الاثنين، 8 سبتمبر 2008

شادي علاء الدين، تحت غربة المجاز

تحت غربة المجاز
شادي علاء الدين

نستطيع أن نذهب إلى المجاز مباشرة كي نقرأ موضوع استهداف عناصر أمنية تابعة لـ"حزب الله" طوافة للجيش اللبناني ما أدى إلى استشهاد الملازم أول سامر حنا. لا شيء سوى المجاز يمكنه أن يقدّم مفاتيح ممكنة للقراءة. هكذا نستطيع ان نعبر مباشرة فوق حدود الجغرافيا التي تفرض قراءة واحدة وقاسية إذا بقينا مصرين على اللحاق بطابعها الحرفي الواقعي والثابت. فلنعمد إلى تحريك الجغرافيا وترقيصها، فمن قال إن الجغرافيا لا يمكنها ان تتلبس بأخلاق القرود فترقص على إيقاع الإنتقالات المفاجئة والتحولات السحرية؟!ماذا نفعل أمام المرايا؟ الجميع يعلم أنها قُلبت تماما وصار الجزء المظلم منها هو الجزء المطلوب منا ان نرى فيه وجوهنا ونحدد من خلال النظرة العمياء والصماء كيف نرسم بالكلام الجميل والوصف الساحر خريطة الحدث.الوقائع مطرودة من بلاد المرايا السوداء. لكي تدخل فيها لا بد لها من المرور بسلسلة طويلة وشاقة من التحولات الإلزامية التي تلعب على ليّ عناصرها الاساسية وتفكيك تماسكها مع محاولة إبقاء عنوانها. بهذه الطريقة نحصل على وقائع معلّبة جاهزة للإستهلاك وممنوعة من استجرار مياه الأسئلة. وقائع متصحرة وبمزاج متطرف كما هي حال الصحراء. تارة يغلب البرد الشديد وطوراً يغلب الحر الشديد مما يجعلها مجالا للنفي وليس للإقامة والسكن.هذه الوقائع تستدعي الخيال التركيبي وربما تسمح بالتوصل إلى باب المتاهة. لكن المتاهة التي انبنت إثر هذا الحادث الأليم محروسة بمتاهة، وهذه بدورها محروسة بمتاهة، وإلى ما لا نهاية. لا يستطيع المراقب ولا المحلل الكشف عن ملابساتها، ليس بسبب جودة الإخفاء ودقته ومتانة التمويه وإنما لأنها وقائع عارية تماما وواضحة تماما مع ذلك فهي ممنوعة من الإستعمال منعا مبرما مطلقا. يكسبها هذا المنع منعة ضد النظر ويغطي جلدها اللامع بحجاب سميك من ضرورات صون السلم الأهلي وردّ الفتنة الطائفية وربما أيضا الحفاظ على هيبة الدولة.بتنا نعلم الآن أن هناك سماء أخرى في البلاد، وطبعا هذه السماء تطل على أرض أخرى. لذا كانت الطوافة داخلة في مجال المحظور ومنتهكة لسيادات أصلية ثابتة وواضحة. لم يكن ما حصل اعتداء أو انتهاكا أو حتى خطأ وإنما كان حقا لا يمكن المناقشة فيه.هل يمكن أي طفل أن يقتنع بأن ما يدفع أيا يكن على الأرض اللبنانية إلى إطلاق النار على طوافة واضحة نسبتها إلى الجيش اللبناني ما لم يكن يعتبر ذلك حقا وربما واجبا؟! رشحت معلومات تفيد أن النار أطلقت على الطوافة وهي على ارتفاع شبر واحد عن الأرض، مما يعني أن مطلقي النار تسنت لهم الفرصة للنظر في وجوه طاقمها وتحديد أولويات الإستهداف فكان الملازم اول الشهيد في مقدم هذه الأولويات، ثم بقية الطاقم. أليس اعتقال الضابط المرافق واستجوابه والتحقيق معه هو الإبن الشرعي لهذا الحق المتأتي من كون الحزب الإلهي المتسيد على هذه المنطقة والتي يعتبرها منطقة امنية مسورة بالسر، قد خلق جغرافيا أخرى ممنوعة وممتنعة بقوة القوة؟! المشكلة في هذه الجغرافيا انها تقام فوق الجغرافيا المألوفة والشائعة التي يسكن فيها هؤلاء الذين يسمّون مواطنين والذين لا يمكن أن تتأمن لهم ظروف العيش الطبيعية إلا في مجال الوضوح. جغرافيا السر هي جغرافيا المنفى وجغرافيا الأشباح وهي غير آيلة إلا الى خراب، لذلك لا تتشكل إلا من عملية تهجير شاملة تطرد ليس فقط من كان يقيم فيها وإنما من يجاورها ويدانيها وربما من يعلم بوجودها ايضا.لسنا في صدد المبالغات إنما نحن أمام الرعب العظيم الذي يفضي إلى نتائج معاكسة لما يجب أن يكون عليه الرعب، أي الإنكفاء والتراجع. نحن امام رعب عام يتسلح من دون أن يستطيع أن يحدد مواضيعه. هناك اسئلة يجيد تركيبها أصغر طفل في لبنان ولا يجرؤ أحد على طرحها بالفعل كمشروع مناقشة وكعمل سياسي، في حين أن التحضير لطرحها يتم هناك في الأقبية حيث يكدّس سلاح بلا عنوان.الجميع يعلم أن "حزب الله" هو المتورط في إطلاق النار على الطوافة، وسواء كان ذلك خطأ ام مقصودا، فهل يغير ذلك شيئا في المعادلة القائمة؟ إذا ثبت تورط مجموعة من الحزب إياه في العملية فهل تتم محاكمتها وفق القضاء العسكري وهل يعدم أفرادها مثلا؟ هل من تسوية ممكنة في السياسة من دون أن تكون على حساب هيبة الجيش؟يجدر في هذا المجال استحضار مقولة للإمام السيد موسى الصدر نشرت في جريدة "النهار" بتاريخ 30/7/1978: "لا حل للبنان إلا في إقامة الشرعية، ولا شرعية إلا بتذويب الدويلات أيا كانت صيغتها وكان إسمها وشكلها وفعلها".لكن، ما العمل إذا كانت الدويلة تسمّي نفسها بقوة الكنايات المدججة بالسلاح... أمة؟! ■

عن ملحق النهار اللبنانية


ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .