الأحد، 28 سبتمبر 2008

مارتن فيلدشتاين المشكلة الاميركية وجذورها العميقة

المشكلة الأميركية وجذورها العميقة

مارتن فيلدشتاين

الآن بات موعد انعقاد الانتخابات الرئاسية الأميركية على بُعد أقل من شهرين، وأصبح القدر الأعظم من الانتباه منصبا على حالة الاقتصاد الأميركي والتحديات التي ستفرضها حالة الاقتصاد على الرئيس القادم. نحن الآن في أوج الأزمة المالية الناجمة عن سوء التسعير الخطير لأشكال المجازفة كافة، فضلاً عن انهيار فقاعة الإسكان التي نشأت أثناء النصف الأول من هذا العقد. وما بدأ كمشكلة مع قروض الرهن العقاري الثانوي انتشر الآن إلى المساكن على نحو أكثر عموماً، علاوة على غير ذلك من فئات الأصول المختلفة. إن مشكلة الإسكان تساهم في الأزمة المالية، التي تؤدي بدورها إلى انكماش الإمدادات المتاحة من أرصدة الائتمان المطلوبة لدعم النشاط الاقتصادي. تفاقمت الأزمة المالية أثناء الأسابيع الأخيرة، وهو ما انعكس في استيلاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) على المؤسستين شبه الحكوميتين اللتين تعملان في تقديم قروض الرهن العقاري، «فاني ماي» و»فريدي ماك»- وهو ما قد يكلف دافعي الضرائب الأميركيين مئات المليارات من الدولارات- فضلاً عن إفلاس «ليمان برذرز» وبيع «ميريل ليينش». وهذه الإخفاقات المالية تعكس في النهاية الهبوط الحاد في أسعار المساكن والعدد المتزايد من المساكن التي أصبحت قيمتها في السوق أقل من قيمة أقساط الدين المتبقية عليها.
إن هبوط قيمة العقار عن قيمة أقساط الدين المتبقية أمر خطير، وذلك لأن قروض الرهن العقاري في الولايات المتحدة عموماً قروض «مؤَمَّنة». ففي حالة عجز مالك المسكن عن السداد، تستطيع الجهة المقرضة أن تسترد المسكن، ولكنها لا تستطيع أن تستولي على أي ملكية أو دخل آخر للمقترض للتعويض عن أي أقساط غير مدفوعة. وحتى في الولايات حيث القروض «غير مؤَمَّنة» فإن الدائن عادة لا يلجأ إلى ملاحقة أصول أو دخول الأفراد المتخلفين عن السداد.
لا أحد يستطيع أن يجزم إلى أي مدى قد تستمر أسعار المساكن في الهبوط. يقول الخبراء إن الأمر يتطلب هبوط الأسعار بنسبة 15% أخرى حتى يتسنى للسوق العودة إلى أسعار ما قبل فقاعة الإسكان. ولكن لا شيء قد يمنع استمرار الأسعار في الهبوط بمجرد بلوغها تلك النقطة. فلسوف تستمر الفجوة المتنامية بين قروض الرهن العقاري وأسعار المساكن في زيادة معدلات التخلف عن السداد. ولسوف يختار العديد من أصحاب المساكن القادرين على تسديد أقساط الرهن العقاري التخلف عن السداد والانتقال إلى مساكن مستأجرة، وتأجيل شراء المساكن إلى أن تسجل أسعارها المزيد من الهبوط.
مع تخلف المزيد من ملاك المساكن الذين تجاوزت قيمة أقساط رهنهم العقاري قيمة مساكنهم في السوق عن السداد، فإن المساكن التي يتم إخلاؤها بعد حبس رهنها العقاري تساهم في زيادة المعروض من المساكن الأمر الذي لابد أن يؤدي إلى المزيد من الهبوط في أسعار المساكن. وكلما انخفضت الأسعار كلما اتسعت الفجوة بين قيمة المساكن في السوق وقيمة الأقساط المتبقية عليها، الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى المزيد من حالات التخلف عن السداد وحبس الرهن العقاري. وليس من الواضح ما الذي قد يتمكن من إيقاف هذه الحلقة المفرغة الذاتية الدفع.
إن أسعار الإسكان المنحدرة تُـعَد السبب الرئيسي وراء الأزمة المالية، كما تشكل الوضع المتوقع للاقتصاد في المستقبل، وذلك لأن الأوراق المالية المدعمة بقروض الرهن العقاري، والمشتقات القائمة عليها، تشكل الأصول الأولية التي يؤدي ضعفها إلى ضعف المؤسسات المالية. وإلى إن تستقر أسعار المساكن فلن يكون بوسع أحد أن يقيِّم هذه الأوراق المالية بأي قدر من الثقة. وهذا يعني أن المؤسسات المالية التي تمتلكها لا تستطيع أن تثق في السيولة النقدية لدى الأطراف التي قد تتعاقد معها، أو عجز هذه الأطراف عن السداد- أو حتى في قيمة رأسمالها. ومن دون هذه الثقة فلن تتدفق أرصدة الائتمان، وهذا يعني تقييد الأنشطة الاقتصادية.
فضلاً عن ذلك، ولأن المؤسسات المالية اشترت أصولها في الأساس بأموال مقترضة، فإن العجز في الائتمان يتفاقم بسبب احتياج هذه المؤسسات إلى تخفيض قيمة أدواتها المالية ورأسمالها المقترض. وما دام رفع رأس المال أمراً صعباً ومكلفاً، فإن المؤسسات المالية تلجأ إلى تخفيض نشاطها من خلال التقليل من الإقراض. بيد أن ضعف الاقتصاد الشامل الذي تعانيه الولايات المتحدة الآن يرجع إلى ما هو أبعد من العجز في الإمدادات من أرصدة الائتمان. إذ إن هبوط أسعار المساكن يؤدي إلى تقلص ثروات الأسر الأميركية وبالتالي انكماش الإنفاق الاستهلاكي. كما يؤدي انخفاض معدلات تشغيل العمالة إلى تقلص الأجور والدخول. ومع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة تتقلص الدخول الحقيقية. فضلاً عن ذلك فإن انحدار النشاط الاقتصادي في بقية أنحاء العالم يعني انخفاض الطلب على صادرات الولايات المتحدة. وفي اعتقادي أن استجابة مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) كانت سليمة حين قرر تخفيض أسعار الفائدة الرئيسية بصورة مفاجئة واحدة، وإنشاء حزمة متنوعة من أدوات الائتمان الجديدة. فكان انخفاض أسعار الفائدة مفيداً لأنه جعل الدولار أكثر قدرة على المنافسة، ولكن من ناحية أخرى يبدو أن السياسة النقدية فقدت الزمام بسبب الحالة السيئة التي وصل إليها قطاع الإسكان والاختلال الوظيفي الذي تفشى في أسواق الائتمان.
أقر الكونغرس الأميركي وإدارة بوش تخفيضاً ضريبياً بلغت قيمته مائة مليار دولار أميركي سعياً إلى تحفيز الإنفاق الاستهلاكي. وكان الذين قرروا مساندة هذه السياسة من بيننا يدركون عموماً أن التاريخ والنظرية الاقتصادية يؤكدان أن مثل هذه التحويلات المالية التي تتم لمرة واحدة ضئيلة التأثير، ولكننا تصورنا أن هذه المرة قد تكون مختلفة. وكان دعمنا لهذه السياسة كما وصفه صامويل جونسون «انتصاراً للأمل على الخبرة».
بيد أن آمالنا خابت في النهاية. فقد صدرت الآن البيانات الرسمية الخاصة بالدخل الوطني عن الربع الثاني من هذا العام، ولقد أظهرت هذه البيانات أن تحفيز التخفيضات الضريبية للإنفاق الاستهلاكي كان ضئيلاً للغاية، حيث ادخرت الأسر الأميركية أكثر من 80% مما استردته من رسوم ضريبية أو استخدمته في تسديد بعض ديونها. وعلى هذا فإن ما أضيف إلى معدلات الإنفاق الحالية كان ضئيلاً للغاية. هذا هو إذن موقف الولايات المتحدة الآن: فهي في أوج أزمة مالية طاحنة، حيث يشهد الاقتصاد انحداراً شديداً نحو الركود، بينما بلغت السياسة النقدية بالفعل أقصى حدود الارتخاء، وأصيبت التحويلات المالية بالعجز والوهن. وهو موقف غير سار على الإطلاق بالنسبة للرئيس الأميركي القادم أياً كان.


* أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة هارفارد، وكان يشغل منصب رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس رونالد ريغان ومنصب رئيس الهيئة الوطنية للبحوث الاقتصادية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .