الاثنين، 22 سبتمبر 2008

روجر كوهين، الحروب الحقيقية والحروب الثقافية الاميركية

الحروب الحقيقة والحروب الثقافية الاميركية





روجر كوهين



جاء الصعود المفاجئ للحرب الثقافية في سياق الإنتخابات الأميركية على حساب الحوار الهادف حول الحروب الحقيقية الدائرة حالياً في أفغانستان والعراق. وهذا أمر خطير لأن هاتين الحربين تقفان على مفترق طرق حرج في الوقت الراهن.
وقد رأينا جميعاً كيف قامت"سارة بالين" خلال المؤتمر الوطني للحزب "الجمهوري"، بوضع سقف أدنى جديد للجدل الدائر حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما حاولت السخرية من توجه "باراك أوباما" فيما يتعلق بموضوع التعامل مع الإرهابيين الدوليين بقولها:"إنه قلق من ألا يُملي عليه الجماعات الإرهابية شروطهم وحقوقهم".


عفوا مدام "بالين"، ولكن دعيني أطرح عليك السؤال التالي: هل سمعت شيئاً في آلاسكا وأنتِ وسط مراعي الأيل عن معتقل قاعدة "باجرام"، وسجن "أبو غريب" وعن عمليات ترحيل المتهمين إلى بلادهم، والتعذيب بطريقة الإغراق في المياه، وما يحدث في معتقل "جوانتانامو" وبقية الأمور الأخرى المرتبطة بالتعذيب والممارسات الأميركية السيئة في الخارج؟
أنت لا تعرفين ما الذي يمكن أن يحدث عندما تختفي تلك الحقوق، ولكن من المؤكد أن"جون ماكين" يعرف ذلك تماماً، وهو الرجل الذي قال ذات مرة عقب ليلة مريرة من التعذيب في فيتنام:"لقد ضربوني ضرباً مبرحاً وبشكل أفظع من أي وقت سابق. واستمروا في ذلك لفترة طويلة حتى أحسست في النهاية بأنني قد انكسرت". ويتذكر الرجل أنه تعرض للإنكسار بفعل التعذيب، ولهذا السبب عارض ماكين بقوة استخدام إدارة بوش لأسلوب التعذيب. وطالما أن موقف ماكين كذلك، فإن تغاضيه عن تلك الكلمات التي قالتها "بالين" في مؤتمر الحزب يعد أمراً شائناً ومروعاً.
ولكن هاتين الحربين الدمويتين لم تتوقفا مؤقتاً على الأقل لكي تفسحا المجال أمام هذه المعركة الثقافية العقيمة، وذلك على الرغم من مضي 7 سنوات من وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ومع مشاركة حوالي 180 ألف جندي في هاتين الحربين، تعرض طاقة قوات الاحتياط الأميركية للإجهاد إلى أقصى حد، وهو الأمر الذي تعرفه إيران مع استمرارها في تشغيل وحدات الطرد المركزية لتخصيب اليورانيوم، وتعرفه روسيا في ظل التطورات الحالية بمنطقة البحر الأسود والغزو الروسي الأخير لجورجيا.
وفي أفغانستان، يتصاعد التمرد الذي تقوده "طالبان" من حيث الفعالية والقدرة على الوصول إلى الهدف. هناك حديث يدور حول إجراء زيادة محدودة في عدد القوات الأميركية المنتشرة داخل أفغانستان، والتي يصل قوامها في الوقت الراهن إلى 34 ألف جندي، من أجل مواجهة التهديد الذي تتعرض له القوات الأميركية هناك. ولم يعرف بعد العدد الدقيق للقوات الأميركية الإضافية المزمع إرسالها إلى أفغانستان، وإن كان بعض الخبراء يعتقدون أن عدد هؤلاء القوات سوف يصل إلى 12 ألف جندي إضافي. وإلى أن يتم التأكد من العدد الذي سوف يتم إرساله، فإنني أقول بأنني ضد إجراء زيادة محدودة في عدد القوات الأميركية المنتشرة حالياً في أفغانستان.
وفي الوقت الراهن، تنخرط فرنسا، التي أجرت لتوها زيادة محدودة على عدد قواتها المنتشرة داخل أفغانستان، في سجال داخلي محتدم بعد مصرع عشرة جنود فرنسيين معظمهم من سلاح المظلات، شرق كابول في الثامن عشر من أغسطس الماضي تم ذبح واحد منهم على الأقل. وقد أدت الصور التي ظهرت في مجلة "باري ماتش" الأسبوعية لمقاتلي "طالبان"، وهم يرتدون الملابس العسكرية للجنود الفرنسيين القتلى، إلى تأجيج المشاعر الوطنية في فرنسا إلى أقصى حد.
وقد دعت "هيرفيه موران" وزيرة الدفاع الفرنسية إلى" الوحدة الوطنية" في مواجهة "تهديد العصور الوسطى". ولكن إستطلاعات الرأي أشارت إلى أن أغلبية الفرنسيين يفضلون الإنسحاب من أفغانستان، وقد ثارت موجة من الغضب والحنق الشديد داخل فرنسا بسبب الإشارات القائلة بأن جنود سلاح المظلات قد تم التخلي عنهم. ويمكن القول بأن ردود الفعل الفرنسية الصاخبة هذه، ليست سوى تذكَرة بأن حلف "الناتو "في أفغانستان هش، وأن إرسال المزيد من القوات لا يمثل علاجاً لهذه المشكلة في حد ذاته.
لقد كان "أوباما" محقاً عندما قال إن حرب العراق قد جاءت على حساب حملة مكافحة الإرهاب في أفغانستان وهو شيء يصر "ماكين" بعجرفة على إنكاره. أما بخصوص دعوته لإرسال "لواءين مقاتلين إضافيين على الأقل" إلى أفغانستان، ووعده في "دنفر" بإنهاء القتال ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان"، فإني أرى بأنها تصريحات طائشة.
وبعد ثلاثين عاماً من الحرب في أفغانستان، لن ينتهي كفاح الأفغان بعد ثلاثين عاما أخرى. ويرجع السبب في ذلك إلى حقيقة أن أفغانستان دولة ضعيفة محشورة بين إيران وباكستان وهما جارتان قويتان لا تتمنيان الخير لها. وعلى الرغم من أنه يمكن تحسين مستوى حراسة الحدود الأفغانية- الباكستانية، فإن تأمينها تماماً أمر مستحيل، وهو ما يعني أن المجاهدين سوف يستمرون في المرور عبرها.
ولا يعني أياً من هذه الحقائق بأن الولايات المتحدة محكوم عليها بإبقاء عشرات الألوف من جنودها هناك لعقود قليلة قادمة، ولكنها تعني أنها قد تضطر إلى الإبقاء عليهم لأربعة أعوام قادمة على أقل تقدير من أجل تحقيق النصر في أفغانستان. وفي اليوم الذي تعرض فيه الفرنسيون للهجوم سالف الذكر، تعرضت قاعدة عسكرية أميركية كبيرة، وهي معكسر كامب ساليرنو الواقع في شرق إقليم خوست، لهجوم منظم من قبل قوات حركة طالبان. وقد تحدثت مع مسئول عسكري أميركي أنهى لتوه فترة تكليفه التي استمرت 18 شهراً في إقليم "خوست". ويرى هذا المسئول العسكري إن تركيز الاهتمام فقط على زيادة عدد القوات أمر خاطئ، وأن الأولوية يجب ألا توجه لزيادة عدد قوات التحالف، وإنما لزيادة عدد قوات الجيش الأفغاني لكي يصل إلى 120 ألف جندي، والتي يصل عدد قواته الحالي إلى 60 ألف جندي فقط. وأضاف هذا المسؤول أنه إذا كانت القوات الأميركية ستغادر أفغانستان، فإن تدريب قوات الجيش الأفغاني يجب أن تكون مهمتها الأولى، لأن الأفغان وحدهم هم من يستطيعون كسب هذه الحرب.
وأوصى هذا المسئول بضخ مزيد من الأموال إلى رواتب الجيش الأفغاني (التي تصل إلى 100 دولار أميركي شهرياً في الوقت الحالي)، والحفاظ على شراء ولاء الشعب الأفغاني بالأموال الأميركية في بعض الأقاليم الأفغانية عندما يكون هذا الأمر ممكناً، إلى جانب تقديم دفعة قوية في مجال حقوق الإنسان. وقال المسئول العسكري الأميركي إن "هندسة العقول أصبحت أكثر أهمية خلال الوقت الحالي من هندسة المزيد من الطرق؛ لأنه إذا تركت أفضل العقول الأفغانية بلادها، فسوف تكون أفغانستان هي الخاسرة في النهاية. وأشار هذا المسئول إلى أهمية إعادة التفكير في وضعية المدارس الأفغانية، وضرورة تسجيل المدارس الإسلامية التقليدية في سجلات الحكومة الأفغانية، ومن ثم فرض قدر من التحكم على المناهج الدراسية؛ وقال إن هذا الأمر أفضل وأزكى بكثير من مهاجمة هذه المدارس ودفع الطلاب للهرب إلى منطقة وزيرستان الحدودية التي تعد مرتعاً للأفكار المتشددة. ومن المهم التعامل بجدية مع برنامج المصالحة الوطنية الذي أعد من أجل إعادة المعتدلين من أعضاء حركة طالبان إلى الحياة السياسية من جديد، والتركيز على باكستان. وفي حال غياب هذه العناصر الإستراتيجية الأساسية وغياب التوقعات الواقعية، سوف يكون قرار زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان أمراً خاطئاً.
وبالنسبة للعراق، يمكن القول بأن المكاسب التي تحققت هناك حقيقية ولكنها هشة. وأنا لا أعرف كيف يمكن أن يتحقق الانسحاب "المسئول" الذي وعد به أوباما في إطار المهلة الزمنية التي حددها وهي 16 شهراً. وأنا لا أرغب في أن يتحد سنة العراق مع تنظيم القاعدة من جديد، وهذا هدف استراتيجي هام. وسوف يتعين علينا أن نسعى إلى الحد من سيطرة الشيعة على مقاليد الأمور في العراق بشكل مطلق خلال السنوات المقبلة. وهذا الأمر لا يتطلب وجود الـ 146 ألف جندي أميركي المنتشرين حالياً في أماكن الصراع، ولكنه سوف يتطلب وجود عشرات الآلاف من القوات الأميركية في مناطق الصراع خلال فترة الرئاسة المقبلة.
ويجب أن تسبق هاتين الحربين المتشابكتين والعسيرتين الحرب الثقافية التي تبناها ماكين مؤخراً، ويبدو أن ماكين يحب ترديد كلمة " قتال"؛ لذا فإنه يتعين عليه أن يواصل "القتال" حول العديد من القضايا المعلقة، ثم يدع الناس يقررون بعد ذلك.



روجر كوهين

محرر وكاتب حر في جريدة إنترناشيونال هيرالد تريبيون

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .