الأحد، 28 سبتمبر 2008

نصير الاسعد الجنرال اليائس

أزمة تنظيمية في تيّاره تعكس وصوله إلى "الحائط" واحتفال "القوات" ظهّر مأزقه
الجنرال اليائس قد يصبح "دراماتيكياً".. لكن من دون جدوى


نصير الأسعد

ماذا يجري داخل "التيار الوطني الحر"؟.سؤالٌ كان طرحُه "بدأ" في وقت مبكر من هذه السنة إثر الإعلان عن تأجيل إنعقاد مؤتمر "التيار"، وتجدّد طرحه في الأيام القليلة الماضية على مشارف الموعد الذي كان حُدّد سابقاً ـ بعد التأجيل ـ للمؤتمر في الخريف الحالي.الخضّات التنظيمية
فبحسب أوساط من داخل "التيار" نفسه، شهد الوضع التنظيمي عدداً من "الخضّات".تجلّت الأولى على مستوى عدد من المناطق، ما دفع الجنرال رئيس "التيار" الى إلغاء الانتخابات الحزبية واللجوء الى تعيين المسؤولين.وتمثّلت الثانية في الخلافات بشأن تسمية مرشحي "التيار" الى الانتخابات النيابية المقبلة، وعلاقة الترشيحات بالتحالفات السياسية، ما يؤدي الى استبعاد كوادر قيادية مؤسِّسة.وتمثّلت الثالثة في قرار الجنرال "حل" الجهاز الإعلامي لـ"التيار" وإعفاء مسؤوليه بدعوى سوء الأداء وعدم مواكبة مواقف "القائد" والتقصير السياسي والإعلامي.على ان اللافت في ما تنقله الأوساط من داخل "التيار" نفسه، هو ان "الجامع المشترك" بين هذه الأحداث ـ الخضّات التنظيمية يتمثل في مسؤول العلاقات السياسية وزير الاتصالات جبران باسيل. أي أن إلغاء الانتخابات الحزبية في مناطق معينة هو لمنع انتخاب معترضين على باسيل. والخلافات بشأن الترشيحات للانتخابات النيابية هي خلافات مع باسيل. والإجراء بحق الجهاز الإعلامي جاء على قاعدة "تقدير" باسيل.ولا تتردد أوساط "التيار" في إعتبار أن باسيل الذي قدّمه الجنرال على كل الآخرين، ومنحه تأييداً مطلقاً، و"إستعدى" بسببه طاقات واكبت نشأة "التيار" ولعبت دوراً أساسياً في بنائه، صار ـ أي باسيل ـ عنواناً لـ"قسمة" التيار بعد أن كان الجنرال عنواناً لوحدته.

بدايات الأزمة السياسية ووسائل الجنرال

هذا على الصعيد التنظيمي مما تيسّر من معطيات.غير انه يستحيل مقاربة الصعيد التنظيمي بفصله فصلاً مطلقاً عن الصعيد السياسي. ذلك أن "القاعدة" تقول إن "الأزمة التنظيمية" إنعكاس لـ"الأزمة السياسية". أي ان المشاكل التنظيمية تستشري عندما تخلي "الهوية النضالية" مكانها لـ "المصالح".فعلياً، بدأت الأزمة السياسية لـ"التيار" مع عودة الجنرال من باريس في أيار 2005. الأزمة بما هي التناقض الجذري بين ما اعتمده الجنرال من خيارات وتحالفات من جهة وما تربّى عليه "العونيون" من خيارات ومواقف طيلة خمسة عشر عاماً من جهة أخرى. التناقض بين التراث والحاضر. والتناقض بين موقع "طبيعي" لـ"التيار" وموقع "مخالف للطبيعة".

الهجوم على التمثيل السياسي السنّي

في فترة سابقة خلال السنوات الثلاث ونيّف الماضية، كان الجنرال يلتفّ على "الأزمة السياسية" بمعناها المشار إليه آنفاً ويحاول "مداراة" أزمة العلاقة بينه وبين الجمهور أو الرأي العام، عبر الهروب الى عناوين "غرائزية" طائفية. فكلّما لاحظ تراجعاً لتياره في البيئة المسيحية "هجم" محرّضاً على المسلمين ـ السنّة ـ بعنوان "حقوق المسيحيين". وإذ اعتبر أن مهاجمة التمثيل السياسي للسنّة "ربّيح"، لم يتردد في الإقدام على توقيع "ورقة التفاهم" مع "حزب الله" ووضعها في خانة "حماية المسيحيين". وإذ اعتبر "التفاهم" مع "حزب الله" حماية للمسيحيين، حرّض على مسيحيي 14 آذار واتهمهم بأنهم "مسيحيو السنّة"، غير آبه لكونه، بـ"إلتحاقه" السياسي الأعمى بـ"حزب الله"، يدفع باتجاه إعتباره هو نفسه "فريق مسيحيي الشيعة". والاستخدام هنا هو لمصطلحاته.إذاً، ومع أن الأزمة السياسية بدأت مع عودة الجنرال من باريس، ومع أن تلك الأزمة إنعكست تباعاً وتدريجاً على الجسم التنظيمي وعلى الجمهور، فقد تمكن في فترة سابقة من حصرها.إلا ان الأمر اختلف منذ بضعة أشهر، بحيث يمكن القول إن خيارات الجنرال وتحالفاته أدت به الى ما يجوز وصفه بـ"أزمة تراجع وضمور".

الحائط

ولا مبالغة في القول في هذا السياق إن موقفه من الاعتداء الذي تعرض له الجيش في سجد في إقليم التفاح، والذي أدى الى استشهاد النقيب الطيار سامر حنا، شكل محطة حاسمة على صعيد تراجعه وضموره الشعبيين بين المسيحيين. فتغطيتُه الاعتداء و"محاكمتُه" الجيش، لم تغلقا ـ التغطية و"المحاكمة" ـ منطقة البترون التي ينتمي اليها الضابط الشهيد في وجهه وفي وجه صهره باسيل الذي ينتمي الى المنطقة نفسها وحسب، بل كانتا إيذاناً بانتهاء قدرة الجنرال على تغطية موقعه الملتحق بـ"حزب الله" بالهجوم على الآخرين بعناوين غرائزية طائفية. وحملته على صحيفة "لوريان لوجور" التي تمثل، عند المسيحيين خصوصاً، إرثاً ثقافياً تاريخياً، أذته في المباشر.وهكذا، فان الأزمة التنظيمية في "التيار" اليوم، إنما هي في العمق إنعكاس لأزمة الموقع السياسي والخيارات السياسية، كما هي إنعكاس لأزمة العجز عن الالتفاف عليها. ولذلك، فبالنسبة إلى الأوساط داخل "التيار"، إن العنوان الذي تتمحور المشاكل التنظيمية حوله، هو جبران باسيل... لأنه عنوان "النفوذ" و"السلطة" داخل التيار باسم الجنرال ويحصر في يديه "السلطة المالية"، ولأنه عنوان الخط السياسي الذي قاد "التيار" إلى "المهوار".

إحتفال "القوات" ظهّر المأزق

وتتزامن الأزمة التنظيمية ـ السياسية، بل "البنيويّة"، مع تطور مسيحي لافت تجلى في احتفال "القوات اللبنانية" بذكرى شهدائها قبل أسبوع. وهذا التطور يعبّر عن حدث مميَّز في إتجاهات عدة. هو حدث حمل الى المسيحيين خطاباً سياسياً ـ ثقافياً جديداً ليس أقلّ ما فيه "الإعتذار" الذي قدمه الدكتور سمير جعجع عن أخطاء الماضي، وهو "إعتذار" ذو صدى على المستوى المسيحي الشعبي. وهو حدث أتى يعكس التحوّل المسيحي عن الجنرال، من حيث الاحتشاد الشعبي غير المسبوق في الدائرة المسيحية. وهو حدث يثبت القدرة التنظيمية لـ"القوات"،أي استعادتها هذه القدرة بعد ثلاث سنوات من الجهد منذ خروج "الحكيم"من السجن، في مقابل "الإرتخاء" التنظيمي عونيّاً.

الخطوات الدراماتيكية... وعلائم "الآخرة"

هذا التطور المسيحي اللافت يشكّل بلا شك عاملاً من عوامل أزمة "التيار" والأزمة في "التيار".ولأنه كذلك بالفعل، ثمة "إهتياج" لدى الجنرال. ولأن الجنرال لا يملك شجاعة "الحكيم" في الإعتذار عن سياساته، ولأنه غير قادر على "الفك" مع تحالفاته بالرغم من أن حلفاءه يأخذون منه بيد ما أعطوه بيدين، فإنه يكرر "الأسطوانة" نفسها: الهجوم على المواقع الإسلامية، وعلى رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة بالدرجة الأولى.ولأن الجنرال "يائس" من وضعه، فليس مستبعداً بتقدير العديد من الأوساط أن يُقدم على خطوات "دراماتيكية" بأمل أن يستعيد بعض ما أضاعه. لكنها علائم "الآخرة" السياسية.
عن المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .