الأحد، 28 سبتمبر 2008

دلال البزري الدراما الفضائية في سوق رمضان

الدراما الفضائية سوق في رمضان

دلال البزري
يُفترض انها سوق الموسم الدرامي الرمضاني. وهي في الواقع سوق إعلانات يُقتطع منها مشاهد من الدراما الرمضانية. وفي موسم هذه السنة، مزيد من التأكيد على هذه الصفة الواقعية للموسم، بحيث ان نجمي سينما، مثل أحمد حلمي وكريم عبدالعزيز، تحولا الى نجمَي إعلان. ينافسان نجوم الدراما، ويتنافسان في ما بينهما، مثلما يتنافس نجوم الدراما.صاحب القرار الأعلى في هذه السوق؟ شركات الإعلان المموِّلة الأصلية للفضائيات الخاصة والعامة، وحتى المشفّرة منها، أي المموِّلة من جيوب المشاهدين. وشركات الإنتاج تموّل المنتجين بدورهم. فتحدّد «توجهاتهم» وموضوعاتهم ونجومهم وأذواقهم. وكل هؤلاء الشركاء المضاربين توسعت حدودهم وجنسيتهم الآن. بينهم الخليجي والسوري والمصري... وبعض اللبناني والأردني والتونسي. بل حتى إيراني (الماكيير).والسوق الرمضاني الدرامي عبارة عن أقنية فضائية وأرضية تستثمر في وقت المواطن، كل وقته. بل 24 على 24 ساعة من هذا الوقت لا تكفي لتغطية كل بضاعتها! فالوتيرة كهربائية والتخمة ولا تضاهيها إلا تخمة المأكولات الرمضانية، والتي تعطيك فكرة عنها الإعلانات المنافسة لها. 50 مسلسلاً مصرياً، و45 سورياً و15 خليجياً... (إن كان الضبط ممكناً). تختلط بداخلهم جنسيات مختلفة. ما دفع بعض النقاد الى امتداح هذا «الشكل من أشكال التكامل العربي»... ولكن الخلاصة المفيدة لصاحب القرار في نهاية الشهر الكريم هي: من يفوز؟ كوكا كولا ونجمها كريم عبدالعزيز؟ أم بيبسي كولا ونجمها أحمد حلمي؟لماذا رمضان بالتحديد؟ وليس شهر آخر؟ لأن المنتج يتوقع، وهذا صحيح أيضاً، أن الصائم، بإفطاره وسحوره، كما غير الصائم، سوف يزيد جلوسهم أمام الشاشة. وبالتالي، سوف يربح اكثر بنسبة 40 الى 50 في المئة لو عرض بضاعته في رمضان.ومن اجل هذه الغاية الجادة، لا تلعب شركات الإعلان، بل تجتهد. تستشف، تجس النبض وتلتقط «المناخ»، فتقترح ما تعتقد انه سيربحها. وقد تكون دقيقة. هدفها الإنجاز في الأرباح، لا تلعب. فتعرض ما يشبه هذا «المناخ»... أو ما لا يتعارض مع «مزاجه». وخلاصة اجتهادها: أي طلب للعقل والمخيلة على عرضها؟فتأتي الثرثرة الثقافية التالية للشهر الكريم لتغذّي تصور الشركة المنتجة على نوعية الطلب للموسم المقبل، بعدما ضخّت في الموسم السابق من مواد. السوق الفضائية في رمضان الماضي طغى عليها «الملك فاروق» مثلاً. فاشتعل حنين الى الحقبة الفاروقية، لم تعكره سوى الردود «الناصرية» عليه. وما كان إلا أن انتج في رمضان هذه السنة ما يمكن اعتباره رداً مفحماً على «فاروق»، المسلسل والملك والعصر: مسلسل «ناصر». عبد الناصر، الزعيم منذ نعومة الأظفار... والأكثر دلالة من المسلسل نفسه: أن النجمة وفاء عامر التي لعبت دور والدة فاروق في رمضان الماضي، لعبت هذه السنة دور والدة عبد الناصر. بل صرحت للصحافة بأنها مرتاحة لأمومة عبدالناصر أكثر من ارتياحها لأمومة فاروق. فانتعش الجو قليلاً! خصوصاً أن الحكومة المصرية المكروهة لم تعرض «ناصر» على شاشاتها.و «مناخ» الحنين لماض قريب يتناسل، مع مسلسل «اسمهان». وهو مرشح للمزيد. فكما لعب النجم مجدي كامل دور عبد الناصر في مسلسل «العندليب» في رمضان قبل الماضي، فأسندت إليه بطولة عبد الناصر في موسم هذه السنة... كذلك مسلسل «أسمهان» قد يتيح للنجم أحمد شاكر الذي لعب ببراعة دور شقيقها فريد الأطرش... ان يكون بطل الموسم المقبل في مسلسل «فريد الأطرش»... والتمييز بين حقبات الحنين أيضاً واضحة. فكما لم يُبخل على «فاروق»، لم يُبخل على «اسمهان»، في التمثيل والسيناريو والإضاءة والتصوير والموسيقى الخ. فبدى «ناصر» فقيراً حقاً أمامها... كأن التقشف الناصري شهادة براءة ضد الحنين لفاروق ولعصره. ذكاء «اسمهان» انه ارتفع عن جماهيرية المغطس الذي أبت إلا أن تقع فيه نجمات الدراما المصريات خصوصاً: مغطس الشخصية القديسة، الجيمس بوندية، الصاعدة، الغالبة في كل الأحوال. شخصية القدوة المطلقة. لم يُستَر على اسمهان كما سُتِر على أم كلثوم، «زعيمة» الغناء العربي، في رمضان عام 2000. فأسمهان ترفض لبس الحجاب. أسمهان تشرب الخمرة وتدخن السيجارة وتهمل ابنتها وتلعب القمار... ليست القديسة أسمهان. وقد لا تكون هذه الأسمهان حقيقية ايضاً، ولكنها، كما أرادها مخرجها، «أسمهان» الشاعرية، النفس الضائعة والمعذبة، مهما كثُرت خطاياها. وهذه نقاط ميزت أسمهان عما يقارب المئة مسلسل في هذا الموسم.هناك شريك صغير في هذه السوق: الصحافة المكتوبة، المتابعة للدراما وبدأب. والتي أصبحت شبيهة بمؤشرات البورصة الفنية: اليوم «طلع» هذا و «نزل» ذاك... كل اليوم هبوط وصعود. أو دور «السنّيدة» لهذا النجم او ذاك... وأحياناً بحسب الاتجاه السياسي. أو حائط مبكى، ملاصق للسوق أيضاً: يرثي المطّ والتكرار والأخطاء الفادحة... وكلها تباشير الموسم المقبل، حقبة الثرثرة بامتياز. فلا تعفي هذه الصحافة بطلاً أول أو ثانياً أو ثالثا من أسئلتها «الأكاديمية» أو الأخلاقية أو حتى الدينية... كلُ بحسب موضوع بطولته. فكما نور الشريف في رمضان 2002 عندما صار يفتي بتعدد الزوجات بعدما كان بطلاً لمسلسل «الحاج متولي» المزواج. كذلك سولاف الفواخرجي، بطلة «أسمهان» الموهوبة، ومجدي كامل الذي لا يقل موهبة... باشروا منذ الآن التأريخ لأسمهان وعبد الناصر ولعصرهما.إن هذه السوق القائمة على الربح السريع والهائل، وعلى هدر ساعات الشهر الفضيل، والمتسببة بثرثرات تسمّيها سجالات، المنفلتة من أي حساب إلا حساب السوق، والمتسيّدة على «مناخاتنا»، والمدغْدغة لمخيلتنا، الفقيرة أصلاً... من يراقبها؟ من يضع لها القوانين منعاً لهدر وقتنا ومخيلتنا ومعرفتنا؟ ما هي حدود سلطتها المعيارية والذهنية؟ ما هي طبيعة «مرجعيتها» العلمية أو المعرفية؟ وهل من قانون عربي تكاملي» يضبط هذه السوق؟ بعدما نجح قانون السوق بإرساء دعائمها المادية؟
عن الحياة

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .