الخميس، 18 سبتمبر 2008

شادي علاء الدين، محنة بلال خبيز


تحت الحصار

محنة بلال خبيز



لم تحظ قضية بلال خبيز بالحد الأدنى من الاهتمام مع أنها تقع في صلب الدفاع عن حرية الصحافة


عرض العمل الوحيد الذي تلقاه (خبيز) كان من فصيل معارض مقابل القيام بحملة ضد قوى 14آذار


شادي علاء الدين

اثر نشر هذه المقالة في مجلة السيادة التي يرأس تحريرها الكاتب السعودي احمد عدنان والتي تصدر في بيروت، قامت ادارة جريدة النهار بايقاف بلال خبيز عن العمل. كما لو ان مجرد الدفاع عن الرجل ممنوع ويعرضه للعقوبة. هكذا تصيب هذه المقالة مرتين: مرة حين اعتبرت ان سلطات شتى حالت دون امكان الدفاع عنه، ومرة حين اعتبرت ان مجرد الدفاع عنه قد يعرضه لعقوبات اضافية. وهذا ما قامت به جريدة النهار الحرة مشكورة.



عندما يكون الخبر صعبا وغريبا ومتطلبا لجهد كبير كي يدخل في دائرة التصديق فإنه لا بد من استعمال المعجزات. وحين يتحالف الخبر المعجز مع العلم المطلق ويدخلان سوية في تركيب مفاهيم التخوين والقتل فإن ما يضاف إلى التركيبة هو الخفة.
العلاقة التي نحاول تبيانها هي حالة التماثل بين خطاب المحور السوري – الإيراني وحلفائه في المعارضة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله وبين الظهور العجائبي لموقع فيلكا إسرائيل الذي يعلن عن نفسه بوصفه موقعا تابعا للمعارضة الإسرائيلية ومتعرضا لحملات متواصلة بهدف إغلاقه من قبل جهاز الموساد، وخاصة أن شبكة استهدافات الموقع تطاول بشكل شبه حصري كل من يناصب إيران وحزب الله الخصومة سياسيا وإيديولوجيا، فهل دخلت المعارضة الإسرائيلية فجأة في ولاية الفقيه وتحول أفرادها إلى عناصر في الحرس الثوري الإيراني يوكلون إلى أنفسهم مهمة الدفاع عن إيران ومصالحها في المنطقة التي يمثل حزب الله اللبناني عنوانها الأبرز؟
هكذا لم تجد المعارضة الإسرائيلية الوليدة والتي يرجح أن عمرها لا يتجاوز الأشهر القليلة بدا من الإعتراف ببنوتها للمعارضة اللبنانية وهكذا تمت التوأمة وصرنا إزاء معارضتين متشابهتين متماثلتين واحدة محلية وأخرى إسرائيلية، أو كما يخيل النظرذلك!


تلفيقات وأكاذيب

قصص متعددة ساقها الموقع منها قصة اعتراف ضابط إسرائيلي باغتيال الرئيس الحريري، وأخرى عن علاقة الصحافية اللبنانية ديانا مقلد بشبكات أصولية ومخابراتية عالمية، وقصص عديدة عن العلاقات السعودية الإسرائيلية، ولكن القصة الأكثر دلالة والتي إجتهد الموقع في تدبيجها والعناية بها وإخراجها في سياق فضائحي ومثير هي تلك القصة التي تتحدث عن علاقة غرامية ملتهبة تربط بين الصحافي اللبناني بلال خبيز سكرتير التحرير في الملحق الثقافي لجريدة النهار وبين صحافية إسرائيلية تدعى ليزا غولدمان زارت بيروت وتعرفت على بلال واتخذته عشيقا، وهي تتوق للعودة الى بيروت لاستئناف تلك العلاقة الحامية مع من تصفه بالوسيم والخلوق وأحد أكبر الصحافيين الموالين للغرب.
لا تقف حدود التركيب عند هذه النقطة فقط بل يسوق الموقع ادعاء يقول فيه إن هذا الرجل يراسل صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوميا عبر شبكة معقدة تنطلق من بيروت وتشمل عواصم عالمية مختلفة لتعود وتستقر في تل أبيب.
كان لهذه القصة نتائج كارثية على حياة الرجل، فقد أرفقت بسلسلة ردود تعتبر أن الرجل قد صار في عداد القتلى وتتحدث عنه بصفة الغائب وبعضها يبدي أسفه على شبابه في سياق يستدعي مأثورا لبنانيا يعني أن الشخص قد قتل أو أنه يجب قتله.
يتماثل سياق استهداف بلال خبيز مع ما يزعم عن الطرق التي يستخدمها حزب الله لتبرير الإغتيال، فهو يبدأ بإحاطة الشخص بدائرة تخوين قاسية ومتكررة ترتبط بعنوان وحيد، هو العمالة لإسرائيل، بحيث يكون القتل إذا ما حدث لاحقا نوعا من تنفيذ للمهمات المشروعة وليس جزءا من مخطط تصفية لمن يعارض وينتقد ويرفض.
تخوين شخص مثل بلال خبيز ليس بالأمر السهل، لأن الرجل يملك تاريخا نضاليا عسكريا طويلا في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي في مرحلة سبقت وجود حزب الله، وهي مرحلة يرى البعض أن الحزب يحاول طمسها بكل ما أوتي من قوة لأنها حملت سمات وطنية جامعة وبمشاركة كل الطوائف.
عمل بلا خبيز في صفوف المقاومة الوطنية اللبنانية برتبة ظابط وشارك في العشرات من العمليات التي أسفرت عن قتل العديد من الجنود الإسرائيليين، وهذه العمليات موثقة ومؤرشفة في ملفات المقاومة الوطنية ويمكن الرجوع إليها وتبيان تاريخها وما أسفرت عنه، وهي بالتأكيد موثقة أيضا في أرشيف الجيش الإسرائيلي، وربما لهذه الأسباب قررت صحيفة هآرتس اعتماد مثل هذا الرجل الثقة مراسلا لها!

السلخ المزدوج

كان استهداف بلال شاقا وصعبا، وأخذ صفة التنظيم والتمرحل، وتم العمل على جبهتين، الأولى تتعلق بحرمانه من وظيفته في النهار، وقد اتخذت هذه العملية نقطة انطلاق لها مقال كتبه الرجل عن تل ابيب كمدينة ونشر في الملحق الثقافي لجريدة النهار، قامت على إثره مجموعة من الأصوات متهمة الرجل بالتطبيع مع العدو الصهيوني ومديح تل أبيب والترويج للثقافة الإسرائيلية، واستطاعت هذه الاصوات التأثير على صاحب جريدة النهار غسان تويني فأعلن أنه لا يريد ان يلمح إسم بلال خبيز في الجريدة وهو ابن المؤسسة منذ أكثر من 16سنة.
الطريف ان الافكار الواردة في المقالة تعبر عن عداء شديد للإسرائيليين، وتعتبر أن الإسرائيلي يعتاش على الحنين إلى اوروبا التي جاء منها، لذا صمم مدينة تل ابيب لتكون نموذجا مثاليا يضم هذا الحنين ويرعاه، وبما ان العودة إلى أوروبا مستحيلة فإن الإسرائيلي صمم علاقته بالمكان على أنها علاقة نهائية لا بد أن يدافع عنها باستماتة واستقتال، والحل – من وجهة نظر خبيز- يكون بتصميم شبكة ديمقراطية في المنطقة تستطيع استيعاب الإسرائيلي الذي لوأحس بأنه مهدد بالإقصاء فإن الحل الممكن بالنسبة له هو القيام بمجازر جماعية والقتال حتى آخر فرد.
لقد أراد بلال في مقالته أن يحذر من ان الإبادات لن تكون ممتنعة أبدا، بل ستكون سياقا منطقيا لحالة تؤسس لها إيران ويوافقها الحزب الإلهي اللبناني فيها، وهذه الإبادات يمكن تجنبها بالإستيعاب والتحديث وإنشاء ديمقراطيات شاملة ومرتبطة بالحداثة.
الغريب أن هذا الكلام قيل بشكل آخر من قبل صحافي كان يعتبر في الفترة الاخيرة واحدا من اكبر الصحافيين الموالين لحزب الله، هو الصحافي الراحل جوزيف سماحة.
هكذا استطاع خطاب التحريض والتخوين تحقيق القسم الأول من مهمته فصار بلال خبيز عاريا مهنيا وماديا مما اقفل الباب على أي محاولة تعاطف ممكنة، لأن مؤسسته لم تدافع عنه أساسا ولأن السمعة الضخمة التي يملكها غسان تويني جعلت الكثير من الناس ومن الصحافيين يحجمون عن المشاركة في أي نشاط متعاطف مع هذه القضية ويؤجلون رأيهم لحين تنجلي الأمور في النهار .
عندها كان لا بد من تنفيذ القسم الثاني من مشروع تخوين الرجل وتحويل محاولته الجادة لتفكيك بنية المجتمع الصهيوني إلى عمالة ومديح لهذا الكيان، فجاءت هذه المقالة التي نشرها موقع فيلكا إسرائيل لتؤمن استكمال عملية الإجهاز على الرجل بشكل تام .

حكم بالدروشة !

إنقسام البلاد وتوزع صحافييها على الطرفين المتقاتلين جعل من كل صحافي لا ينتمي مباشرة إلى اي منهما كائنا اعزلا لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ولعل بلال خبيز هو من أكثر الصحافيين الذين حرصوا على رعاية استقلالهم بالقيام بمجموعة أعمال شاقة يوزعها على خريطة الصحافة المكتوبة ورقيا وإلكترونيا بوتيرة عالية .
ما هو عليه فعلا بلال خبيز جعله لا يحتمل وجعل عملية تصنيفه غير ممكنة، فالرجل كان يدافع عن رفيق الحريري في اللحظة التي كان الدفاع عنه محفوفا بالمخاطر وقد وصف العلاقة التي تجمع الرئيس الشهيد بالرئيس السابق للجمهورية إميل لحود بأنها تشبه علاقة تروتسكي بستالين، وكان منتقدا شرسا لسياسات الرئيس الشهيد ايضا في اللحظة التي كان فيها الإنتقاد مكلفا وصعبا.
ولعل الموقف الأشجع في المدافعة عن بلال، هو موقف الروائي الياس خوري إذ رفض أن يطرد من الملحق ورفض حملة التخوين الذي تعرض لها زميل وصديق يعرفه معرفة لصيقة وخاض معركة شاقة كانت نتائجها السماح لبلال ان يعاود الكتابة في الملحق باسمه الصريح، ولكن بقي غسان تويني مصرا على عدم السماح له بالكتابة في الشؤون السياسية، مما يعني عمليا القول أن هذا الرجل المعروف عنه أنه كاتب سياسي لن يكون بعد الآن على علاقة بالسياسة، هذا السياق في حال الموافقة عليه يفرض تأويلا مؤلما يقول إن الثمن المطلوب من بلال ليحافظ على راتبه الهزيل يفرض عليه إنكار ما كتبه طوال حياته في جريدة النهار وغيرها واعتباره لغوا وذنبا آن أوان التراجع عنه والركون إلى حالة دروشة والإكتفاء في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ البلد والمنطقة بالكتابة عن الشؤون الفنية.
ليست المشكلة هي في قيمة الكتابة عن الفن والنقد ولكن في السياق الذي يجعل من المسألة ممارسة عقابية، إنه حكم إعدام ملطف يسعى إلى ان يكون أنيقا ومبتسما لكي يخفي بربريته القاسية .

الجدية ضد السخافة

ترى الإعلامية ديانا مقلد أن موقع فيلكا هو من السخافة بمكان بحيث انه لا يجب إعطاؤه أي انتباه او قيمة وهو بالقطع ليس إسرائيليا البتة .
وتضيف : " إننا نطلع يوميا على شبكة إعلامية واسعة من قنوات ومواقع إلكترونية تقوم على نشر الأكاذيب وليس لائقا السجال معها، إنما مواجهة السخافة المطلقة بالجدية المطلقة" .
ماتقوله ديانا صحيح إلى حد كبير، ولكن وضع بلال خبيز مختلف إلى حد ما، فهو قد ترك دون اي دفاع، في حين أن عددا من الصحافيين الآخرين قد أصبحت قصص استهدافهم شأنا عاما متعلقا بقضية الحرية، في حين لم تحظ قضية بلال بالحد الأدنى من الاهتمام مع أنها تقع في صلب موضوع الدفاع عن حرية الصحافة. وعلى ما يبدو أن الطوائف والاحزاب لا تدافع إلا عن صحافييها المستعدين دوما للتحول إلى جنود.
ربما تكون قضية بلال بمعنى من المعاني مطرودة من فضاء الإهتمام لأنها تمثل فضيحة بحق شكل ممارسة العمل الصحافي في البلد، ولأنها تطرح بقوة سؤالا أخيرا يقول هل من صحافة في هذا البلد ؟!
اللافت أن عرض العمل الوحيد الذي تلقاه بلال خبيز كان من فصيل معارض والثمن المطلوب كان القيام بحملة ضد قوى الرابع عشر من آذار ، السؤال الذي يجب طرحه هنا: لو قبل بلال خبيز بهذا العرض هل كان سيجرؤ أحد على إتهامه بالعمالة وهل سيكون مهددا في أمنه وعيشه؟!
يدفع بلال خبيز ثمن موت الصحافة لأنه صحافي صار قدره أن يكتب كلامه الأخير دائما.


عن مجلة السيادة

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .