الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

عن "السفير" اللبنانية


دفاعاً عن الأمل

حسام عيتاني
نسير في دوائر. لا تكاد تنتهي أزمة حتى يندلع صراع. من بيروت الى طرابلس فالشيخ لار وعيدمون، حلقات مفرغة من الاقتتال منخفض الوتيرة لكن عميق الدلالة على استحالة الاستمرار في الشكل الحالي من العلاقات بين اللبنانيين. لا تحمل الانباء الا ما هو معروف. التعيينات والتشكيلات التي تثير الغبار والضجيج تسفر عن... لا شيء. قائد جديد للجيش وثقة نيابية وبيان وزاري وحكومة وحدة وطنية وانتخاب رئيس للجمهورية واتفاق على طي صفحة الحرب الاهلية. ولا حل. قنابل يدوية ليلية واشتباكات في قرى البقاع وعكار وهدنة هشة في طرابلس وانفجار يودي بعشرات القتلى والجرحى وإسقاط مروحية في الجنوب. أحداث ليست بالاحداث لوقوعها في صميم الجمود المهيمن على لبنان في ظل موازين قوى محلية وإقليمية لا تسمح لأي طرف بتجاوز حصته قيد أنملة، مهما سقط من قتلى. أزمة اقتصادية تجتمع لرسم مكوناتها عناصر داخلية وخارجية مرتبط بعضها بالركود القابض على الاقتصاد اللبناني وامتناع الاستثمارات عن المجيء الى هذه البلاد وخوف لا علاج له من المستقبل القريب والابعد، ومسائل تتعلق بارتفاع أسعار الطاقة والضغط على الانتاج الزراعي العالمي. النتيجة ضيق شديد مع اقتراب موعد افتتاح العام الدراسي ووعود بتصحيح للأجور تأخر لأكثر من عشرة اعوام، ولن يؤدي في حال تحقيقه سوى الى توضيح الفارق بين الحاجة والطلب، او الفارق بين صعوبة العيش البسيط في لبنان وصعوبة إيجاد عمل يقيم الأود خارجه. صراعات عربية تدخل لبنان من الباب الطائفي والمذهبي وتكرس استرهان مستقبل هذا البلد الى اجل غير معلوم، او بالاحرى الى الاجل الذي ينكشف فيه الوجه الحقيقي للتفتت العربي بصفته الصنيعة الوحيدة لتاريخ من العداء للعصر ولطغيان عقل الردة السياسية والحضارية على المشرق العربي. لقد دمر العرب قضاياهم بأيديهم قبل ان ينجح أعداؤهم في تحقيق الانتصارات. وآخر عنقود الانهيارات ما يصيب القضية الفلسطينية وعلى أيدي »مناضليها« قبل »الخونة«. تفكير بالتمني باستئناف الحرب الباردة من حيث انتهت وأوهام بالشراكة في انتصارات لم يعلق عليها اصحابها الحقيقيون أهمية على قدر ما أمل بعضنا في ان تقلب مسار التاريخ. وليس من يقتنع في ان الحرب في جورجيا، على سبيل المثال، تندرج في سياق مختلف جذريا عن ذاك الذي يسير فيه الوضع في لبنان والمنطقة. في المقابل، ليس من يستطيع الحياة بلا أمل. وليس من يقبل بالاستسلام الى النحيب والنعيق مكتفيا بالوقوف على اطلال وخراب بلاده وانسحاب شعبه الى كهوف التاريخ المظلمة. بل ان العديد من الشواهد تعلن بلا لبس عن امكانات هائلة للنهوض وكسر حلقات اليأس. لكن ما يزيد من صعوبة الدفاع عن الامل امتزاج هذا بألوان فجر كاذب يسوقه دعاة نهضة قريبة وسريعة تفتقر الى الاسس وتحمل في طياتها خطر الانتكاس الى عصور انحطاط جديدة. »نهضة« تقوم على تعميم العنف والقهر والإرغام، وتهمل ضرورة العلاج البطيء لامراض شعوبنا هنا. وبين المشكلات التي تجعل اللبنانيين يحارون على أي طريق يسيرون، او ينقسمون كتلا صماء عن وجهات نظر بعضهم البعض، خلاف جدي وعميق في سلم الاولويات لا يجوز التقليل من اهميته مع الاقتراب من موعد انعقاد الحوار الوطني. وبغض النظر عن مقولات التخوين والعمالة والاستتباع للخارج (وأكثرها صحيح)، يقال ان فكرتين تتنازعان اللبنانيين عن مستقبل بلدهم. وقد تناولهما الحديث الى حدود الابتذال: هانوي وهونغ كونغ وما يعادل ذلك من متقابلات وثنائيات مزدكية، احداهما بيضاء ناصعة والثانية سوداء كالحة السواد. ولعل من بين انصار الفكرتين من لا يستطيع الخروج من صندوق افكاره من دون ان يرتطم بالواقع المعقد الذي يحمل من التنوع ما يحيل أي فكرة تبسيطية تقوم على تضخيم اهمية عنصر »المقاومة« على عنصر »السيادة«، مثلا، او العكس، الى عبء حقيقي على انتظام الحياة العامة في لبنان. فبين المقاومة بالمفهوم الذي يفرط بعض القائلين بها في تعميمه وتوسيعه، وبين السيادة التي يسير اصحابها في الطريق ذاته من المبالغة، من الاهمية بمكان الحفاظ على حيز لبقاء وطن وارض وبشر ودورة اقتصادية... واذا كانت مخيلة اللبنانيين لم تسعفهم حتى اليوم في رسم استراتيجية دفاعية متفق عليها، فإن الدفاع عن لبنان ما زال قارة غير مُكتشفة، تتباين الآراء بشأنها تباينا واسعا. الاقرب الى سلوك اللبنانيين التقليدي هو تبني وجهة نظر احادية والانقسام حيالها والتشبث بها وانتظار العواصف المقبلة التي غالبا ما تتطيح بكل ما يكون على طاولة الحوار والتفاوض. وهذا عينة عما لم يعد في الوسع القبول به.

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .