السبت، 6 سبتمبر 2008

غازي العريضي، لبنان... السلاح والعجز


لبنان... السلاح والعجز




غازي العريضي
الحديث عن التسلّح في لبنان على كل لسان. والواقع على الأرض في بعض المناطق اللبنانية، من طرابلس إلى عكار إلى البقاع وبيروت، يدلّ على أن الاستقرار هشّ، والأمن مهزوز والاحتكام هو للسلاح. كأنه لا دولة في لبنان، ولا مؤسسات أمنية، وكأن ما يقوله معظم السياسيين عن المصالحة والوفاق والاتفاق والشراكة والتعاون والوحدة لا مكان له عندهم أولاً في الممارسة، ولا مكان له على الأرض. فما يُقال شيء وما يُحضر له شيء آخر. والشعور الذي يخيف اللبنانيين هو أنهم يرون الأمور تتجه نحو مواجهات شاملة. هم لا يريدونها فعلياً ولكنهم يصطفون وراء زعماء وقيادات ويمارسون لعبة التحريض ضد بعضهم وسيكونون في النهاية وقود هذه المواجهات. السؤال: لماذا المواجهة؟ من يواجه من؟ لماذا السلاح؟ لماذا الفوضى؟ لماذا السلاح والعنف هما سيدا الأحكام؟ من سيربح من هذه السياسة؟ المشكلة في الحقيقة هي أننا ننسى الوقائع والتاريخ. حتى التاريخ الحديث جداً في بلدنا وبلاد العالم ولكن خصوصاً في بلدنا المميز بطابع التنوع، والمحكومة تركيبته بتوازنات ومعادلات لا يمكن تجاهلها. في الحرب الأهلية، ومن ضمنها حروب الآخرين على لبنان، كما يريد البعض اعتبار ما جرى في هذا البلد بين 1975 تاريخ اندلاع الحربو1989 تاريخ توقيع اتفاق الطائف، في هذه الفترة استخدم اللبنانيون كل أنواع الأسلحة ضد بعضهم البعض، واستخدمتهم دول وأجهزة مخابرات ضد بعضهم في كل الاتجاهات والمعارك، والنهاية كانت: تسوية لا تستحق شيئاً من تضحياتهم البشرية والمادية. في السنوات الثلاث الأخيرة تفاقمت الأزمات حتى اندلعت في الشارع أحداث أمنية خطيرة وحروب صغيرة بدأت متنقلة من مكان إلى آخر: مناوشات، اشتباكات بالعصي، تطورت إلى إطلاق نار، حتى وصلت إلى استخدام أسلحة مختلفة وسقط عدد من القتلى والجرحى، واستذكر اللبنانيون أيام الحرب اللعينة بدمائهم وتهجيرهم وبالفوضى التي سادت، وبتحكم بعض "القبضايات" بالشوارع وأمن الناس وحياتهم فيها... والنهاية كانت تسوية الدوحة التي لا تستحق دم أي مواطن لبناني.بعد الدوحة، كأننا نعود إلى المسلسل ذاته: اشتباكات متنقلة، واستخدام أسلحة متطورة فيها، حديث لكبار المسؤولين وليس ثمة سر في لبنان، عن استقدام أسلحة من كل النوعيات، في هذه المنطقة أو تلك وكأنها استعدادات لحرب جديدة. لنأخذ الأمور من نهايتها. ماذا ستكون النتيجة؟ بالتأكيد: تسوية جديدة. لن يكون فيها غالب أو مغلوب بين الأطراف، بل سيخسرون جميعاً لأن ما يجري يتم في ظل ظروف يمكن للبنان واللبنانيين لو حموا أنفسهم وبلدهم أن يستفيدوا منها كثيراً. وخير شاهد على ما أقول هو ما يجري حولنا من نمو وازدهار بسبب استقرار من جهة وفورة مالية هائلة من جهة أخرى وإصرار أصحابها على الاستفادة منها في مشاريع التنمية والتطوير ومواكبة تطورات العالم في كل اتجاه. عندنا في لبنان، الأمور تسير في اتجاه آخر، الجميع يتحدث عن الوضع السيئ المهترئ. وعن الخوف من احتمالات تطوره نحو مواجهات مفتوحة ذات طابع مذهبي أو طائفي وكأن الناس لايريدون أن يتعلموا مما جرى. السلاح في وجه العدو الإسرائيلي قوة للمقاومة. أي مقاومة. السلاح في وجه أبناء البلد إضعاف للمقاومة، وإضعاف للبنان وقوة لإسرائيل؛ لأن هدفها الأساس هو الفتنة المفتوحة في لبنان المتنقلة بين منطقة وأخرى والمفتتة للبلد وعناصر قوته ولصيغته الفريدة.والمؤلم أن كل ما يجري عندنا يظلله تهديد إسرائيلي يومي بالانتقام من لبنان واستباحة إسرائيلية للقرار الدولي 1701 وللأجواء والأراضي اللبنانية والمياه الإقليمية اللبنانية. وأي عدوان إسرائيلي على لبنان، وبغض النظر عن جهوزية وقدرة المقاومة، وعن حق اللبنانيين في مواجهته، وبغض النظر عن السجالات الدائرة بين اللبنانيين حول هذه المسائل، فإن الدمار سيلحق بالجميع، والخسائر ستطال الجميع، والثمن سيدفعه لبنان واللبنانيون، فيما تختار كل الدول خيارات التفاوض والدبلوماسية والتهدئة وتركز على لملمة أوضاعها الداخلية وتحسين وتحصين علاقاتها الخارجية وتأمين مصالحها. ليس ثمة أخطر من التسليم بالعجز الفكري أو السياسي. وليس ثمة أخطر من التسليم بأن هذا هو لبنان. ولا نستطيع أن نفعل شيئاً! هذا هو قدره! هذا هو واقعه الجغرافي، وهذا هو تاريخه! يعني كأننا نسلم بأن ما كتب لنا يدفعنا في هذه المرحلة إلى حرب جديدة ولا حول ولا قوة لنا في مواجهتها بل كل الحول والقوة في مواجهة بعضنا البعض! أين السياسة؟ ما هو معناها؟ أين السياسيون؟ ما هو دورهم؟ وما هي مسؤولياتهم؟ أين القادة؟ أين الكبار؟ أين الأحزاب ومبادؤها وقيمها وأهدافها؟ لقد تراجع كل شيء، وانحدر مستوى العمل السياسي، وتكاد تغيب في كل المواقع أحياناً وفي كل المؤسسات، المسؤوليات. المسؤوليات الشخصية والمعنوية والسياسية، والشاطر كما يُقال هو "بشطارته" كيف يرتب وضعه، وكيف يرتب وضع جماعته على حساب البلد والآخرين فيه! والتجربة أثبتت أن لا أحد بمنأى عن المخاطر. لقد دفع الجنوب أثماناً غالية بشرية ومادية وهجر أهله مرات. ودفع معهم اللبنانيون أثمان حرب إسرائيل على منطقتهم. ودفع الجبل أثماناً كبيرة في الحروب الداخلية، وكذلك العاصمة، والشمال. واليوم مجدداً الجنوب والبقاع، وكل لبنان في دائرة الاستهداف الإسرائيلي. ومعظم المناطق الأخرى في مواجهة مخاطر الحروب الداخلية، الفئوية والمذهبية والطائفية ومخاطر الإرهاب الذي لا يرحم أحداً. آن الأوان لقرار شجاع كبير يتحمل مسؤوليته الجميع. لا للحرب. مهما كانت الظروف. لا للسلاح. لا للإرهاب. لا للقتل. نعم للسلام الداخلي الذي يحمي لبنان واللبنانيين.
عن الاتحاد الاماراتية

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .