الجمعة، 19 سبتمبر 2008

فارس خشان، خارطة الطريق لانتقال الامن من الوصولية إلى الصواب

"خارطة الطريق" لانتقال الأمن من "الوصولية" الى "الصواب"




فارس خشّان




منذ سجّل "حزب الله" انتصاره الباهر على المواطنين العزّل في بيروت، مستخدماً المؤسسة العسكرية بالنيابة عن شركة "ليبان بوست"، انتشر وباء الفوضى في لبنان.ويكاد لا يمر أسبوع واحد، منذ "أيّار المجيد"، إلا وتُعقد اجتماعات لمعالجة حالات التفلت الأمني، ولكن بدلاً من أن تتقلّص رقعة الفوضى، تجدها تتمدّد، أُفقياً وعمودياً.ولا يستبعد مراقب سياسي أن يدخل لبنان في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بفعل التكاثر الاستثنائي لمعالجي التردي الأمني بالتنظير، الذي يوصل الى منصب، في بلد بات المتقدمون فيه هم الذين يتكلمون حتى لا يقولوا شيئاً، ولكنه لا يُنتج ذرة أمن.ومنذ انعقاد جلسات مجلس النواب لمناقشة البيان الوزاري للحكومة، نجح "حزب الله" الذي أصابته كلمات النواب في الصميم، في ترميم واحدة من أعتى النظريّات الديكتاتورية التي تربط التفلّت الأمني بالموقف السياسي، حتى بات على النائب في لبنان أن يختار إما الصمت ليسْلم ناخبوه وإما... مدرسة "صمت القبور".وسرعان ما انتشرت هذه النظرية الخطرة للغاية، التي كانت تطل بخفر بعد كل جريمة اغتيال تستهدف شخصية من شخصيات "ثورة الأرز"، لتستقر على لسان المسؤولين عن الملفات الأمنية في البلاد.وهكذا، بات الإمساك بالواقع الأمني في لبنان محكوماً بطبائع شريعة الغاب، بحيث يتمكّن أي طرف "بطاّش" يُريد أن يستسلم له طرف سياسي مُعيّن، تحت مسمّى المصالحة، من اعتماد خطة بسيطة تقوم على نشر الفوضى والترهيب (نموذج انتشار القنابل الصوتية في بيروت قبل أيام) من جهة، وعلى اعتماد خطاب سياسي استفزازي وتجريحي (نموذج الإطلالة الأخيرة لأمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله) من جهة أخرى.إلاّ أن المفارقة لدى رابطي التفلت الأمني بالواقع السياسي، يكمن في مسارعتهم، كلّما حصل حدث أمني جلل، إلى ربطه بجهات يُطلقون عليها تسمية "المتضررة من المصالحات"، تماماً كما حصل عند اغتيال الشهيد صالح فرحان العريضي في بيصور.وبذلك، يكون اللبناني، بفعل هذه التفسيرات "الهمايونية"، ضحية ثابتة لحالة واحدة متحركة، أي أنه سيُقتل حتماً، فإذا غابت المصالحات حضر "عزرائيل" المحلي، وإذا تمّ إنجاز المصالحات تسلّل "عزرائيل" الصهيوني.وعلى هذا الأساس، وطالما أن هذه النظرية لا تُنتج سوى ثبات القتل، ثمة من يعتبر أن الخيار الوحيد المُتاح أمام الضحايا الحتميين، هو بين الموت ذلاً وبين الموت بكرامة.ولكن هل هذا هو فعلاً قدر اللبنانيين ؟بالمطلق لا، يؤكد أحد كبار الخبراء الأمنيين المخضرمين.هو ممّن يعتقدون اعتقاداً راسخاً أنّ لبنان هو ضحية مجموعة من الوصوليين، الذين يستغلون الانقسام السياسي للعبور منه الى السلطة، وحين يصلون يُواظبون على التقيّد بسلوكياتهم، بحيث تتحول المبادئ السليمة الى وجهة نظر تحتمل خطأ يوازي وجهة النظر المناقضة لها، وبذلك يتمكن هؤلاء الممسكون بناصية الأمور من الانتقال بحرية بين الشيء ونقيضه، مطلقين على أنفسهم توصيفات تتراوح بين الاعتدال وبين الوسطية، وهكذا ينجحون هم في مآربهم ويفشل المراهنون عليهم ويبقى الوطن في الهاوية.لماذا هذا الكلام، الذي لا يستهدف طرفاً بعينه بل هو يشمل خيارات جميع الأطراف من دون استثناء؟يجيب الخبير الأمني المخضرم، بوضوح وبلا لف ودوران، جازماً بأنّ لبنان يواجه فعلاً، إن لم يتم نقله الى "جادة الصواب"، واحداً من خطرين، إما الرضوخ لـ"حزب الله" كلياً، وهذا يسمح بكسب الوقت فقط، لأن مكوّنات الانقلاب على هذا الواقع متوافرة بكثرة في الطبيعة البشرية والطائفية والمدنية اللبنانية، وإما تكبد مخاطر التفتت والانحلال، وليس التقسيم، لأن التقسيم يستدعي طوائف موحدة والحال ليست كذلك حتى لدى الطائفة الشيعية، وبالتالي فإن انهيار الدولة المركزية، وهذا ما يجب تفاديه مهما كان الثمن، سيُدخل البلاد في دوامة من حروب الإلغاء المدمّرة.أمام هذه الحالة، أين تقع "جادة الصواب" التي يتهربون منها خوفاً على المكتسبات من غضب الفرقاء المتصارعين؟يجيب هذا الخبير المخضرم عارضاً لخارطة طريق قوامها الآتي:أوّلا، أن تفرض قيادة الجيش على المستوى السياسي اللبناني استراتيجية وقائية ركيزتها بدائيات العلم العسكري، بحيث تمتنع أي وحدة عسكرية عن دخول أي منطقة، مهما كانت طبيعتها، إلاّ إذا أُعطيت الغطاء اللازم لتنظيفها، مربعات مربعات، تشمل كل الأطراف المعنية بإثارة الاضطراب الذي استدعى تدخل الجيش اللبناني. وعلى هذا الأساس، تتحوّل الرقعة الجغرافية فور وضعها بعهدة الجيش الى منطقة عسكرية لمدة أسبوع واحد، بحيث يُطلب من المواطنين في الأيام الثلاثة الأولى تسليم أسلحتهم، على أن يُصار في الأيام الأربعة الباقية إلى تنفيذ مداهمات من جانب قوى الأمن الداخلي بمؤازرة الجيش، للتفتيش عن الأسلحة المخبّأة، مستعينة بلوائح تُنظمها الأجهزة الأمنيّة على اختلافها.ثانياً، أن يتم توجيه تهنئة رسمية الى "حزب الله" على انتصاره الميمون في بيروت ضد "المؤامرة المُحكمة" التي تمكّن من تفكيك كل عناصرها بساعات عدة، ودعوته الى إخراج كل سلاح يُدرجه في قوائم سلاح المقاومة من كل المدن والقرى اللبنانية التي لا تقع على خطوط الدفاع الأمامية، مع التعهد له، من الآن حتى التوصل الى التصور النهائي للاستراتيجية الدفاعية، بتلقي مساعدة الجيش اللبناني في إعادة توزيعه على مناصريه، في كل لبنان، إذا ظهر أنّ العدو الإسرائيلي يُمكن أن يخرق خطوط الدفاع الأمامية (مع أن "حزب الله" يجزم بعجز إسرائيل عن ذلك).ثالثاً، أن يتم سحب صلاحية تصنيف الفئات المقاومة من يد "حزب الله"، بحيث لا يعود سلاح الأحزاب "خطاً أحمر"، وبذلك يتمكن الجيش اللبناني من أن يؤازر قوى الأمن الداخلي، في كل المناطق اللبنانية، لنزع السلاح المنتشر في كل حي، وشارع، ومنطقة على امتداد لبنان، باستثناء ما يُمكن تسميته بخطوط المواجهة الأمامية، خارج جنوب نهر الليطاني، عملاً بمقتضيات القرار 1701.رابعاً، أن يعمد مجلس الوزراء الى إقفال تلفزيون لبنان فوراً لأنه يُقدّم صورة هزلية للدولة في مواجهة الصورة الجادة للأطراف السياسية، وكذلك إذاعة لبنان (نعم لا تزال موجودة)، وأن يعمد الى إنهاء المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع بدءاً برأسه (هل انتبهتم لما تفوّه به بحق الحرية الإعلامية لدى وقوفه أمس على منبر الرابيه نفسه) وإعادة النظر بمعايير التعيين والانتخاب فيه ليتكوّن من شخصيات تحوز كلمتها على احترام الجميع، حتى لو رعدت الظاهرة الصوتية في الرابية وبرقت في "سماء الضاحية"، وأن يطلب من وزير العدل تفعيل عمل محكمة المطبوعات، حتى لو اضطره الأمر الى تخصيص أكثر من غرفة لهذه المهمة، وأن يتم تقديم مشروع قانون لتعديل نظام نقابة المحررين لتتمكن من القيام بدور وطني رائد يكون في أساسه مساءلة الصحافيين في سلوكياتهم المهنية، بعد توفير ما يحتاجونه من ضمانات تجاه "مزاجية" رب العمل و"ديكتاتوريته" و"مصالحه".هل هذا ممكن؟ بالتأكيد يجيب الخبير الأمني المخضرم، لأن ما أخذه الرئيس ميشال سليمان على عاتقه، هذه هي خارطة الطريق إليه.ويقول هذا الخبير إن الرئيس سليمان يجب أن ينجح في مقاصده، ليس حبّاً بشخصه، بل إنقاذاً لوطن معرض للانهيار، لأنّ الهزات التي ضربته منذ التأسيس الأوّل، لم تعد تُجدي أولئك الذين كانوا يُرددون: نريده أن يهتز... لا أن يقع.
عن المستقبل اللبنانية

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .