الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

عن "الحياة" اللندنية


سِـيَر السياسيّين وسيرة المجتمع



حازم صاغية

في الذكرى الثلاثين لتغييب الإمام موسى الصدر، تُرسم لمؤسّس «المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى» صورتان متناقضتان. فأحد طرفي النزاع اللبنانيّ يقدّم الصدر بوصفه أب المقاومة لإسرائيل وحامي السلاح الفلسطينيّ والمكتشف الأوّل لحيويّة العلاقة مع سوريّة وأهميّتها، فضلاً عن كونه الملوّح بالسلاح لحلّ مشكلة «الحرمان». والطرف الثاني يقدّمه راعي الحفاظ على وحدة الدولة والمجتمع اللبنانيّين، المحاور للطوائف الأخرى، المؤكّد على اللبنانيّة انتماءً نهائيّاً للشيعة، والضاغط سلماً من أجل اندراج طائفته سلماً في لبنان واستيعاب لبنان سلماً لشيعته.
والصورتان صحيحتان. وهما لئن تداخلتا طوال الفترات المعنيّة جميعاً، بقي ممكناً تحديد فترة الانتقال في مواضع التركيز: إنّها انتخاب سليمان فرنجيّة رئيساً في 1970 والتي راح معها وجه الصدر الراديكاليّ و»العروبيّ» يطغى على وجهه الإصلاحيّ و»اللبنانيّ». وهو تحوّل مصدره الاستنفاد الذاتيّ لـ»المارونيّة السياسيّة» عهدذاك وعجزها، عبر فرنجيّة، عن استجابة القوى الصاعدة والمطالب المستجدّة للمجتمع اللبنانيّ.
لكنّ ازدواج صورة الصدر يكاد يصحّ في جميع السياسيّين ما بين استقلال 1943 واتّفاق الطائف. فرياض الصلح تحوّل من عروبة عابرة للدول الوطنيّة، وهي في بداياتها يومذاك على أيّ حال، إلى أحد رمزي الاستقلال اللبنانيّ المنفتح، طبعاً، على عروبة رسميّة وثقافيّة. وعبد الحميد كرامي تحوّل من رافض للكيان اللبنانيّ جملة وتفصيلاً إلى مشارك بارز في حياته السياسيّة. وصائب سلام تحوّل، هو الآخر، من قائد «ثورة 1958» المدعومة من عبد الناصر إلى الخصم السنّيّ الأوّل للناصريّة، وصولاً، في ظروف ما بعد 1982، الى رعاية عهد الرئيس الكتائبيّ أمين الجميّل. كذلك تحوّل كمال جنبلاط من أحد رموز «الانعزاليّة» الجبليّة لـ»لبنان الصغير»، وهو الذي باشر الحياة السياسيّة في أجواء «الكتلة الوطنيّة» لإميل إدّه، إلى كبير راديكاليّي السياسة اللبنانيّة في 1958، ثمّ الحليف الوثيق في حرب السنتين للمقاومة الفلسطينيّة، قبل أن يقضي على يد حلفاء الأمس. أمّا رفيق الحريري، الشاب القوميّ العربيّ، فختم حياته أكبر ضحايا «وحدة المسارين» العروبي الذي خدمه طويلاً كرئيس حكومة وقطب سياسيّ.
وإذا كان سياسيّو الجبل الموارنة الأقلّ تعرّضاً لهذا التقلّب، مع أنّهم لم ينجوا كليّاً منه، فإن سليمان فرنجيّة، الشماليّ، عاش تحوّلات كبرى ما بين 1958 ورئاسته «الانعزاليّة» في 1970-76، ثمّ صدامه المفتوح مع الكتائب عام 1978 والذي رافقه حتّى يومه الأخير.
وهي جردة سريعة تحاول القول إن «الوطنيّة اللبنانيّة» الحديثة العهد والتشكّل تحتمل هذه الخضّات والتغيّرات، لا سيّما في الجماعات التي تكون هي أيضاً حديثة العهد في التشكّل الطائفيّ، أو صادرة عن مناطق ليست من «لبنان الصغير»، مهد المشروع الوطنيّ اللبنانيّ. بيد أن ثمّة ما يشبه القانون الذي يقف وراء تلك الانعطافات وينطوي على شقّين: ذاك أن الرعونة المسيحيّة-الجبليّة، حتّى الفترة التي انتهت بحرب السنتين، كانت ما يدفع السياسيّين، لا سيّما منهم المسلمين، بعيداً من المشروع الوطنيّ اللبنانيّ، فيما الرعونة العربيّة كانت ما يدفعهم إليه. والمعادلتان مأخوذتان معاً تشيان بحجم المعاناة والألم اللذين تكبّدهما، ولا يزال يتكبّدهما، اللبنانيّون، من أجل التوصّل إلى ما يُفترض أنه بديهيّ، أي العيش في مكان أعلى من مكوّناته التجمّعيّة في الطوائف والمناطق، وأعلى، في الوقت نفسه، مما يتعدّاه في الأمكنة.
في المعنى هذا تلوح سِـيَر السياسيّين، وغالبهم ختم حياته على نحو مأسويّ، بعض أدقّ المرايا العاكسة سيرة المجتمع. فهل نقول كلاماً مفيداً للمستقبل، أم أن «حزب الله» غيّر سائر المعادلات والمعاني، فصار هذا جميعه من الماضي ولم يعد ثمّة مستقبل إلاّ تحت الركام والأنقاض؟

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .