاجة البلاد لجهادها في ظل تفكك الدولة. وكان بهذا التبرير يعيد الى الذاكرة أحداث احتلال 1982 وما نتج عنها من تطورات داخلية أدت الى شلل المؤسسات الرسمية. ويستفاد من فحوى كلمته أنه ترك للمتحاورين مهمة الاتفاق على دور الدولة، وعلى دور الذين صادروا دورها. صحيح أن الرئيس أقرّ بحق الشعب والجيش والمقاومة في الدفاع عن لبنان... ولكن الصحيح أيضاً أنه لم يحدد مسؤوليات وواجبات القوى الثلاث بحيث يعطي الجيش وحده حق الدفاع عن حدود الوطن. واضافة الى هذه المبهمات، ظهرت عملية تحديد موعد جلسة الحوار الأولى بعد خمسين يوماً كتوقيت له دلالات سياسية معينة. وأولى هذه الدلالات تتعلق بانتخاب رئيس اميركي جديد وخروج ايهود اولمرت من رئاسة الحكومة في اسرائيل. وفي هذين الحدثين ما يؤشر الى ظهور مرحلة من التغيير الاقليمي والدولي ربما يستفيد المتحاورون من نتائجها. خصوصاً أن «حزب الله» كان قد لمح الى احتمالات الانفراج عبر عاملين أساسيين يرتبطان بالمفاوضات السورية - الاسرائيلية وبإنهاء أزمة طهران مع وكالة الطاقة الذرية. وربما يراهن الرئيس ميشال سليمان على عامل الزمن لعل التغيير الاقليمي المطلوب يساعده على هدم الجدران الفاصلة بين فريقين ومنطقين وهدفين.بسبب انشغال اسرائيل بانتخابات «كديما»، طلبت حكومة اولمرت من دمشق إرجاء الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة التي كانت مقررة في اسطنبول. وأبلغ الرئيس بشار الأسد وزير خارجية اسبانيا ميغيل انخيل موراتينوس، أن بلاده جاهزة للمفاوضات بغض النظر عن نتائج الانتخابات في اسرائيل.أعلنت الفائزة بزعامة حزب «كديما» تسيبي ليفني انها مستعدة لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين والسوريين، شرط موافقة حركة «شاس» على الدخول في الائتلاف الحكومي. والسبب أن «شاس» - وهي حركة دينية محافظة - تملك 11 نائباً في الكنيست، الأمر الذي يجعلها قوة مرجحة لأي تركيبة وزارية. أما في حال فشلت في تشكيل حكومة جديدة، فهي مضطرة للذهاب الى انتخابات عامة مبكرة في آذار من السنة المقبلة. وبخلاف ايهود اولمرت ومنافسها على الزعامة وزير الدفاع السابق شاؤول موفاز، فإن ليفني تطمح لأن تكون خليفة غولدا مائير، وهي معجبة بهيلاري كلينتون وصديقتها كوندوليزا رايس لأنهما نجحتا في اختراق عالم السياسة المصادر من قبل الرجال. ومع انها متزوجة من نافتلي سبيتزر، ولها منه ولدان (عمري ويوفال) إلا أنها اختارت طريق السياسة منذ دخولها الكنيست عن حزب ليكود سنة 1999. ولكنها انخرطت في العمل السري عندما بلغت العشرين من عمرها، وخدمت في «الموساد» مدة سنتين. بعدها دخلت الجامعة حيث تخرجت محامية ومارست هذه المهنة مدة قصيرة قبل ان تجد في ارييل شارون المدرب الذي يستحق الانتساب الى حزبه، خصوصاً انها ترعرعت في كنف أبوين متطرفين كانا من أنصار «ألايتسل» وقد انضمت في مطلع صباها الى «بيثار» قبل ان تشق طريقها السياسي في «ليكود». ومع انها تعتبر حليفة فكرية وسياسية لأرييل شارون، إلا أنها خالفته اثناء تشجيعه البؤر الاستيطانية، وعملت على اقتلاع آلاف اليهود من المستوطنات الجديدة، وهي ملتزمة موقف الحكومة من عملية استئناف المفاوضات بهدف انشاء دولتين.ليفني تتوقع مواصلة المفاوضات القائمة وانما في إطار مبادئ التسوية للقضايا المطروحة كافة مثل القدس والمستوطنات وحق العودة، وهي ترى ان نافذة الفرص مفتوحة ما بين انتخاب الرئيس الاميركي الجديد في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) و22 كانون الثاني (يناير). وتعتبر مدة التسلم والتسليم مهمة لدى الرئيس المنتخب إذا عرف كيف يستغلها مثلما فعل رونالد ريغان سنة 1988 لإعلان اعترافه بمنظمة التحرير. أو مثلما استغلها بيل كلينتون سنة 2000 لرسم خطوط التسوية الدائمة. ومع ان عملية انابوليس لم تر النور إلا قبل آخر سنة من ولاية بوش، إلا ان ليفني أعربت عن أملها في انتخاب رئيس فلسطيني مثل محمود عباس يكون قادراً على استئناف المفاوضات. والمعروف ان ولاية عباس (4 سنوات) تنتهي في التاسع من كانون الثاني 2009، اي بعد انتخاب الرئيس الاميركي ببضعة أيام. وربما يجري التمديد له - على الطريقة العربية - إذا فشلت الفصائل الفلسطينية في الاتفاق على رئيس لسلطة موحدة. ويبدو ان هذا الخيار لن يبصر النور لأن «فتح» و «حماس» متفقتان على استبعاد فكرة التمديد أو التجديد لعباس بعدما فشل في التوصل الى اقامة دولة فلسطينية من خلال التسوية السياسية. علماً بأن أولمرت حاول اقناعه بالتوصل إلى اتفاق مبادئ، ولكن اعتراض «حماس» لم يساعده على تجسير الفجوة القائمة بينهما.أعلنت ليفني قبولها مبدأ الاتفاق على إقامة دولة فلسطينية تُرسم حدودها وفق حدود 1949 مع اجراء تعديلات متبادلة. أما بالنسبة إلى قضية اللاجئين، فهي ترى أن إسرائيل يجب أن تكون شريكة في ايجاد الحل، لا فرق أكان ذلك من خلال توجههم نحو دولتهم الجديدة، أو من خلال منحهم تعويضات عن العقارات المصادرة في القدس وحيفا ويافا. وبخلاف ما طرحه باراك أوباما حول اعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، فإن ليفني موافقة على تقاسم سياديّ للمدينة المقدسة، وإنما على اساس ديموغرافي. وهذا معناه انشاء بلدية مشتركة على أن تكون الأحياء اليهودية تحت سلطة السيادة الإسرائيلية، بينما تخضع الأحياء العربية للسلطة الفلسطينية وفق نظام خاص للأماكن المقدسة.أما بالنسبة إلى لبنان، فقد اكتفت ليفني بالقرار الذي صاغته مع كوندوليزا رايس، أي قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي اعتبرته الحاجز الأمني الذي يحمي إسرائيل من ضربات المقاومة. ولكن هذا القرار يعتمد على اتفاقية الهدنة التي وقعت سنة 1949 لتنظيم العلاقة الأمنية بين لبنان وإسرائيل. وفي أكثر من ثماني مناسبات قامت إسرائيل باختراق اتفاقية الهدنة لأسباب نسبتها إلى تجاوزات المقاومة الفلسطينية. ويبدو أن الرئيس سليمان مزمع على اعتماد الوسيلتين معاً، الأمر الذي يمنع إسرائيل من تكرار الاجتياح خوفاً من صواريخ المقاومة.يقول المتتبعون للشأن اللبناني إن رئيس الجمهورية حريص على نشر مناخ من الاستقرار السياسي والإعلامي والاقتصادي والأمني بحيث تتوافر للمواطنين الظروف الايجابية التي تستقبل المتحاورين بعد خمسين يوماً. وهو مقتنع بأن المستفيدين من اتفاق الدوحة لن يستخدموا السلاح أو العنف من أجل تحقيق مكاسب سياسية. وقد نجح خلال زيارته الأخيرة لدمشق في إرساء دعائم اتفاق بعيد كل البعد عن الاتفاقات التي تزامنت مع وجود القوات السورية في لبنان، خصوصاً أن ابقاء التوازنات السياسية قائمة بين الرئيس اميل لحود ورئيس الحكومة رفيق الحريري، كانت تمثل عامل التهدئة بين متنافسين قويين على السلطة. ومن أجل إلغاء هذه المرحلة، اتفق الرئيسان الأسد وسليمان على احياء صيغة التعامل السياسي المتبادل، تلك التي وقعت تحت الخيمة بين جمال عبد الناصر وفؤاد شهاب، وكان من أول مظاهرها انتقال اللواء العاشر إلى طرابلس بهدف حماية السلم الأهلي ومنع الفتنة المذهبية من التمدد باتجاه الحدود السورية. وقد تردد في حينه أن القوات السورية قد تلجأ إلى اسلوب روسيا في جورجيا إذا ما استمر تأجيج الوضع بين السنّة والعلويين في عاصمة الشمال. وعندما نقلت المخاوف السورية إلى وليد جنبلاط، عبّر عن انزعاجه واضطرابه من انتقال هذه الظاهرة إلى الجبل، وقام بتوجيه انتقادات إلى حلفائه. ورأى خصومه في ذلك التصريح «تكويعة» سياسية من النوع الذي اشتهر به.يؤكد بعض المصادر الرسمية أن الرئيس ميشال سليمان سيملأ فراغ المسافة الزمنية التي تفصله عن طاولة الحوار المقبل، بزيارات بلدان عربية عدة. وهو ينتظر نهاية شهر رمضان الفضيل كي يباشر جولاته التي سيمهد لبعضها أثناء وجوده في نيويورك. والهدف من كل هذا محو الانطباعات التي رافقت الحكم السابق، واعطاء انطباعات جديدة حول رؤيته للوضع السياسي اللبناني الذي اختصره في خطاب القسم وفي كلمته إلى المتحاورين.وفي المناسبتين حاول رسم صورة عهده بإطارها الواسع، بعدما حث اللبنانيين على التعاون معه من أجل انتشال الوطن من الهوة التي سقط فيها.

عن الحياة اللندنية


ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .