الثلاثاء، 9 سبتمبر 2008

شادي علاء الدين، نداء عاجل إلى الهة العقم


نداء عاجل إلى آلهة العقم
شادي علاء الدين
ملاحظة عامرة بالسخرية اللاهبة، تلك التي يسوقها الروائي ميلان كونديرا في معرض قراءته للأبطال في الروايات الكبرى حيث يلاحظ أن القاسم المشترك الذي يجمع بينهم هو أنهم لا ينجبون أولادا ولا ورثة وأنهم يقفلون الرواية من دون ان يقوموا بهذا الفعل. يورد كونديرا مسردا ضخما لهؤلاء الأبطال ليبرهن على صحة ملاحظته. فلا دون كيشوت أنجب، ولا فرثر، وكذلك معظم أبطال بلزاك ودوستويفسكي والشخصيات الرئيسية في روايات موزيل وجميع شخصيات كافكا، باستثناء واحدة. لا يعتبر كونديرا هذا العقم المستشري في تصميم الشخصيات الروائية الكبرى شأناً عارضاً وغير مقصود بل هو روحية هذا الفن التي تأنف الإنجاب. الرواية إذاً ليست مسرحا للإستمرار بل معرض للعزلة حيث تستقل شخصية معينة بالحديث عنها ورصد سيرتها كاملة. فلا مجال للسيرورات المفتوحة ولا للبقاء من خلال فعل التناسل الأعمى الذي يحرم السيرة استثنائيتها وخصوصيتها فتصير ملكية عامة مكرورة في سياقات استعادية. لا مجال للمحاكاة والتقليد، فالبطل الروائي لا يقلّد سوى نفسه ويطمح إلى خاتمة نهائية يخطّها بنفسه ولا يقبل الذوبان في الكيانات العامة للعائلة والوطن. الأبطال هم دائما وعمليا خونة وعصاة. ساخرون ممتعون بلذة إقفال الباب وامتلاك الذات. إنهم إذاً إهدار متمكن، واثق بنفسه وبقدرته على الخلود بلا وسائط. خلودهم يكمن في أنهم يجعلون الوداع فتنتهم التي لا تضاهى.يوجد في العالم الكثير من الشخصيات الروائية التي لم تكتب سيرتها في روايات. تحتاج الشعوب إلى وجود مثل هذه الشخصيات لخلق مدى من الإختلاف عن ذلك السرد الجماعي العام الذي يحتمي بالإنجاب ليحول الخصوصية الفريدة للشخصية الروائية إلى نقص يتم ردمه بالأبناء والورثة الذين لا يملكون سيرة بل تقتصر مهمتهم الدائمة على الإكمال.تموت الفرادات وتذوب ولكن الشعوب تحتفل دوما بأبطالها وتجعل سيرهم سردا كاملا. كنا نملك في لحظة ما مثل هذه الشخصيات لكننا بددناها الآن في دوامة الإصرار على الإكمال. فما من شخصية عندنا الآن توازي عنترة العبسي الذي مات عقيما، أو توازي ذلك المبدع الكبير أبو العلاء المعري الذي جعل الإنجاب جناية وجريمة، سابقا بذلك كونديرا وسيوران والكثير من شعراء الحداثة. ولعل تلك الجملة الفاتنة "هذا ما جناه أبي عليَّ وما جنيت على أحد"، تصلح كبيان لما يجب أن تكون عليه الشخصية الروائية، شخصية تعيش خلودها بذاتها وتمقت وظيفة التعليم وتحتقر التلاميذ.
عن النهار اللبنانية

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .