الجمعة، 19 سبتمبر 2008

رفيق خوري، حوار بلا امن


سياسة (الدولة الفاشلة):
حوار بلا أمن



رفيق خوري



مؤشر (الدول الفاشلة) للعام 2008 الذي نشرته مجلة (فورين بوليسي) كان إنذاراً لم تسمعه إلا قلّة في بيروت. إذ احتل لبنان المرتبة الـ 18 من بين 20 بلداً ضمنها خانة الأوضاع (الحرجة) المرشحة لدخول لائحة (الدول الفاشلة). لكن الواقع اللبناني أخطر مما سجله المؤشّر، بحيث يبدو الحل في معظم البلدان هو المشكلة في لبنان. فالحكمة التقليدية في العالم هي أن الأمن سياسي في الدرجة الأولى، وأمني تقني في الدرجة الثانية. ومع ان قيادات لبنانية تردد هذه الحكمة، فإنها تتصرّف عملياً بما يجعل الأمن سياسياً مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة. فلا هي متفقة على الخيارات الوطنية الأساسية التي تبنى عليها الدولة في اي بلد. ولا إدارة الخلافات السياسية توحي أننا على الطريق الى التفاهم بدل الذهاب الى الصدام. ذلك ان ما يرافق مؤتمر الحوار الوطني في القصر الجمهوري هو الحوار بالرصاص في الشارع. فالقنابل تنفجر يومياً.والاشتباكات تدور في أكثر من منطقة. وإذا كانت الاغتيالات تبقى مجهولة الفاعلين والجهات الخارجية التي تقرّر، فإن الاشتباكات تدور بين قوى لبنانية معروفة. وإذا كان ردّ الفعل الجماعي على الاغتيالات هو وضعها في اطار القوى المتضررة من المصالحات، فما الذي يقود الى الصدامات المتنقلة في المناطق بين أنصار المتحاورين والداعين الى توسيع المصالحات? هل وصلت عملية التحريض وغسل الأدمغة واللعب على المخاوف بين الطوائف والمذاهب وداخلها الى حد تحويل الأنصار (قنابل بشرية) معدّة للإنفجار عند أوّل احتكاك بالقصد أو من دون قصد? لا أحد يقلّل من أهمية الانتخابات النيابية في الربيع المقبل. فمن طبائع الأمور أن يحتاج الأطراف الى الشحن وتكبير الخلافات الى حد القول أن الرهان على الانتخابات ليس أفضل مناخ لنجاح الحوار. ومن عدّة الشغل في الانتخابات ان تكون المواقف متباعدة ومختلفة وللتأثير في خيار الناخبين، وان تبقى الأزمة بلا تسويات لضمان الاستمرارية ثم الزيادة في التمويل الخارجي، وسط معرفة الجميع ان لا أحد يموّل أطرافاً متفقين. لكن الصراعات المسلّحة وصفة لخسارة البلد، بصرف النظر عمن يربح أكثرية المقاعد في الانتخابات. فما الذي تستطيع فعله أية أكثرية، والتجربة حيّة أمامنا بعد الانتخابات الماضية? أليس الحوار، في حدّ ذاته سواء نجح أو فشل، دليلاً على فشل المؤسسات التي يجب ان تكون مركز الحوار الدائم في وضع طبيعي أو شبه طبيعي? عبثاً نبحث عن الأمن من خارج السياسة، وعن السياسة من خارج الاهتمامات الوطنية وهموم المواطنين.

عن جريدة الانوار اللبنانية

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .