الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

حسام عيتاني، تصحيح اجور رمزي


تصحيح أجور ... رمزي



حسام عيتاني
يأتي تصحيح الأجور في لبنان من طبيعة الأجور وطينتها: رواتب رمزية تضاف إليها زيادات رمزية. تدرك هيئات أرباب العمل ان ما يحول دون الانتعاش الاقتصادي ليس حجم الرواتب المدفوعة الى الأجراء، بل مجمل المناخ المحيط بلبنان، لكن الرواتب هي من المعطيات القليلة القابلة للسيطرة في هذا المحيط الصعب، فيتم التحكم بها، تجميدا وتقليصا (بمعنى منعها من الارتفاع المتناسب مع التصاعد الحاد في نسب التضخم والغلاء)، الى ان يقضي الله أمرا... في ظل ضآلة الخيارات البديلة عند العاملين. بكلمات أخرى، يتحمل أصحاب الدخل المحدود من اللبنانيين، من الأجراء وغيرهم من الفئات الاجتماعية »الهشة«، أعباء الجمود الاقتصادي والسياسي، كما يتحملون أعباء الديون وتكاليف عمليات إعادة الإعمار المتكررة. وهم بالتالي الضحايا الدائمون لكل ما يشهده بلدهم: في مراحل البناء والاستقرار يفرض عليهم شدّ الأحزمة والضرائب غير المباشرة بغية النهوض وتوفير الأسس اللازمة لجذب الرساميل من بنى تحتية وبيئة مؤاتية للاستثمارات، اما عند الازمات، فتدفع بهم القوى السياسية الى ساحات الاقتتال وميادينه. لا تتناسب الزيادة الهزيلة على الاجور مع ما يشهده لبنان والعالم من ارتفاع قياسي في أسعار السلع الاساسية، من غذائية وغيرها، وهو الارتفاع الذي يلقي بأعبائه الأجسم على الفقراء، على جاري العادة، فيما تظل الشرائح الاجتماعية الأخرى في منأى عن تبعاته اعتمادا على آلية تقضي بإرغام ذوي الدخل المحدود على دفع اثمان كل التغييرات السلبية في الاقتصاد العالمي، أكانت بسبب تنامي اسعار النفط او تقلص إمدادات الحبوب، مقابل حرمان الفئة ذاتها من أي فوائد مباشرة والاكتفاء بدعوة الفقراء الى الاعتراف بجميل لا يقدر بثمن يتمثل في احتفاظهم بأعمالهم. إذا، جاء تصحيح الاجور في لبنان بعد انقطاع دام اثني عشر عاما شهدت ما شهدت من تغييرات هيكلية في البنى الاجتماعية والاقتصادية في لبنان ودول الجوار (على غرار تغير الموقع الاقتصادي لتركيا والاردن وحتى لدول الخليج النفطية في الخريطة العالمية)، مقابل بقاء لبنان أسيرا لعقلية معادية للانتاج الحقيقي، من جهة، ومعاقا بأزماته السياسية والامنية التي لا تنتهي. الى جانب السلبيات المرتبطة بالبنية الاقتصادية اللبنانية التي لم تجد علاجا معقولا لها منذ الاستقلال حتى اليوم، يتعين الاعتراف بأهمية كسر الجمود في إعادة بعض الحقوق الى أصحابها الاجراء، باعتباره إجراء تمهيديا لتصحيحات أعم وأكثر جدية، أولا، ولأنه يمثل شكلا من أشكال استئناف الدولة لدورها الناظم للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية، ثانيا. فغياب الدولة لأعوام مديدة عن الاضطلاع بدور ما في الحيز الاجتماعي أدى ليس الى تفاقم الازمات واتخاذها منحى المعضلات المستعصية على الحل فحسب، بل أيضا فَتَح الباب واسعا امام بروز شبكات اجتماعية وخدماتية بديلة ساهمت بوعي من اصحابها في اكثر الاحيان في تعميق الانقسامات والانحيازات الطائفية على حساب الانتماء الى حيز وطني مشترك. من نافلة القـــول ان زيادة ضئيلة على الاجور لن تــــؤدي الى إعادة اللبنانيين الى حضن المؤسســـات الوطنيـــة ولا الى بعــــث رميم الحركة النقابية والمطلبية، غير انه ينبـــغي الالتفات الى الحــقيقة القائلة باستحالة معالجة الازمات السياسية ذات المكونات الطائفيـــة من دون وضع دور الدولة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي في الحسبان. يمـــكن العثور على خلاصة هذا الدور في تفعــيل دور الضمان الاجتماعي وإبعاد القوى الطـــائفية المهيمنة عن الجامعة اللبـــنانية والمدرســة الرسمية والقضاء، الى جـــانب التـــفكير في تحقيق إصلاح إداري واقعي، لا يشــكل حــربا جديدة على طواحين الهواء من نوع الاصلاح المزعوم في أواخر التسعينات. ما يراد قوله ههنا، ان بناء الدولة الذي اصبح شعارا مبتذلا على ألسنة شيوخ الطوائف والعشائر، لا يمكن ان يمر من دون تنكب الحكومة الحالية، بكل نواقصها وثغراتها، لدور مؤثر في العملية الاجتماعية ـ الاقتصادية. وعلى الرغم من الانحياز المسبق والمعلوم لهذه الحكومة الى جـــانب أرباب العمل وضد مصالح الفئات المنتجة، الا ان الخيارات المتاحة أمام اللبنانيين تنحـــصر في اثنين لا ثالث لهما: اما الانكـــفاء الى شبـــكات الامان الطائفية التي تؤدي في خـــاتمة المطـــاف الى تعزيز الانقسامات والاستـــمرار في تغـــذية بذور الحروب الاهـــلية المقـــبلة او الاصرار على دفع الدولة الى أداء دور الوسيـــط النزيه بين مختلف »أطراف الانــتاج«. وإذا كانت مؤسسات الطوائف والاحزاب قد ملأت فراغا تركته الدولة، فإن الضرائب غير المباشرة التي ستجبيها السياسات الاجتماعية المخصخصة طائفيا ستكون أفدح بما لا يقاس من ضرائب الدولة.

عن السفير اللبنانية


ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .