الأحد، 28 سبتمبر 2008

مروان اسكندر اميركا الاشتراكية


أميركا الاشتراكية
مروان اسكندر

حاولت الادارة الاميركية مدى سنوات تكريس برنامج واشنطن للتحرير الاقتصادي كمنهج عالمي، خصائصه تبنّي سياسات ليبرالية تشجع على الاستثمار والتجارة، وتحرير التبادل التجاري من القيود، وإلغاء كل ما يحد من تحويل العملات وتوجهها نحو الاستثمارات الاربح عالمياً. كل ذلك، بحسب تأكيدات الادارة الاميركية، يؤدي الى تعزيز الديموقراطية، ولا يمكن نجاح الاقتصاد الحر الا في مناخ ديموقراطي. هكذا اكدت ادارة جورج بوش تكراراً، والى حد بعيد بفظاظة، القناعات غير القابلة للمناقشة.الا ان اجراءات وخطوات عدة ومتنوعة أظهرت ان الولايات المتحدة في عهد جورج بوش لم تعد منارة الديموقراطية. وظهر التخلي عن الجذور الديموقراطية من طريقة انتخاب بوش نفسه في الدورة الاولى من الانتخابات، وإجراءات الاحتجاز الالزامي، والتنصت على المخابرات، ومهازل محاكمات غوانتانامو. والصورة الادهى تجلت في احتلال العراق من أجل السيطرة على موارده النفطية وتعميم السيطرة الاميركية في الخليج، وكل ذلك مع الادعاء ان القوات الاميركية احتلت العراق لمساعدة العراقيين على ممارسة حقوقهم الديموقراطية.قناع الديموقراطية سقط قبل سنوات، وحكم المال والاستئثار طغى على نحو مخيف. فخلال اسبوعين تحولت الولايات المتحدة من بلد محتضن ومطوّر لنظام الاقتصاد الحر الى بلد يوحي أن الاكثر اشتراكية في العالم. فخلال 15 يوما اصبحت موارد الدولة وواردات الضرائب التي يدفعها المواطنون مخصصة لإنقاذ شركات ومؤسسات غامرت سعياً الى الربح فسقطت، ومع ذلك حظي بعض مديريها بمدفوعات تشجيعية عن عام 2007 راوحت أحياناً بين 50 و60 مليون دولار دفعت مسؤولين تنفيذيين لشركات أفلست قبل منتصف هذه السنة.•••وقد استرعى الانتباه التعليقان التاليان عن الاشتراكية المتمثلة في سيطرة الدولة على اهم المؤسسات الاقتصادية، اضافة الى املاك عامة مصنفة ضمن المناطق المحظور تطويرها.التعليق الاول ورد في "الفايننشال تايمس" في عدد نهاية الاسبوع (20-21 ايلول) كتبته كرستيا فريلاند المشرفة على المواضيع المتعلقة بالولايات المتحدة في هذه الصحيفة المتميزة، وجاء في تعليقها على برنامج وزير الخزانة للولايات المتحدة لإنقاذ سوق القروض المسمومة (أي الصعبة) المتعلق بتخصيص 700 مليار دولار لشراء هذه القروض، وذلك بعد تأميم مؤسستي "فاني ماي" و"فريدي ماك" المختصتين بضمان القروض العقارية، وتبلغ ضمانتهما 6500 مليار دولار، ومن بعد تسليف شركة التأمين الاميركية الدولية AIG 85 مليار دولار، ان هذا الوزير القادم من بلدة صغيرة في ولاية ايلينوى عبر رئاسة بنك الاستثمار "غولدمان ساكس" قد سبق فلاديمير بوتين بأشواط في مجال تأميم المؤسسات الكبرى ووضعها تحت جناح الدولة. والمعلوم ان بوتين لم يفعل ذلك إلا بالنسبة الى شركة "يوكوس" للنفط التي كان المساهم الاكبر فيها يتصرف كأنه غير خاضع لأي قوانين.التعليق الثاني، كتبته ساشا الهاشم، وهي محللة مالية لبنانية – اميركية متخصصة بأسواق اوروبا الشرقية، وفيه ان الولايات المتحدة اصبحت البلد الاوسع اشتراكية في العالم. فنسبة 60 في المئة من الرهونات العقارية باتت في يد الدولة، و20 الى 25 في المئة من المصارف هي الآن تحت سيطرة المؤسسات الفيديرالية، والصناديق النقدية الاستثمارية التي تحتوي على 3600 مليار دولار اصبحت بضمان الحكومة الفيديرالية، اضافة الى الاملاك الفيديرالية الشاسعة التي تعتبر مناطق غير قابلة للاستثمار. وتاليا صارت الحكومة الاميركية اكبر بلد اشتراكي في العالم، وفي استطاعة المراقب ان يحدد اين هو دور الديموقراطية.•••ان التطورات التي حصلت بين 7 ايلول و22 منه اسقطت مقولة تلازم الاسواق الحرة وحرية تبادل الاسهم والعقود، وكذلك تلازم حرية الصرف مع الديموقراطية. وثمة تطورات سابقة بينت ان الديموقراطية ليست بالضرورة على الصورة الاميركية، كما انها لا تتحقق تلقائيا مع تحرير الاسواق والتجارة والعملات. وأبرز صور النجاح الاقتصادي والتجاري الصين التي لا تزال تستند الى حد بعيد الى أجهزة حكم مركزي انضباطي.وخلال الربع الاخير من القرن العشرين والسنوات المنقضية من القرن الحادي والعشرين، توصلت الصين الى تحسين مستويات عيش 400 مليون مواطن من العوز الى الكفاية، وفي حالات عدة الى البحبوحة. هذا التطور الفريد لم يشهد العالم مثله طوال القرن العشرين. واتبعت سنغافورة مثال الصين وحققت نجاحات كبيرة جعلتها تحتفظ باحتياط ضخم قياسا، بعدد سكانها. وبالفعل ساهمت المؤسسات الاستثمارية السنغافورية في انقاذ اكثر من مؤسسة مالية أميركية من الافلاس.اضافة الى سقوط مقولة تلازم تحرير الاسواق والعملات مع الديموقراطية، وسقوط اتهامات السيطرة الحكومية على المؤسسات الاقتصادية في روسيا، كان للتطورات الاخيرة بُعد آخر أكثر أهمية لمستقبل الاقتصاد العالمي وإمكانات تجاوز الازمة الحالية التي تآكلت حتى تاريخه أكثر من 2000 مليار دولار من الموارد المالية.فالدولار لم يعد صالحاً لاعتماده مرتكزاً لنظام النقد الدولي. اذ ان العملة الاميركية غير خاضعة للضبط، وسخاء السلطات الاميركية في تأمين الدولارات لحل المشاكل الآنية أمر يطرح السؤال عن قيمة هذه العملة. فان كانت سلطات أي بلد منفلتة من الانضباط، فلا بد لعملة البلد المعني ان تتهاوى ضمن نظام العولمة الذي أصبح طاغياً الى حد بعيد.استناداً الى خطوات الانقاذ الاميركية التي وضعت نشاطات وقطاعات مهمة من القطاع الخاص تحت سيطرة الحكومة الفيديرالية، تكاثرت المخاوف على سعر صرف الدولار مستقبلا، وتاليا، انخفض سعره ازاء الاورو بين أيام الجمعة 19 ايلول والاثنين 22 منه بنسبة ثلاثة في المئة، وأدى هذا الانخفاض الى ارتفاع سعر برميل النفط أكثر من 12 في المئة ، من 97 دولاراً الى 110 دولارات. وهكذا، اتضح ان انخفاض سعر صرف الدولار، عملة تحديد اسعار النفط، كان و لا يزال السبب الرئيسي لارتفاع اسعار النفط.ومعلوم ان استهلاك النفط انخفض عالميا بنسبة اثنين في المئة منذ بداية فصل الصيف. فالاستهلاك الاميركي تقلص 600 الف برميل يومياً، واستهلاك الصين 150 الف برميل، كما شهدت فرنسا للمرة الاولى منذ سنوات انخفاض نسبة استهلاك البنزين والمازوت في شهري تموز وآب، أي خلال ايام العطل الصيفية وكثافة التنقل، بنسبة 12 في المئة.والامر الاكيد ان امدادات النفط متوافرة، وان بعض البلدان لا يستطيع تسويق الكميات التي يمكّنه انتاجها بموجب برنامج "اوبك"، وان اعناق الاختناق تبرز في طاقة التكرير التي تساهم، الى انخفاض سعر صرف الدولار، في رفع أسعار النفط.بعد شهر أو شهرين تكون اضرار اعاصير خليج المكسيك قد انحسرت، وعلى الغالب تستطيع السلطات النيجيرية مع شركة "شل" اصلاح اضرار الخطوط التي خربتها اعتداءات العصابات، ويمكن عندئذ توقع انخفاض اسعار النفط. انما هناك سببان قد يحولان دون هذا الانخفاض، أو على الاقل حصر الانخفاض بنسبة لا تتجاوز الـ 10 في المئة.السبب الاول ان موسم الشتاء مقبل، وحاجات التدفئة تتعاظم خلال هذا الفصل. والسبب الثاني ان مخاوف الدول المنتجة من الازمات المالية الطارئة ومن انخفاض سعر الدولار سيدفعها الى تقليص انتاجها، وإن بنسب ضئيلة، حفاظا على استقرار الاسعار ومداخيلها، خصوصاً ان بعض هذه الدول واجه خسائر كبيرة في الاسواق المالية، سواء في الداخل أو في السوق الاميركية التي شهدت تحولات مخيفة.

عن النهار


ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .