الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008

ايمن جزيني، لبنان الايراني

لبنان الإيراني

ايمن جزيني


قد ينقاد اللبناني إلى حمل ما قاله الأمين العام لـ"حزب اللّه" الشيعي عبر إطلالاته المتلفزة خلال حفلات الإفطار عن بقاء السلاح حتى لو تحررت مزارع شبعا، على هذيان مستمر ومقيم. فالأمين على الدماء – على ما ينادي أنصار الحزب أمينهم العام – لم يتردد في الاستدلال بما لدى الجيوش النظامية لتبرير مقتل النقيب سامر حنا. ومهما يكن الرأي في تمكّن نصر الله وفي أسبابه وملابساته ليقارب بين ميليشياته والجيش النظامي، فهو لم ينفك يربط ربطاً وثيقاً بين النأي بحزبه عن المساءلة وبين الحرب المتطاولة مع إسرائيل، وذلك منذ منّ الله عليه بـ"نصر الهي" في تموز 2006، من دون أن يكون له ذلك في حربي العامين 1993 و1996. في المبدأ لا يكون النظام بقوة الولاء للسلطة القائمة، بل في قدرته على إقناع من هو خارج عليه بعجزه عن الفكاك منه. لكن خطاب نصرالله بيّن أمرين أساسيين في النظام اللبناني: أولهما أن نصر الله ومن يقف وراءه قطعوا نهائياً في شرعية العمل العسكري لهذا الحزب، وثانياً الاحتماء بعباءة الصراع مع إسرائيل لتوسيع مشروع الهيمنة على البلاد والحؤول دون مساءلة أي أحد من "حزب الله" حتى لو كان الأمر يطاول الجيش ويمس به، وذلك من خلال قوله "الشباب موجودون في موقع عسكري، منطقة وديان وجبال وهناك تهديدات إسرائيلية وبلحظة من اللحظات رأوا المروحية بينهم... أحد الإخوان أطلق النار بشكل طبيعي وغريزي". تستر نصر الله على الفعل المفضي إلى استشهاد النقيب حنا ومؤداه، ليقول "أنا أتحمل المسؤولية في الحرب والسلم عن كل ما تقوم به هذه المقاومة وما تفعله"، ليضفي قداسةً لم يكن للبلد طاقةً على احتمالها يوم تعرض لها برنامج "بس مات وطن" والقائم على صنعته شربل خليل العوني الهوى والفؤاد. ولم يأبه نصر الله كثيراً لتأثير مواقفه وخطبه على الاجتماع والسلم الأهليين الحثيثين. فهو يفترض أن دواعي الظرف تحمله على ما يفعله ورهطه وما يقولون. وليسوا هم (نصر الله ورهطه) إلا الاستجابة المثلى لهذه الدواعي. ولا يخرج عن سنته في تخوين الآخرين المختلفين عنه ومعه في الرأي حول بناء الدولة ليتساءل "بروحية كهذه... وبتآمر واتهام كهذين سنذهب إلى طاولة الحوار؟". والحق أن إغفال التصدي لخروج "حزب الله" المسلّح على الدولة تصدياً شافياً، يسوّغ لنصر الله تهمة "التآمر" التي يسرع إليها في كل مرة يعلن فيها المختلفون عنه رأياً او موقفاً يخالف رأيه أو موقفه، على ما هي الحال في معظم الخلافات اللبنانية، فينسب المخالفة إلى "التآمر" أو "الإيعاز".يضطلع نصر الله بتسويغ نهجٍ سياسي قاطع يصلي جماعات الداخل، ويسعى في تسلّطٍ جامح عليها، للحيلولة دون بلورة سعيها إلى حماية الجيش وبناء الدولة وتكريس خروج لبنان من الوصاية السورية وإلى غير رجعة، فيتحدّث عن "شخص اعرفه متّزناً (الأرجح انه الوزير نسيب لحود) لكن نحن في زمن الانتخابات ويبدو أن هناك من يفقد عقله". وإذا كان الأمين العام لـ"حزب ولاية الفقيه" الذي يفاخر بولائه له لا يخرج من الإقامة المتخيّلة "لحرب الداخل على حزب الله"، فهو لا يرهص بنهاية هذه الحال أو هذا النوع من الحروب المتوهّمة، علماً أن ما هو مطلوب من حزبه لا يعدو كونه الانخراط في الأجندة اللبنانية والشراكة في قرار الحرب والسلم، لا تهديد المحكمة ذات الطابع الدولي وإسقاطها في بيروت تحت عنوان "ملاحظات" لم يعلنها منذ أكثر من عام.يجيز خطاب نصر الله القول ان نظامنا البرلماني انتهى في الممارسة إلى ما يشبه نظام "ولاية الفقيه". فوضع النظام في لبنان بات يشبه وضع السيد محمد خاتمي يوم كان رئيساً لإيران. هناك انتصر خاتمي بغالبية اقترعت لبرنامجه الإصلاحي، فوجد نفسه في المنصب لا في السلطة التي تتركز بيد مرشد الثورة. وهنا شيء مواز بدأ يتماثل في مقدماته، إذ ممنوع علينا حقنا في المواطنة السياسية والمحاسبة والمساءلة الديموقراطيتين. فكيف تكون الدولة دولة والفاعلون فيها هم حملة السلاح ومالكو قرار حربها وسلمها الخارجي والداخلي. وكيف نبني دولة فيما المختلفون عن نصر الله من "متآمرين" و"حاقدين" يشبهون أبطال رواية "المحاكمة" لفرانز كافكا ويُساقون إلى المحاكمة من دون أن يعرف أحد منهم شيئاً حيث يُتلى الاتهام ويصدر الحكم، إذ كل شيء تحت العنوان الغامض: "المحاكمة". وهنا كل شيء تحت عنوان الصراع مع إسرائيل وعلى أنقاض لبنان واللبنانيين.كل آخر هو موضع اتهام عند نصر الله. لا رأي سديداً إلاّ له وللأقربين من صنائع الوصاية السورية ووئامها الذين يثبتون استعداء انفراد أهل العصبية ضد رافضي سورنة البلد ويسلطون شارعاً منفعلاً على سياسات أهلية متضاربة. وقد أدى تربع هؤلاء في رياض شاشات "ولاية الفقيه" إلى تبديد ما أنجزته "ثورة الأرز" وإلى خسارة البلد لمعظم مقوماته السياسية وحيويته الديموقراطية. وليس مرد التبدد والخسارة هذين على ضعف قوة "14 آذار"، وإنما إلى إحلال قوى "شكراً سوريا" منطق القوة الذي تصدر عنه غيتوات طائفية، مهددين السيادة والاستقلال بصلف سياسي واستعراضات أمنية ضعفت معها الدولة ضعفاً لا أمن بعده. وإذ يسكت نصر الله عن احتكار المقاومة قبل العام 2000 والتنكيل بالشيوعيين وجعل المقاومة حكراً على قوى طائفية في بيئتها الديموغرافية واعتقاداتها الفكرية، فإنه يغفل ما آل إليه الوضع منذ حرب تموز وما خلفته من انقسام حاد، و"المال النظيف" وهدفه في صناعة الحرب واستخدام أرض الجنوب ومعها لبنان بأسره "ساحة" خلفية لمشاريع إيران التوسعية، وعلى حساب الجنوبيين الذين لم يروا من هذا المال أي استثمارات فضلاً عن ربطهم باقتصاد الموت القائم على التفرغ في أجهزة الميليشيات والتعويضات عن الدمار. ويغفل الفتاوى التي تستخدم في الانتخابات النيابية والبلدية، معطلة أي تطور للديموقراطية ولمبدأ تداول السلطة، حتى في الحيز الشيعي. في الأحوال كلها، يبدو ان نصر الله حسم في ان الجماعة التي يمثلها لن تباشر علاقتها الناظمة لارتباطها بالدولة، إلاّ من موقع العصبية الساعية إلى تطويع الآخرين. وهي إذ تدخل إلى لبنان المستقل وفقاً لمنطقها، فإنها لا تزال تنظر إلى ما قبل 26 نيسان من العام 2005 تاريخ انسحاب القوات السورية واستخباراتها من البلد. ولم يسعفها تاريخها في الحروب المتطاولة إقليمياً ودولياً في تلمس خطواتها نحو المواطنة ورسم سياستها اللبنانية البحتة.

عن ملحق النهار


ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .