الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008

حازم صاغية ليفني التي لا تثير الحسد


ليفني التي لا تثير الحسد


حازم صاغيّة




وصفت بعض وسائل الإعلام الإسرائيليّ تسيبي ليفني بغولدا مائير الثانية، لا لأنّها امرأة فحسب، بل من قبيل التكريم والتبجيل أيضاً. كما أُسبغت عليها صفات النزاهة والجديّة والمسؤوليّة إبّان تنافسها مع شاؤول موفاز على قيادة حزب "كاديما" الحاكم. إلاّ أن هذا وذاك لا يكفيان، في أغلب الظنّ، لتزويدها بالتراكم المطلوب وبالأدوات اللازمة لمواجهة التحدّيات المقبلة الكثيرة والبالغة الصعوبة.فمن الواضح أن موقع حزبها سيكون ضعيفاً في أيّ ائتلاف حكوميّ، كما يرجّح أن يأتي الإئتلاف الذي ترأسه هشّاً بدوره. وليفني، في الحالات جميعاً، سوف تبحر وسط تماسيح مجرّبة في عدادها رئيسا حكومتين سابقان: الزعيم العمّاليّ إيهود باراك الذي يطمح إلى مشاطرتها رئاسة الحكومة في حال موافقته على الإئتلاف مع حزبها، والزعيم الليكوديّ بنيامين نتانياهو الذي تعطي استقصاءات الرأي العامّ حزبَه الحظّ الأوفر، فتجعل هدفه "الطبيعيّ" إفشال كلّ حكومة والدفع باتّجاه إجراء انتخابات مبكرة. وهذا كي لا نشير إلى حزب "شاس" الدينيّ الذي سيبتزّها حتّى النهاية ثمناً لمشاركته في حكومتها.وأبعد من السياسة الحزبيّة، هناك المجتمع الإسرائيليّ الذي يضجّ بالأسئلة التي طرحتها عليه حرب تمّوز (يوليو) 2006، وفي طليعتها كيفيّة التوفيق بين الفرديّة ونزعة الربح والمتعويّة وبين البقاء مجتمعاً محارباً وإعداد الشبيبة للغرض هذا. وعن ذلك تتفرّع محاور وشواغل من الصنف الاستراتيجيّ لا يقوى أيّ رئيس (رئيسة) حكومة على عدم تناولها وبتّها، من نوع: أيّ اقتصاد نريد، وأيّة نظريّات حربيّة وعسكريّة ينبغي اعتمادها؟، فضلاً عن السؤال الراسخ والثابت منذ سنوات حول العلاقة بالدينيّ ومدى التنازلات التي يمكن تقديمها له.والحال أن تسيبي ليفني تصل الى رئاسة الحكومة قبل أن يكتمل اتّضاح لونها السياسيّ. وهو ما تخالف فيه معظم رؤساء حكومات الدولة العبريّة الذين سبقوها الى تولّي ذاك المنصب، من ديفيد بن غوريون إلى بنيامين نتانياهو وإيهود باراك وأرييل شارون، مروراً بغولدا مائير واسحق رابين وشمعون بيريز ومناحيم بيغن واسحق شامير. فهؤلاء جميعاً كانوا ينضحون بألوان حادّة لدى تسنّمهم المنصب التنفيذيّ الأوّل في إسرائيل. ولأنّ ليفني تشترك في هذه السمة مع سلفها أولمرت، وهو مثلها من "كاديما"، يُرجّح أن تواجه المشكلات الحدوديّة والخارجيّة مصحوبة بالصعوبات التي واجهها. وهو ما يصحّ في مجريات العلاقة مع الفلسطينيّين، أهل السلطة في الضفّة الغربيّة كما "حماس" في قطاع غزّة، فكيف وأن الاقتراحات عادت تتطاير حول "فشل فكرة الدولتين" و"الدولة الواحدة للشعبين" و"ربط غزّة بالضفّة" و"ربطها بمصر" و"إرجاع الضفّة إلى الأردن" الخ... وهو يصحّ أيضاً في احتمالات التسوية الغامضة حتّى الآن، المرعيّة تركيّاً، مع سورية. يزيد الطين بلّة الوجود المتعب في الجوار ممثّلاً في "حماس" إلى الغرب والجنوب، وفي "حزب الله" في الشمال. وليس سرّاً أن هذا الأخير لم يكفّ، منذ حرب 2006، عن إطلاق التهديدات لإسرائيل التي تواجهها هي بمثلها.وغنيّ عن القول إن الكنف الأعرض لهذه الحركة هو تحدّي التحدّيات، أي إيران بملفّها النوويّ من جهة، ومن جهة أخرى، بما يمثّله رئيسها محمود أحمدي نجاد، الذي لا يكفّ عن الدعوة إلى محو الدولة العبريّة عن الخريطة.يحصل هذا في ظلّ ضعف واضح يعانيه الحليف الأكبر، الولايات المتّحدة، على ما يشير وضعها في العراق وأفغانستان وباكستان، والأزمة الماليّة التي تسمح بالقول إن هذا الضعف قد يطول زمناً، وربّما ترتّبت عليه سياسة انكفاء خارجيّ لا تتحمّلها إسرائيل قياساً بالتحدّي الإيرانيّ الداهم. ولئن أشار التضارب في ما خصّ الاحتمالات العسكريّة، وما إذا كانت واشنطن توافق على ضربة عسكريّة لإيران، أم لا، إلى درجة بعيدة من التعثّر، يُتوقّع لـ"الانبعاث الروسيّ" أن يفاقم تعثّراً كهذا، سيّما في حال تحوّله مصدراً لـ"حرب باردة جديدة".وفي هذه المعاني مجتمعةً، قد يجوز القول إن تسيبي ليفني لا تُحسد على تولّيها رئاسة الحكومة في بلدها خلفاً لإيهود أولمرت الذي نراه يرحل عن المسرح مصحوباً بسمعة رديئة.

عن الغد


الأحد، 28 سبتمبر 2008

مارتن فيلدشتاين المشكلة الاميركية وجذورها العميقة

المشكلة الأميركية وجذورها العميقة

مارتن فيلدشتاين

الآن بات موعد انعقاد الانتخابات الرئاسية الأميركية على بُعد أقل من شهرين، وأصبح القدر الأعظم من الانتباه منصبا على حالة الاقتصاد الأميركي والتحديات التي ستفرضها حالة الاقتصاد على الرئيس القادم. نحن الآن في أوج الأزمة المالية الناجمة عن سوء التسعير الخطير لأشكال المجازفة كافة، فضلاً عن انهيار فقاعة الإسكان التي نشأت أثناء النصف الأول من هذا العقد. وما بدأ كمشكلة مع قروض الرهن العقاري الثانوي انتشر الآن إلى المساكن على نحو أكثر عموماً، علاوة على غير ذلك من فئات الأصول المختلفة. إن مشكلة الإسكان تساهم في الأزمة المالية، التي تؤدي بدورها إلى انكماش الإمدادات المتاحة من أرصدة الائتمان المطلوبة لدعم النشاط الاقتصادي. تفاقمت الأزمة المالية أثناء الأسابيع الأخيرة، وهو ما انعكس في استيلاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) على المؤسستين شبه الحكوميتين اللتين تعملان في تقديم قروض الرهن العقاري، «فاني ماي» و»فريدي ماك»- وهو ما قد يكلف دافعي الضرائب الأميركيين مئات المليارات من الدولارات- فضلاً عن إفلاس «ليمان برذرز» وبيع «ميريل ليينش». وهذه الإخفاقات المالية تعكس في النهاية الهبوط الحاد في أسعار المساكن والعدد المتزايد من المساكن التي أصبحت قيمتها في السوق أقل من قيمة أقساط الدين المتبقية عليها.
إن هبوط قيمة العقار عن قيمة أقساط الدين المتبقية أمر خطير، وذلك لأن قروض الرهن العقاري في الولايات المتحدة عموماً قروض «مؤَمَّنة». ففي حالة عجز مالك المسكن عن السداد، تستطيع الجهة المقرضة أن تسترد المسكن، ولكنها لا تستطيع أن تستولي على أي ملكية أو دخل آخر للمقترض للتعويض عن أي أقساط غير مدفوعة. وحتى في الولايات حيث القروض «غير مؤَمَّنة» فإن الدائن عادة لا يلجأ إلى ملاحقة أصول أو دخول الأفراد المتخلفين عن السداد.
لا أحد يستطيع أن يجزم إلى أي مدى قد تستمر أسعار المساكن في الهبوط. يقول الخبراء إن الأمر يتطلب هبوط الأسعار بنسبة 15% أخرى حتى يتسنى للسوق العودة إلى أسعار ما قبل فقاعة الإسكان. ولكن لا شيء قد يمنع استمرار الأسعار في الهبوط بمجرد بلوغها تلك النقطة. فلسوف تستمر الفجوة المتنامية بين قروض الرهن العقاري وأسعار المساكن في زيادة معدلات التخلف عن السداد. ولسوف يختار العديد من أصحاب المساكن القادرين على تسديد أقساط الرهن العقاري التخلف عن السداد والانتقال إلى مساكن مستأجرة، وتأجيل شراء المساكن إلى أن تسجل أسعارها المزيد من الهبوط.
مع تخلف المزيد من ملاك المساكن الذين تجاوزت قيمة أقساط رهنهم العقاري قيمة مساكنهم في السوق عن السداد، فإن المساكن التي يتم إخلاؤها بعد حبس رهنها العقاري تساهم في زيادة المعروض من المساكن الأمر الذي لابد أن يؤدي إلى المزيد من الهبوط في أسعار المساكن. وكلما انخفضت الأسعار كلما اتسعت الفجوة بين قيمة المساكن في السوق وقيمة الأقساط المتبقية عليها، الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى المزيد من حالات التخلف عن السداد وحبس الرهن العقاري. وليس من الواضح ما الذي قد يتمكن من إيقاف هذه الحلقة المفرغة الذاتية الدفع.
إن أسعار الإسكان المنحدرة تُـعَد السبب الرئيسي وراء الأزمة المالية، كما تشكل الوضع المتوقع للاقتصاد في المستقبل، وذلك لأن الأوراق المالية المدعمة بقروض الرهن العقاري، والمشتقات القائمة عليها، تشكل الأصول الأولية التي يؤدي ضعفها إلى ضعف المؤسسات المالية. وإلى إن تستقر أسعار المساكن فلن يكون بوسع أحد أن يقيِّم هذه الأوراق المالية بأي قدر من الثقة. وهذا يعني أن المؤسسات المالية التي تمتلكها لا تستطيع أن تثق في السيولة النقدية لدى الأطراف التي قد تتعاقد معها، أو عجز هذه الأطراف عن السداد- أو حتى في قيمة رأسمالها. ومن دون هذه الثقة فلن تتدفق أرصدة الائتمان، وهذا يعني تقييد الأنشطة الاقتصادية.
فضلاً عن ذلك، ولأن المؤسسات المالية اشترت أصولها في الأساس بأموال مقترضة، فإن العجز في الائتمان يتفاقم بسبب احتياج هذه المؤسسات إلى تخفيض قيمة أدواتها المالية ورأسمالها المقترض. وما دام رفع رأس المال أمراً صعباً ومكلفاً، فإن المؤسسات المالية تلجأ إلى تخفيض نشاطها من خلال التقليل من الإقراض. بيد أن ضعف الاقتصاد الشامل الذي تعانيه الولايات المتحدة الآن يرجع إلى ما هو أبعد من العجز في الإمدادات من أرصدة الائتمان. إذ إن هبوط أسعار المساكن يؤدي إلى تقلص ثروات الأسر الأميركية وبالتالي انكماش الإنفاق الاستهلاكي. كما يؤدي انخفاض معدلات تشغيل العمالة إلى تقلص الأجور والدخول. ومع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة تتقلص الدخول الحقيقية. فضلاً عن ذلك فإن انحدار النشاط الاقتصادي في بقية أنحاء العالم يعني انخفاض الطلب على صادرات الولايات المتحدة. وفي اعتقادي أن استجابة مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) كانت سليمة حين قرر تخفيض أسعار الفائدة الرئيسية بصورة مفاجئة واحدة، وإنشاء حزمة متنوعة من أدوات الائتمان الجديدة. فكان انخفاض أسعار الفائدة مفيداً لأنه جعل الدولار أكثر قدرة على المنافسة، ولكن من ناحية أخرى يبدو أن السياسة النقدية فقدت الزمام بسبب الحالة السيئة التي وصل إليها قطاع الإسكان والاختلال الوظيفي الذي تفشى في أسواق الائتمان.
أقر الكونغرس الأميركي وإدارة بوش تخفيضاً ضريبياً بلغت قيمته مائة مليار دولار أميركي سعياً إلى تحفيز الإنفاق الاستهلاكي. وكان الذين قرروا مساندة هذه السياسة من بيننا يدركون عموماً أن التاريخ والنظرية الاقتصادية يؤكدان أن مثل هذه التحويلات المالية التي تتم لمرة واحدة ضئيلة التأثير، ولكننا تصورنا أن هذه المرة قد تكون مختلفة. وكان دعمنا لهذه السياسة كما وصفه صامويل جونسون «انتصاراً للأمل على الخبرة».
بيد أن آمالنا خابت في النهاية. فقد صدرت الآن البيانات الرسمية الخاصة بالدخل الوطني عن الربع الثاني من هذا العام، ولقد أظهرت هذه البيانات أن تحفيز التخفيضات الضريبية للإنفاق الاستهلاكي كان ضئيلاً للغاية، حيث ادخرت الأسر الأميركية أكثر من 80% مما استردته من رسوم ضريبية أو استخدمته في تسديد بعض ديونها. وعلى هذا فإن ما أضيف إلى معدلات الإنفاق الحالية كان ضئيلاً للغاية. هذا هو إذن موقف الولايات المتحدة الآن: فهي في أوج أزمة مالية طاحنة، حيث يشهد الاقتصاد انحداراً شديداً نحو الركود، بينما بلغت السياسة النقدية بالفعل أقصى حدود الارتخاء، وأصيبت التحويلات المالية بالعجز والوهن. وهو موقف غير سار على الإطلاق بالنسبة للرئيس الأميركي القادم أياً كان.


* أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة هارفارد، وكان يشغل منصب رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس رونالد ريغان ومنصب رئيس الهيئة الوطنية للبحوث الاقتصادية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

نصير الاسعد الجنرال اليائس

أزمة تنظيمية في تيّاره تعكس وصوله إلى "الحائط" واحتفال "القوات" ظهّر مأزقه
الجنرال اليائس قد يصبح "دراماتيكياً".. لكن من دون جدوى


نصير الأسعد

ماذا يجري داخل "التيار الوطني الحر"؟.سؤالٌ كان طرحُه "بدأ" في وقت مبكر من هذه السنة إثر الإعلان عن تأجيل إنعقاد مؤتمر "التيار"، وتجدّد طرحه في الأيام القليلة الماضية على مشارف الموعد الذي كان حُدّد سابقاً ـ بعد التأجيل ـ للمؤتمر في الخريف الحالي.الخضّات التنظيمية
فبحسب أوساط من داخل "التيار" نفسه، شهد الوضع التنظيمي عدداً من "الخضّات".تجلّت الأولى على مستوى عدد من المناطق، ما دفع الجنرال رئيس "التيار" الى إلغاء الانتخابات الحزبية واللجوء الى تعيين المسؤولين.وتمثّلت الثانية في الخلافات بشأن تسمية مرشحي "التيار" الى الانتخابات النيابية المقبلة، وعلاقة الترشيحات بالتحالفات السياسية، ما يؤدي الى استبعاد كوادر قيادية مؤسِّسة.وتمثّلت الثالثة في قرار الجنرال "حل" الجهاز الإعلامي لـ"التيار" وإعفاء مسؤوليه بدعوى سوء الأداء وعدم مواكبة مواقف "القائد" والتقصير السياسي والإعلامي.على ان اللافت في ما تنقله الأوساط من داخل "التيار" نفسه، هو ان "الجامع المشترك" بين هذه الأحداث ـ الخضّات التنظيمية يتمثل في مسؤول العلاقات السياسية وزير الاتصالات جبران باسيل. أي أن إلغاء الانتخابات الحزبية في مناطق معينة هو لمنع انتخاب معترضين على باسيل. والخلافات بشأن الترشيحات للانتخابات النيابية هي خلافات مع باسيل. والإجراء بحق الجهاز الإعلامي جاء على قاعدة "تقدير" باسيل.ولا تتردد أوساط "التيار" في إعتبار أن باسيل الذي قدّمه الجنرال على كل الآخرين، ومنحه تأييداً مطلقاً، و"إستعدى" بسببه طاقات واكبت نشأة "التيار" ولعبت دوراً أساسياً في بنائه، صار ـ أي باسيل ـ عنواناً لـ"قسمة" التيار بعد أن كان الجنرال عنواناً لوحدته.

بدايات الأزمة السياسية ووسائل الجنرال

هذا على الصعيد التنظيمي مما تيسّر من معطيات.غير انه يستحيل مقاربة الصعيد التنظيمي بفصله فصلاً مطلقاً عن الصعيد السياسي. ذلك أن "القاعدة" تقول إن "الأزمة التنظيمية" إنعكاس لـ"الأزمة السياسية". أي ان المشاكل التنظيمية تستشري عندما تخلي "الهوية النضالية" مكانها لـ "المصالح".فعلياً، بدأت الأزمة السياسية لـ"التيار" مع عودة الجنرال من باريس في أيار 2005. الأزمة بما هي التناقض الجذري بين ما اعتمده الجنرال من خيارات وتحالفات من جهة وما تربّى عليه "العونيون" من خيارات ومواقف طيلة خمسة عشر عاماً من جهة أخرى. التناقض بين التراث والحاضر. والتناقض بين موقع "طبيعي" لـ"التيار" وموقع "مخالف للطبيعة".

الهجوم على التمثيل السياسي السنّي

في فترة سابقة خلال السنوات الثلاث ونيّف الماضية، كان الجنرال يلتفّ على "الأزمة السياسية" بمعناها المشار إليه آنفاً ويحاول "مداراة" أزمة العلاقة بينه وبين الجمهور أو الرأي العام، عبر الهروب الى عناوين "غرائزية" طائفية. فكلّما لاحظ تراجعاً لتياره في البيئة المسيحية "هجم" محرّضاً على المسلمين ـ السنّة ـ بعنوان "حقوق المسيحيين". وإذ اعتبر أن مهاجمة التمثيل السياسي للسنّة "ربّيح"، لم يتردد في الإقدام على توقيع "ورقة التفاهم" مع "حزب الله" ووضعها في خانة "حماية المسيحيين". وإذ اعتبر "التفاهم" مع "حزب الله" حماية للمسيحيين، حرّض على مسيحيي 14 آذار واتهمهم بأنهم "مسيحيو السنّة"، غير آبه لكونه، بـ"إلتحاقه" السياسي الأعمى بـ"حزب الله"، يدفع باتجاه إعتباره هو نفسه "فريق مسيحيي الشيعة". والاستخدام هنا هو لمصطلحاته.إذاً، ومع أن الأزمة السياسية بدأت مع عودة الجنرال من باريس، ومع أن تلك الأزمة إنعكست تباعاً وتدريجاً على الجسم التنظيمي وعلى الجمهور، فقد تمكن في فترة سابقة من حصرها.إلا ان الأمر اختلف منذ بضعة أشهر، بحيث يمكن القول إن خيارات الجنرال وتحالفاته أدت به الى ما يجوز وصفه بـ"أزمة تراجع وضمور".

الحائط

ولا مبالغة في القول في هذا السياق إن موقفه من الاعتداء الذي تعرض له الجيش في سجد في إقليم التفاح، والذي أدى الى استشهاد النقيب الطيار سامر حنا، شكل محطة حاسمة على صعيد تراجعه وضموره الشعبيين بين المسيحيين. فتغطيتُه الاعتداء و"محاكمتُه" الجيش، لم تغلقا ـ التغطية و"المحاكمة" ـ منطقة البترون التي ينتمي اليها الضابط الشهيد في وجهه وفي وجه صهره باسيل الذي ينتمي الى المنطقة نفسها وحسب، بل كانتا إيذاناً بانتهاء قدرة الجنرال على تغطية موقعه الملتحق بـ"حزب الله" بالهجوم على الآخرين بعناوين غرائزية طائفية. وحملته على صحيفة "لوريان لوجور" التي تمثل، عند المسيحيين خصوصاً، إرثاً ثقافياً تاريخياً، أذته في المباشر.وهكذا، فان الأزمة التنظيمية في "التيار" اليوم، إنما هي في العمق إنعكاس لأزمة الموقع السياسي والخيارات السياسية، كما هي إنعكاس لأزمة العجز عن الالتفاف عليها. ولذلك، فبالنسبة إلى الأوساط داخل "التيار"، إن العنوان الذي تتمحور المشاكل التنظيمية حوله، هو جبران باسيل... لأنه عنوان "النفوذ" و"السلطة" داخل التيار باسم الجنرال ويحصر في يديه "السلطة المالية"، ولأنه عنوان الخط السياسي الذي قاد "التيار" إلى "المهوار".

إحتفال "القوات" ظهّر المأزق

وتتزامن الأزمة التنظيمية ـ السياسية، بل "البنيويّة"، مع تطور مسيحي لافت تجلى في احتفال "القوات اللبنانية" بذكرى شهدائها قبل أسبوع. وهذا التطور يعبّر عن حدث مميَّز في إتجاهات عدة. هو حدث حمل الى المسيحيين خطاباً سياسياً ـ ثقافياً جديداً ليس أقلّ ما فيه "الإعتذار" الذي قدمه الدكتور سمير جعجع عن أخطاء الماضي، وهو "إعتذار" ذو صدى على المستوى المسيحي الشعبي. وهو حدث أتى يعكس التحوّل المسيحي عن الجنرال، من حيث الاحتشاد الشعبي غير المسبوق في الدائرة المسيحية. وهو حدث يثبت القدرة التنظيمية لـ"القوات"،أي استعادتها هذه القدرة بعد ثلاث سنوات من الجهد منذ خروج "الحكيم"من السجن، في مقابل "الإرتخاء" التنظيمي عونيّاً.

الخطوات الدراماتيكية... وعلائم "الآخرة"

هذا التطور المسيحي اللافت يشكّل بلا شك عاملاً من عوامل أزمة "التيار" والأزمة في "التيار".ولأنه كذلك بالفعل، ثمة "إهتياج" لدى الجنرال. ولأن الجنرال لا يملك شجاعة "الحكيم" في الإعتذار عن سياساته، ولأنه غير قادر على "الفك" مع تحالفاته بالرغم من أن حلفاءه يأخذون منه بيد ما أعطوه بيدين، فإنه يكرر "الأسطوانة" نفسها: الهجوم على المواقع الإسلامية، وعلى رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة بالدرجة الأولى.ولأن الجنرال "يائس" من وضعه، فليس مستبعداً بتقدير العديد من الأوساط أن يُقدم على خطوات "دراماتيكية" بأمل أن يستعيد بعض ما أضاعه. لكنها علائم "الآخرة" السياسية.
عن المستقبل

يحيى جابر دعاء


دعاء

يحيى جابر




لم يبق سوى الله كمخرج طوارىء من هذه النار الجوالة...كلما حاولنا الهروب اليه، سدوا المداخل والملاجىء، ومنعونا من اللجوء إليه..
كلما مددت يدي الى خشبة خلاصه، أحاول أن أطفو، وجدت من حولي آلاف النجارين يقصون آخر خشبة لي...
الله كبير، أيها الصغار الصغار، وخصوصًا الذين يدعون أنهم وحدهم يملكون الوكالة الحصرية في مشاغل الدين والدنيا.
من فوّضهم؟ من أعطاهم صكّ الغفران؟ من منحهم الختم؟ من وكّلهم؟ من عيّنهم؟ من رأّسهم؟
الله جميل، أتمارى به، ليل نهار، وهم من الفجر الى النجر، ينجّرون الخوازيق، والتي يسمونها فتنة...
كلما حاولت التعلق بحبله لنجاتي قصّوا الحبل بي، وكلما حاولت الاعتصام به، هجموا علي...
إنهم المنافقون، النصابون، الدجالون، الكذابون، المارقون..الذين يتسترون بلباس الدين، ويقيمون الحواجز لي حتى لا أصل الى موعدي مع الحبيب، وما حبيبي سوى الله..
ممنوع الوصول الى الله الناصع، الرحيم، الشفاف، الواسع بقدرته..
ممنوع الوصول الى الله الغفور، الغفّار، والذي يحب المستغفرين والمعتذرين والذين يطلبون المغفرة..إنهم ضد الاعتذار، وضد العفو، وضد التسامح.. مع أن الله مسامح وكريم...
الله رحيم، إرحمونا..الله ليس ملكاً لأحد..الله لنا جميعًا، الله عام، لاتخصخصوه..الله يسكنني وأسكنه، لا تحتلوه، لا تهجّروه من قلوبنا..لا تتاجروا به، هو خارج الاستثمار، لا تسيّسوه..
يا الله وربما، ولعل، وعسى، أن تشملنا برعايتك، شملة واحدة، ضمة واحدة.. أحصدنا جميعا بمنجلك.. أعتقد حان وقت قطافنا...

عن موقع ناو ليبانون
ا

مروان اسكندر اميركا الاشتراكية


أميركا الاشتراكية
مروان اسكندر

حاولت الادارة الاميركية مدى سنوات تكريس برنامج واشنطن للتحرير الاقتصادي كمنهج عالمي، خصائصه تبنّي سياسات ليبرالية تشجع على الاستثمار والتجارة، وتحرير التبادل التجاري من القيود، وإلغاء كل ما يحد من تحويل العملات وتوجهها نحو الاستثمارات الاربح عالمياً. كل ذلك، بحسب تأكيدات الادارة الاميركية، يؤدي الى تعزيز الديموقراطية، ولا يمكن نجاح الاقتصاد الحر الا في مناخ ديموقراطي. هكذا اكدت ادارة جورج بوش تكراراً، والى حد بعيد بفظاظة، القناعات غير القابلة للمناقشة.الا ان اجراءات وخطوات عدة ومتنوعة أظهرت ان الولايات المتحدة في عهد جورج بوش لم تعد منارة الديموقراطية. وظهر التخلي عن الجذور الديموقراطية من طريقة انتخاب بوش نفسه في الدورة الاولى من الانتخابات، وإجراءات الاحتجاز الالزامي، والتنصت على المخابرات، ومهازل محاكمات غوانتانامو. والصورة الادهى تجلت في احتلال العراق من أجل السيطرة على موارده النفطية وتعميم السيطرة الاميركية في الخليج، وكل ذلك مع الادعاء ان القوات الاميركية احتلت العراق لمساعدة العراقيين على ممارسة حقوقهم الديموقراطية.قناع الديموقراطية سقط قبل سنوات، وحكم المال والاستئثار طغى على نحو مخيف. فخلال اسبوعين تحولت الولايات المتحدة من بلد محتضن ومطوّر لنظام الاقتصاد الحر الى بلد يوحي أن الاكثر اشتراكية في العالم. فخلال 15 يوما اصبحت موارد الدولة وواردات الضرائب التي يدفعها المواطنون مخصصة لإنقاذ شركات ومؤسسات غامرت سعياً الى الربح فسقطت، ومع ذلك حظي بعض مديريها بمدفوعات تشجيعية عن عام 2007 راوحت أحياناً بين 50 و60 مليون دولار دفعت مسؤولين تنفيذيين لشركات أفلست قبل منتصف هذه السنة.•••وقد استرعى الانتباه التعليقان التاليان عن الاشتراكية المتمثلة في سيطرة الدولة على اهم المؤسسات الاقتصادية، اضافة الى املاك عامة مصنفة ضمن المناطق المحظور تطويرها.التعليق الاول ورد في "الفايننشال تايمس" في عدد نهاية الاسبوع (20-21 ايلول) كتبته كرستيا فريلاند المشرفة على المواضيع المتعلقة بالولايات المتحدة في هذه الصحيفة المتميزة، وجاء في تعليقها على برنامج وزير الخزانة للولايات المتحدة لإنقاذ سوق القروض المسمومة (أي الصعبة) المتعلق بتخصيص 700 مليار دولار لشراء هذه القروض، وذلك بعد تأميم مؤسستي "فاني ماي" و"فريدي ماك" المختصتين بضمان القروض العقارية، وتبلغ ضمانتهما 6500 مليار دولار، ومن بعد تسليف شركة التأمين الاميركية الدولية AIG 85 مليار دولار، ان هذا الوزير القادم من بلدة صغيرة في ولاية ايلينوى عبر رئاسة بنك الاستثمار "غولدمان ساكس" قد سبق فلاديمير بوتين بأشواط في مجال تأميم المؤسسات الكبرى ووضعها تحت جناح الدولة. والمعلوم ان بوتين لم يفعل ذلك إلا بالنسبة الى شركة "يوكوس" للنفط التي كان المساهم الاكبر فيها يتصرف كأنه غير خاضع لأي قوانين.التعليق الثاني، كتبته ساشا الهاشم، وهي محللة مالية لبنانية – اميركية متخصصة بأسواق اوروبا الشرقية، وفيه ان الولايات المتحدة اصبحت البلد الاوسع اشتراكية في العالم. فنسبة 60 في المئة من الرهونات العقارية باتت في يد الدولة، و20 الى 25 في المئة من المصارف هي الآن تحت سيطرة المؤسسات الفيديرالية، والصناديق النقدية الاستثمارية التي تحتوي على 3600 مليار دولار اصبحت بضمان الحكومة الفيديرالية، اضافة الى الاملاك الفيديرالية الشاسعة التي تعتبر مناطق غير قابلة للاستثمار. وتاليا صارت الحكومة الاميركية اكبر بلد اشتراكي في العالم، وفي استطاعة المراقب ان يحدد اين هو دور الديموقراطية.•••ان التطورات التي حصلت بين 7 ايلول و22 منه اسقطت مقولة تلازم الاسواق الحرة وحرية تبادل الاسهم والعقود، وكذلك تلازم حرية الصرف مع الديموقراطية. وثمة تطورات سابقة بينت ان الديموقراطية ليست بالضرورة على الصورة الاميركية، كما انها لا تتحقق تلقائيا مع تحرير الاسواق والتجارة والعملات. وأبرز صور النجاح الاقتصادي والتجاري الصين التي لا تزال تستند الى حد بعيد الى أجهزة حكم مركزي انضباطي.وخلال الربع الاخير من القرن العشرين والسنوات المنقضية من القرن الحادي والعشرين، توصلت الصين الى تحسين مستويات عيش 400 مليون مواطن من العوز الى الكفاية، وفي حالات عدة الى البحبوحة. هذا التطور الفريد لم يشهد العالم مثله طوال القرن العشرين. واتبعت سنغافورة مثال الصين وحققت نجاحات كبيرة جعلتها تحتفظ باحتياط ضخم قياسا، بعدد سكانها. وبالفعل ساهمت المؤسسات الاستثمارية السنغافورية في انقاذ اكثر من مؤسسة مالية أميركية من الافلاس.اضافة الى سقوط مقولة تلازم تحرير الاسواق والعملات مع الديموقراطية، وسقوط اتهامات السيطرة الحكومية على المؤسسات الاقتصادية في روسيا، كان للتطورات الاخيرة بُعد آخر أكثر أهمية لمستقبل الاقتصاد العالمي وإمكانات تجاوز الازمة الحالية التي تآكلت حتى تاريخه أكثر من 2000 مليار دولار من الموارد المالية.فالدولار لم يعد صالحاً لاعتماده مرتكزاً لنظام النقد الدولي. اذ ان العملة الاميركية غير خاضعة للضبط، وسخاء السلطات الاميركية في تأمين الدولارات لحل المشاكل الآنية أمر يطرح السؤال عن قيمة هذه العملة. فان كانت سلطات أي بلد منفلتة من الانضباط، فلا بد لعملة البلد المعني ان تتهاوى ضمن نظام العولمة الذي أصبح طاغياً الى حد بعيد.استناداً الى خطوات الانقاذ الاميركية التي وضعت نشاطات وقطاعات مهمة من القطاع الخاص تحت سيطرة الحكومة الفيديرالية، تكاثرت المخاوف على سعر صرف الدولار مستقبلا، وتاليا، انخفض سعره ازاء الاورو بين أيام الجمعة 19 ايلول والاثنين 22 منه بنسبة ثلاثة في المئة، وأدى هذا الانخفاض الى ارتفاع سعر برميل النفط أكثر من 12 في المئة ، من 97 دولاراً الى 110 دولارات. وهكذا، اتضح ان انخفاض سعر صرف الدولار، عملة تحديد اسعار النفط، كان و لا يزال السبب الرئيسي لارتفاع اسعار النفط.ومعلوم ان استهلاك النفط انخفض عالميا بنسبة اثنين في المئة منذ بداية فصل الصيف. فالاستهلاك الاميركي تقلص 600 الف برميل يومياً، واستهلاك الصين 150 الف برميل، كما شهدت فرنسا للمرة الاولى منذ سنوات انخفاض نسبة استهلاك البنزين والمازوت في شهري تموز وآب، أي خلال ايام العطل الصيفية وكثافة التنقل، بنسبة 12 في المئة.والامر الاكيد ان امدادات النفط متوافرة، وان بعض البلدان لا يستطيع تسويق الكميات التي يمكّنه انتاجها بموجب برنامج "اوبك"، وان اعناق الاختناق تبرز في طاقة التكرير التي تساهم، الى انخفاض سعر صرف الدولار، في رفع أسعار النفط.بعد شهر أو شهرين تكون اضرار اعاصير خليج المكسيك قد انحسرت، وعلى الغالب تستطيع السلطات النيجيرية مع شركة "شل" اصلاح اضرار الخطوط التي خربتها اعتداءات العصابات، ويمكن عندئذ توقع انخفاض اسعار النفط. انما هناك سببان قد يحولان دون هذا الانخفاض، أو على الاقل حصر الانخفاض بنسبة لا تتجاوز الـ 10 في المئة.السبب الاول ان موسم الشتاء مقبل، وحاجات التدفئة تتعاظم خلال هذا الفصل. والسبب الثاني ان مخاوف الدول المنتجة من الازمات المالية الطارئة ومن انخفاض سعر الدولار سيدفعها الى تقليص انتاجها، وإن بنسب ضئيلة، حفاظا على استقرار الاسعار ومداخيلها، خصوصاً ان بعض هذه الدول واجه خسائر كبيرة في الاسواق المالية، سواء في الداخل أو في السوق الاميركية التي شهدت تحولات مخيفة.

عن النهار


دلال البزري الدراما الفضائية في سوق رمضان

الدراما الفضائية سوق في رمضان

دلال البزري
يُفترض انها سوق الموسم الدرامي الرمضاني. وهي في الواقع سوق إعلانات يُقتطع منها مشاهد من الدراما الرمضانية. وفي موسم هذه السنة، مزيد من التأكيد على هذه الصفة الواقعية للموسم، بحيث ان نجمي سينما، مثل أحمد حلمي وكريم عبدالعزيز، تحولا الى نجمَي إعلان. ينافسان نجوم الدراما، ويتنافسان في ما بينهما، مثلما يتنافس نجوم الدراما.صاحب القرار الأعلى في هذه السوق؟ شركات الإعلان المموِّلة الأصلية للفضائيات الخاصة والعامة، وحتى المشفّرة منها، أي المموِّلة من جيوب المشاهدين. وشركات الإنتاج تموّل المنتجين بدورهم. فتحدّد «توجهاتهم» وموضوعاتهم ونجومهم وأذواقهم. وكل هؤلاء الشركاء المضاربين توسعت حدودهم وجنسيتهم الآن. بينهم الخليجي والسوري والمصري... وبعض اللبناني والأردني والتونسي. بل حتى إيراني (الماكيير).والسوق الرمضاني الدرامي عبارة عن أقنية فضائية وأرضية تستثمر في وقت المواطن، كل وقته. بل 24 على 24 ساعة من هذا الوقت لا تكفي لتغطية كل بضاعتها! فالوتيرة كهربائية والتخمة ولا تضاهيها إلا تخمة المأكولات الرمضانية، والتي تعطيك فكرة عنها الإعلانات المنافسة لها. 50 مسلسلاً مصرياً، و45 سورياً و15 خليجياً... (إن كان الضبط ممكناً). تختلط بداخلهم جنسيات مختلفة. ما دفع بعض النقاد الى امتداح هذا «الشكل من أشكال التكامل العربي»... ولكن الخلاصة المفيدة لصاحب القرار في نهاية الشهر الكريم هي: من يفوز؟ كوكا كولا ونجمها كريم عبدالعزيز؟ أم بيبسي كولا ونجمها أحمد حلمي؟لماذا رمضان بالتحديد؟ وليس شهر آخر؟ لأن المنتج يتوقع، وهذا صحيح أيضاً، أن الصائم، بإفطاره وسحوره، كما غير الصائم، سوف يزيد جلوسهم أمام الشاشة. وبالتالي، سوف يربح اكثر بنسبة 40 الى 50 في المئة لو عرض بضاعته في رمضان.ومن اجل هذه الغاية الجادة، لا تلعب شركات الإعلان، بل تجتهد. تستشف، تجس النبض وتلتقط «المناخ»، فتقترح ما تعتقد انه سيربحها. وقد تكون دقيقة. هدفها الإنجاز في الأرباح، لا تلعب. فتعرض ما يشبه هذا «المناخ»... أو ما لا يتعارض مع «مزاجه». وخلاصة اجتهادها: أي طلب للعقل والمخيلة على عرضها؟فتأتي الثرثرة الثقافية التالية للشهر الكريم لتغذّي تصور الشركة المنتجة على نوعية الطلب للموسم المقبل، بعدما ضخّت في الموسم السابق من مواد. السوق الفضائية في رمضان الماضي طغى عليها «الملك فاروق» مثلاً. فاشتعل حنين الى الحقبة الفاروقية، لم تعكره سوى الردود «الناصرية» عليه. وما كان إلا أن انتج في رمضان هذه السنة ما يمكن اعتباره رداً مفحماً على «فاروق»، المسلسل والملك والعصر: مسلسل «ناصر». عبد الناصر، الزعيم منذ نعومة الأظفار... والأكثر دلالة من المسلسل نفسه: أن النجمة وفاء عامر التي لعبت دور والدة فاروق في رمضان الماضي، لعبت هذه السنة دور والدة عبد الناصر. بل صرحت للصحافة بأنها مرتاحة لأمومة عبدالناصر أكثر من ارتياحها لأمومة فاروق. فانتعش الجو قليلاً! خصوصاً أن الحكومة المصرية المكروهة لم تعرض «ناصر» على شاشاتها.و «مناخ» الحنين لماض قريب يتناسل، مع مسلسل «اسمهان». وهو مرشح للمزيد. فكما لعب النجم مجدي كامل دور عبد الناصر في مسلسل «العندليب» في رمضان قبل الماضي، فأسندت إليه بطولة عبد الناصر في موسم هذه السنة... كذلك مسلسل «أسمهان» قد يتيح للنجم أحمد شاكر الذي لعب ببراعة دور شقيقها فريد الأطرش... ان يكون بطل الموسم المقبل في مسلسل «فريد الأطرش»... والتمييز بين حقبات الحنين أيضاً واضحة. فكما لم يُبخل على «فاروق»، لم يُبخل على «اسمهان»، في التمثيل والسيناريو والإضاءة والتصوير والموسيقى الخ. فبدى «ناصر» فقيراً حقاً أمامها... كأن التقشف الناصري شهادة براءة ضد الحنين لفاروق ولعصره. ذكاء «اسمهان» انه ارتفع عن جماهيرية المغطس الذي أبت إلا أن تقع فيه نجمات الدراما المصريات خصوصاً: مغطس الشخصية القديسة، الجيمس بوندية، الصاعدة، الغالبة في كل الأحوال. شخصية القدوة المطلقة. لم يُستَر على اسمهان كما سُتِر على أم كلثوم، «زعيمة» الغناء العربي، في رمضان عام 2000. فأسمهان ترفض لبس الحجاب. أسمهان تشرب الخمرة وتدخن السيجارة وتهمل ابنتها وتلعب القمار... ليست القديسة أسمهان. وقد لا تكون هذه الأسمهان حقيقية ايضاً، ولكنها، كما أرادها مخرجها، «أسمهان» الشاعرية، النفس الضائعة والمعذبة، مهما كثُرت خطاياها. وهذه نقاط ميزت أسمهان عما يقارب المئة مسلسل في هذا الموسم.هناك شريك صغير في هذه السوق: الصحافة المكتوبة، المتابعة للدراما وبدأب. والتي أصبحت شبيهة بمؤشرات البورصة الفنية: اليوم «طلع» هذا و «نزل» ذاك... كل اليوم هبوط وصعود. أو دور «السنّيدة» لهذا النجم او ذاك... وأحياناً بحسب الاتجاه السياسي. أو حائط مبكى، ملاصق للسوق أيضاً: يرثي المطّ والتكرار والأخطاء الفادحة... وكلها تباشير الموسم المقبل، حقبة الثرثرة بامتياز. فلا تعفي هذه الصحافة بطلاً أول أو ثانياً أو ثالثا من أسئلتها «الأكاديمية» أو الأخلاقية أو حتى الدينية... كلُ بحسب موضوع بطولته. فكما نور الشريف في رمضان 2002 عندما صار يفتي بتعدد الزوجات بعدما كان بطلاً لمسلسل «الحاج متولي» المزواج. كذلك سولاف الفواخرجي، بطلة «أسمهان» الموهوبة، ومجدي كامل الذي لا يقل موهبة... باشروا منذ الآن التأريخ لأسمهان وعبد الناصر ولعصرهما.إن هذه السوق القائمة على الربح السريع والهائل، وعلى هدر ساعات الشهر الفضيل، والمتسببة بثرثرات تسمّيها سجالات، المنفلتة من أي حساب إلا حساب السوق، والمتسيّدة على «مناخاتنا»، والمدغْدغة لمخيلتنا، الفقيرة أصلاً... من يراقبها؟ من يضع لها القوانين منعاً لهدر وقتنا ومخيلتنا ومعرفتنا؟ ما هي حدود سلطتها المعيارية والذهنية؟ ما هي طبيعة «مرجعيتها» العلمية أو المعرفية؟ وهل من قانون عربي تكاملي» يضبط هذه السوق؟ بعدما نجح قانون السوق بإرساء دعائمها المادية؟
عن الحياة

السبت، 27 سبتمبر 2008

رحاب ضاهر فيروز قريبتي...!

فيروز قريبتي . . !

رحاب ضاهر

لم يكن يدور يوما في بالي عندما كنت طفلة في السابعة من عمرها تصلها أغاني فيروز من والدي الذي يعشق فيروز ان فيروز ليست من ضيعتي الجنوبية وانها لا تمت لي بأي صلة. فيروز الي غنت للطاحونة التي كانت "على نبع الميه" كانت تغني لطاحونة جدي الذي كان لديه " مطحنة على النهر " يحدثنا والدي عنها كثير وكنت اظن ان فيروز هي عمتي شقيقة والدي لانها كانت تغني لنفس الطاحونة التي يحكي لي عنها والدي وكانت تغني لطائرة الورق والخيطان التي كنت العب بها وانا صغيرة واطيرها فوق سطوح الجيران، وغنت لزهر الرمان الذي كان يملأ بكثرة البستان الذي يطل عليه منزلنا وغنت الكثير والكثير من أمور ضيعتي التي اكتشفت عندما بدأت اكبر انها تشبه كثير من القرى والضيع اللبنانية والتي اعتقد كثير من اللبنانين امثالي في طفولتهم ان فيروز قربيتهم وكانت الصدمة لي ان فيروز ليست قريبتي وليست من ضيعتي والمفارقة ان فيروز ليست "ابنة ضيعة" بل عاشت في المدينة ورغم ذك لازلت كلما سمعت فيروز تغني "كنا عنا طاحون عن نبع المية " اومن انها فعلا قريبتي . . !


عن ايلاف

وائل عبد الفتاح من يشعل فتنة السنة والشيعة في مصر؟

من يُشعل فتنة السنة والشيعة في مصر؟
وائل عبد الفتاح

هل تشتعل فتنة كبرى بين السنة والشيعة؟ لا أحد مشغول بالإجابة. الجميع متورط في مباراة تتدحرج فيها كرة نار مشتعلة وسط صيحات انتصار وهتافات على طبول الحرب. البداية كانت من كلمات للشيخ يوسف القرضاوي عن الغزو الشيعي. قال: «خطرهم يكمن في محاولتهم غزو المجتمع السني، وهم يهيئون لذلك بما لديهم من ثروات بالمليارات، وكوادر مدربة على التبشير».القرضاوي شهير ومؤثر، يقيم في الدوحة بإحساس المنفي القديم من أيام عضويته لـ«الإخوان المسلمين». ورغم حفاوة قطر (حكامها وقناة «الجزيرة») به، إلا أنه يقف في منطقة وسطى بين فقهاء السلطان ودعاة الثورية الإسلامية.الشيخ الثوري يحذر من غزو «خارجي». رد عليه متطرفون في إيران بطريقة مشابهة. قالوا إنه يتحدث نيابة عن «زعماء الماسونية العالمية وحاخامات اليهود» وطالبوه بالتخلص من «العصبية الجاهلية». ورأوا أن «الشباب العربي يقبل على المذهب الشيعي رغبة في الثورية». هل هي حرب منافسة على «ثورية» الإسلام؟ ركب الخلاف هستيريا دينية مقيمة، وتحول إلى حرب للدفاع عن القرضاوي ضد «متطرفي إيران». تدحرجت كرة اللهب وأصبحت الحرب على الشيعة.الصحافة اشتركت في إشعال الفتيل وتسخين الفتنة. لا فرق بين صحيفة محافظة أو ليبرالية، ولا بين معارض للنظام ومؤيد له. أسهم المزاج الرمضاني في تحويل الفتنة إلى «نضال إيماني» ضد «كائنات» كأنها هابطة من كوكب آخر. المعركة صنعت عدواً جاهزاً في الذهن، منذ أن خطفت ثورة آيات الله الإعجاب في اللحظات الأولى. إعجاب على مستوى النخبة. فقد كان الجمهور العمومي لا يستطيع تقبل فكرة آتية من الشيعة. وهذا هو المدخل الذي حولت فيه الأنظمة العربية ثورة آيات الله إلى بعبع لـ«الجماهير المؤمنة» التي كان عليها مقاومة تصدير «الثورة».حدث هذا في بلاد الثروة والثورة على السواء. بلاد الثروة خافت من العدوى القريبة من حدودها. وبلاد الثورة كانت في مرحلة الشيخوخة المبكرة تلملم جراح الهزيمة وتحاول العبور إلى نادي الحلم الأميركي بالسعادة والرخاء. هكذا قرر أنور السادات استقبال الشاه، رمز الطغيان وسرقة ثروات الشعوب، تحدياً لثورة تبحث عن العدل وتتحدى أكبر قوة في العالم: أميركا.لكنه حكم رجال دين؟ وعودة بالمرأة إلى البيت والشادور؟ وطائفة تفرض قانونها: ولاية الفقيه؟ ودولة ستدخل تحت الحصار بعد خروجها من الرعاية الأميركية؟ أسئلة مربكة لثورة لم تجد الأنظمة خطاباً لمواجهتها إلا بترويج لعقيدة الخوارج: الشيعة واختصار إيران في الشيعة، والشيعة في مؤامرة إيران على المنطقة العربية.الاختصارات المربكة حجزت لإيران والشيعة مكاناً ملتبساً في عقلية المصريين. وهو ما أسهمت فيه رسائل من داخل إيران نفسها، لم تجعل المصريين يستمعون إلى أصوات أقل حدة، إلى أن فوجئ جمهور مكتبة الإسكندرية العام الماضي بمحمد خاتمي متحدثاً بطريقة مغايرة لصورة رجل دين ينتمي إلى نظام آيات الله. عدد كبير من الأسئلة وصل إلى المنصة عن رأيه في الصراع بين السنة والشيعة. رد خاتمي يومها بإجابة ذكية قال فيها إن الخلاف سر ازدهار الحضارة. وقال: «تصوروا لو أن العالم من دون اختلافات. لم يكن شيء من الإنجازات قد تحقق. أما النزاعات والحروب فأسبابها دائماً سياسية واقتصادية».المناخ مشحون إلى درجة اتهمت فيها الجماهير المتحمسة جماعة «الإخوان المسلمين» بأنها تركت القرضاوي وحده لانتقادات علماء الشيعة. ورد المرشد العام، محمد مهدي عاكف قائلاً: «أرفض سوء الأدب والتطاول على الشيخ من السنة والشيعة». كما قال عن الشيعة: «هم مسلمون لهم مذهبهم لكنهم يعبدون الله ويتبعون النبي وقبلتهم هي الكعبة ويتبعون تعاليم القرآن».الشحن كان قوياً وجذاباً إلى درجة مثيرة للدهشة. ونسي المشحونون قضايا وكوارث محيطة (حرائق ومقابر جماعية في وسط القاهرة وجرائم قتل شنيعة...) وتفرغوا لمتابعة مباراة كرة النار.اللافت أن هناك إدراكاً عاماً، أن هذه الفتن هي غطاء لترتيبات أخرى سياسية. حرب سرية تستهلك طاقات مخيفة. لكن إيقاع الحشد يصم الآذان ويعمي العيون وتسير الجماهير بعواطفها الملتهبة نحو الفخ المنصوب، وهي تتصور أنها فعلت أقوى ما لديها «لإنقاذ الدين».من يشعل الفتنة؟ هل هم الشيوخ المتصارعون على توكيل ثورية الإسلام؟ أم حكام يحركون الفتنة عندما يريدون؟ أم أجهزة مخابرات تتحكم في الجماهير عن بعد؟ الإجابات كلها تدور في تفسير المؤامرة. لكن الأخطر أنها ليست مؤمراة وليست إلا علامة من علامات الخروج من التاريخ.
الأحلاف والمخططات و«اللعبة الخطرة»
تظهر فتنة السنة والشيعة في مواقيت مثيرة للدهشة، سياسية غالباً. لكنها تلعب على سخونة المشاعر الدينية. تُشحن مشاعر دينية بالدفاع عن خطر «وهمي» ضد الجماعة الصغيرة. هذا فتيل القنبلة النائم بالقرب من السطحالكلام عن «المد الشيعي» ارتبط أخيراً بإعادة ترتيب التحالفات في المنطقة العربية. وظهر فيه اللعب على حساسيات طائفية كانت خافتة تماماً في بلد مثل مصر. لم يعرف أهلها تقريباً أن السيّد حسن نصر الله شيعي إلا عندما ظهرت دعاية إعلامية تتحدّث عن أنه «رأس حربة التشيع الذي سيقضي على السنة».حسن نصر الله هو أول «بطل شيعي» للأمة العربية، ولأنه ليس مثل الأبطال الآخرين، تخفي ملابسهم هوياتهم العقائدية، كان حاضراً بشكل دائم التزاوج بين بطولة المقاومة وشيعية بطلها. وطرحت الأسئلة: هل هي خطوة باتجاه تفكيك عروبة هي منهارة بالأساس؟ أم سير نحو تحقيق الهلال الشيعي؟ وهل سيتحوّل السنة إلى شيعة في رد فعل على معجزات حزب الله الكاشفة للحكام السنة في العالم العربي كله؟ الأسئلة مقلقة لجمهور لم يتعود التفكير، وخصوصاً مع الاندفاع نحو زمن الزعيم الديني مع غياب تيار ليس هو مؤمناً بالإمام الغائب ولا خاضعاً للرئيس الدائم. تيار لا يحارب أميركا بمنطق الدفاع عن الحق الإلهي ولا يدخل في حضانتها لأنها قدر العالم الذي لا يمكن مقاومته.كوندوليزا رايس بعد حرب تموز 2006 حاولت أن تقيم «حلف المعتدلين» في مواجهة آخر أطياف المقاومة. وعلناً كان التخويف من «المد الشيعي» ومحور إيران ـــــ حزب الله وانتشار الشيعة مع كاريزما البطولة في الحرب.مصر كانت قلب المعتدلين، لكن السهم ينطلق عادة من السعودية. ولم يكن صعباً أن تغذي كوندي ورجالها مشاعر الخوف من الجار الإيراني، وخصوصاً أن ذاكرة تصدير الثورة الإسلامية لا تزال حية في وجدان الحكام. وجهازها الإعلامي جعل من إيران بعبعاً سينشر شيئاً غامضاً اسمه الشيعة وسيأتي بحكام يطلبون القداسة المطلقة مثل آية الله الخميني.هذه إذاً ليست المحاولة الأولى في لعبة تسخين المنطقة وتجهيزها لمواجهة بين «الاعتدال السني» و«التطرف الشيعي». لعبة خطيرة ومعقدة، تفصل «الدول» عن جمهورها العام الأكثر ميلاً إلى أبطال من نوعية حسن نصر الله. وتفصل أيضاً بين حرب العقائد والتضامن السياسي. وتعمل على أن تكون صورة أبناء المنطقة عن أنفسهم هي نتاج صراع بين عقول حديثة وأجساد ترتدي ملابس قديمة. اللعبة تعيد تعريف الإنسان بهويته الوليدة (دينية وطائفية وعائلية). وهذه حرب وحدها تتخذ كل مرة عنواناً مثيراً. هذه المرة: حرب على المدّ الشيعي.
المذهب السرّي
«مصر خالية من الشيعة». هذا ما قاله الشيخ يوسف القرضاوي، مشيراً إلى أن ظهورهم جزء من مؤامرة «المد الشيعي». ورغم أنه ليست هناك إحصاءات دقيقة عن الشيعة في مصر، إلا أن القرضاوي يتحدث بمنطق المكتشف لتنظيم سري، مؤكداً أنه «قبل عشرين سنة، لم يكن هناك شيعي واحد في مصر، استطاعوا أن يخترقوها، وأصبح لهم أناس يكتبون في الصحف ويؤلفون كتباً ولهم صوت مسموع».إلى وقت قريب كان الجمهور العام لا يفرق بين الشيعي والشيوعي، ويرى أن كليهما: لا يعرف الله وكافر. وأنصاف المتعلمين يرون بمنظار فقهاء السنة المتعصبين ويتخيلون أن الشيعة «لا يصلّون على النبي محمد وينادون في الأذان فقط باسم علي بن أبي طالب» وغيرها من خرافات صنعتها عداوة سياسية تتخذ شكل التجريح الديني.تاريخ طويل من العداوة عن بعد في بلاد تحت سيطرة المذهب الواحد. ولم تتغير النظرة رغم كل محاولات التقريب بين المذاهب. لكن رغم أن المصريين سنّة من الناحية الرسمية، لكن محبتهم لآل البيت وطقوسهم الدينية قلبها شيعي.مصر لم تنس ماضيها الشيعي عندما كان الأزهر مركزها الكبير أيام الفاطميين، لكن صلاح الدين الأيوبي حاربهم، فتحوّل المصريون بفعل الخوف السياسي إلى عقيدة السلطة، لكن قلوبهم ظلت مع هوى قديم بآل البيت. الهوى والطقوس ظلت تنتقل عبر الأجيال من دون توصيفها ضمن عقيدة «الشيعة».صالح الورداني في كتابه عن «الشيعة في مصر» حكى أنه «في منتصف الأربعينيات، بدأ النشاط الشيعي يبرز في مصر على يد جماعة التقريب وقد استمر هذا النشاط حتى فترة السبعينيات، حين ظهرت جمعية آل البيت، إلا أنه بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، انعكس موقف الحكومة المعادي لإيران عليها وصدر قرار بوقف نشاطها».وبسبب الخوف من «تصدير الثورة»، انتقل ملف الإيمان بالتشيع من الأزهر إلى أمن الدولة. وأصبحت أجهزة الأمن تنظر للشيعة على أنهم تنظيم سياسي ممنوع.4 آلاف هو عدد الشيعة في مصر، كما يرى المتسامحون من أهل السنة. «لكنهم مليون يتسللون بين الطرق الصوفية»، كما يرى محمد الدريني رئيس «مجلس آل البيت»، الذي اعتقل مرات عديدة وله آراء صادمة إلى حد المطالبة بالأزهر الفاطمي.الشيعة في مصر عقيدة شبه سرية. يتحالف في مواجهتها علماء الأزهر ومروجو الكتب الصفراء للوهابية، وخلفهم جمهور واسع تغويه لعبة التكفير. هنا تنعش حروب النفي والقتل المعنوي للنفوس المهزومة وتحشد خلفها جماهير متعطشة للدفاع باسم شيء كبير.رائحة الحرب تتصاعد، وخصوصاً بعدما أصبح للشيعة مساجد في مصر بعد اتساع أعداد العراقيين المهاجرين. قد تكون الرائحة باردة من دون رصاص ودماء الآن، لكنها مقدمة لحرب حقيقية، لحروب وفتن لا نجاة منها أبداً.

عن الاخبار


ايلي الحاج الكاتب محترماً


الكاتب محترماً
ايلي الحاج

مصادفة التقيت في أحد مقاهي بيروت راوي الحاج وليس بيننا أي قربى أو رابط خلافاً لما قد يوحيه الإسم وكنت قد سمعت به للمرة الأولى قبل أشهر عندما صدر في صفحات جرائد بيروت الأولى خبر فوزه بجائزة "إمباك دبلن" العالمية للآداب عن روايته الأولى "لعبة دونيرو" التي كتبها بالإنكليزية ، عن الإختيار بين العيش وسط العنف ( في حرب لبنان طبعا) والمنفى الذي ذهب إليه منذ 1984 متنقلاً بين الولايات وكندا حيث استقر. كان الراوي راوي يزور لبنان للمرة الأولى بعد غياب عشر سنوات في طريق عودته من الصين إلى كندا، والتقينا قبل ساعات من ركوبه الطائرة، وهذه تفاصيل أما الأهم فهو إن روايته التي لم ينشر غيرها بعد ترجمت إلى 18 لغة منها العربية بعنوان "مصائر الغبار"، وإن شركة إنتاج سينمائية في كندا حجزت حقوق تحويلها فيلما بمبلغ طائل لمدة سنتين بقيت منهما ستة أشهر فقط وقد لا تتمكن من تأمين التمويل الذي يبلغ ملايين الولارات، فتعود الحقوق إلى صاحب الرواية ويمكنه بيعها مرة ثانية لشركة أخرى.
قال راوي إنه لا يعمل شيئاً سوى الكتابة فهي تكفيه . يكتب سطراً في اليوم وأحيانا صفحة. وأنجز روايته الثانية التي لا تشبه الأولى وتعالج الأحوال النفسية للمهاجرين إلى الغرب من العالم الثالث، آسيا وأفريقيا، وإنه علماني أراد من روايته إلقاء الضوء على مرحلة حالكة من تاريخ لبنان ملأتها الأهوال والفظائع على أنواعها وترتبط في شكل رئيسي بتركيبته الطائفية والقبلية، ولعل القراء الغربيين أدهشهم الجانب المأسوي والغرائبي في الرواية فلاقت الرواج وجوائز كان يتوقعها، وأهمها "جائزة دبلن" معنويا ومالياً أيضا، فقيمتها مئة ألف أورو، الثانية بعد جائزة نوبل.
تدور الرواية على قصة صديقين وسط حرب عبثية، أحدهما الكاتب يهجس بالرحيل إلى الغرب، وقد تحقق له ما أراد، أقام في نيويورك بدءاً وهناك عرّف الراوي عن نفسه، وفي الغرب الناس يقرأون ، يفتحون كتباً في المقاهي والحافلات والقطارات مستغلين أي دقيقة لغذاء عقولهم وأفكارهم، ليسوا مثل الناس في الشرق يدخنون النرجيلة ( الشيشة) في المقاهي وعلى الشرفات. في الأمة العربية يعمل الكاتب أعمالاً وضيعة ويكدح من أجل اللقمة طوال حياته. فهو كغيره غير محترم، لا يصلح لتدبير أموره. مسكين.

بلال خبيز النصر تحقق فليعلن المهزوم عن نفسه

النصر تحقق فليعلن المهزوم عن نفسه

بلال خبيز


يعرف اللبنانيون ان رأسمالهم الأكبر هو الامل. الامل الذي غذيناه طويلاً، بالدم المهدور في اوقات ضائعة. كنا دائماً ونحن نموت نرفع ايدينا بالرجاء: هذا البلد يستحق ان نضحي من اجله. من اجل ان يصبح بلداً.
وكل مرة، نعود ونتمسك بالأمل. الذين حاربوا، على ما قال الدكتور سمير جعجع، ازهقوا ارواحاً بريئة، لكنهم حين حاربوا، فمن اجل البلد. اخطأوا: كان جنوناً مطبقاً. لكنه جنون يتكرر كل يوم. هل يفترض بكل لبناني ان يغرق في حروبه الداخلية ليدرك بعد اختبار المحن ان ما فعله كان جنوناً مطبقاً؟
اليوم، مثل الامس، مثل اليوم الذي سبق، ثمة من يعتقد جازماً انه على حق. لقد فوّت بحرب صغيرة الفرصة على حرب كبيرة. الله يعلم، كيف يستقي عضو مكتب حزب الله السياسي معلوماته المؤكدة. اضطررنا لخوض حرب صغيرة، كلفت البلد بضع ضحايا، بعضهم لم يكن ثمة اي داع ليضحى به، لنجنب البلد الحرب الكبيرة. والمدان في هذا كله هو مفتعل الحرب التي لم تقع. هذا ليس جديداً على اللبنانيين. ثمة من يأخذ البلد برمته على الشبهة. هناك اشتباه بأن الرئيس فؤاد السنيورة يعمل لمصلحة الأميركيين. الاميركيون اياهم اعداء شعوب العالم قاطبة. إذاً فليحذر، إذا لم يوافق كلامه هوى في نفوسنا، يكون الاميركي قد اسر في اذنه، لأنه، اي الاميركي، لم يتعظ، وما زال يفكر ويخطط لإشعال الحرب الكبيرة.
اليس هذا هو مجرى الأمور مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ إذ ان ما يمنع الحكومة الاميركية من قصف المفاعلات النووية الإيرانية هو هذه العينات من الحروب الصغيرة، من جنوب لبنان، إلى جنوب فلسطين، فجنوب العراق، فالكويت والبحرين واليمن. حروب صغيرة تمنع نشوب الحرب الكبيرة. وعلينا ان نشكر بارينا صبحاً وعشية، لأن ثمة في لبنان من يجيد شن الحروب الصغيرة.
ينبغي ان نصدق من يزعم انه على حق. اقله حتى الآن. فالأميركيون يتجنبون الحرب. ليس لأن ثمة رأي عام اميركي يطالب حكومته بالكف عن التدخل في شؤون العالم، وترك اكثر من نصف الكرة الارضية لشؤونها تدبرها بالطرق التي تجيدها. بل لأن ثمة طرادات ايرانية مستعدة لتدمير البوارج الاميركية حين تحين اللحظة المناسبة. ولأن ثمة فصائل مسلحة قد تلحق الاذى باسرائيل وبعض الدول العربية إذا ما شنت الولايات المتحدة الاميركية حربها. الاسطول الاميركي مسالم ولا قدرة له على القتال. كذلك، فإن الجيش الاميركي الذي احتل بغداد عام 2003، اصبح اليوم عاجزاً عن القتال وواقعاً في قبضة ايران، التي لسبب لا نعلمه، لم تبد الفيالق الاميركية في العراق بعد.
المسؤولون في حزب الله يعلمون. ونحن لا نعلم طبعاً. لا احد منهم يقول ان الذين سقطوا في بيروت في غزوة 7 ايار، هم من الناشطين في المخابرات الاميركية. لكن هؤلاء يمثلون الخسائر الجانبية التي لا يمكن تجنبها في اي حرب. بالمناسبة، متى ستقع الحرب الكبيرة التي يربح فيها لبنان وتخسر اسرائيل ومن وراءها؟
في حرب تموز، قيل لنا اننا انتصرنا. الضحايا الذين بكينا عليهم في تلك الحرب كانوا جزءاً من الخسائر التي لا يمكن تجنبها. لكن الانتصار تحقق ساطعاً ولامعاً وعلى رؤوس الاشهاد. كم انتصار مثل هذا الانتصار يستطيع لبنان ان يحتمل؟
في غزوة ايار، قلنا اننا فوتنا على البلد فتنة مريرة. الزمنا الفتنة ان تعود إلى جحرها، واقفلنا الباب بحجر كبير. صحيح: الجميع يتحدث عن المصالحة اليوم. الجميع من دون استثناء، بمن فيهم من لم يكن له في الخلافات السياسية لا ناقة ولا جمل. مع ذلك لا احد يعرف لماذا تنتقل الحوادث من منطقة إلى اخرى بسرعة انتقال النار في احراج الصيف. مصالحات على قدم وساق، انما ينبغي ان تتم حسبما يرتأي المنتصر. المنتصر في هذه الحرب يعرف نفسه، ويعرف على من انتصر. لكن المهزوم لم يعرف نفسه بعد. هل المهزوم هو سمير جعجع ام الفتنة المريرة التي يحدثوننا عنها؟ ولأن المهزوم لا يعرف نفسه بعد، يستطيع قادة حزب الله ان ينسبوا الهزيمة لمن يريدون. هم تارة هزموا مشروع الفتنة، وتارة اخرى هزموا ميليشيات الحريري، واطواراً هزموا التطرف السلفي، ودائماً هزموا اسرائيل والمشروع الاميركي. كل هذا حدث بمعركة واحدة، جراحة نظيفة ودقيقة. كلفت بعض النزف اليسير، لكنه مقارنة بحجم الانجاز لا يبدو اكثر من غرزة دبوس في اصبع خياط ماهر.

عن موقع المستقبل



رفيق خوري، معركة مصيرية بسلاح سيء وعتيق

معركة مصيرية بسلاح سيىء وعتيق





رفيق خوري



كان خروشوف يقول (ان مشكلة الانتخابات الحرة هي انك لا تعرف نتائجها سلفاً). لكن التركيبة السياسية في لبنان حلّت المشكلة: تذهب الى انتخابات حرّة وهي تعرف سلفاً معظم النتائج عبر تفصيل قانون الانتخاب على قياسها. وكان الكسيس دو توكفيل يرى في القرن التاسع عشر (ان الانتخابات ثورات دستورية، وكل جيل هو شعب جديد). لكن لبنان لا يزال في القرن الحادي والعشرين الاستثناء من القاعدة. فلا أحد يتصور اننا ذاهبون الى (ثورة دستورية) عبر صناديق الاقتراع. ولا أحد يجهل العقبات والقيود التي تمنع كل جيل من ان يكون شعباً جديداً، والاعتبارات التي تدفع الأجيال الى ان تكون تكراراً هو أحياناً الى الوراء. ذلك ان ما يبدأ المجلس النيابي مناقشته اليوم هو مخلوق عجيب يتحدث كثيرون عن بشاعته وسيئاته، ثم يتصرّفون على أساس انه قدر لا يرد. لا هو مشروع قانون لأن الحكومة لم تقدمه ولا قالت رأيها فيه. ولا هو حتى اقتراح قانون من النوع الذي يقدمه النواب. إنه تجميع قامت به لجنة بجهد وتعب، ولكن من ضمن الحكمة التقليدية القائلة (ان الحصان هو جمل صنعته لجنة).شيء من كل شيء. دوائر انتخابية من قانون 1960 جرى الاتفاق عليها في الدوحة بمساعدة دول هي إما لا انتخابات عندها، وإما أن انتخاباتها على طريقة خروشوف. بعض الاصلاحات الواردة في مشروع الهيئة الوطنية المستقلة برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس، ولكن من دون الأساسي في تلك الاصلاحات: لا شيء من النظام النسبي الى جانب النظام الأكثري، لا هيئة مستقلة للاشراف على الانتخابات بدل وزارة الداخلية، لا تصويت للمغتربين، لا كوتا نسائية، ولا خفض لسن الاقتراع الى الثامنة عشرة. بعض التحسينات التي اجتهدت فيها اللجنة والمتعلقة بآلية الاقتراع أكثر منها بجوهره. والبقية أمور مهمة حول تحديد النفقات وتنظيم الاعلام والاعلان، غير انها اما من النوع الذي يصعب تطبيقه ويسهل التحايل عليه، واما من النوع الذي لم يؤخذ فيه بملاحظات المسؤولين عن وسائل الاعلام. أكثر من ذلك، فإن التعبير الشائع لتوصيف الانتخابات عند الأطراف في الداخل والقوى في الخارج هو أنها معركة مصيرية. ولا أحد يذهب الى معركة مصيرية بسلاح سيئ وعتيق عمره أكثر من نصف قرن، الا اذا كانت اللعبة تدور حول السلطة ومن يمسك بها وليس حول بناء الدولة ومعالجة قضايا الناس واخراج لبنان من الأزمة البنيوية في النظام كما من المأزق المالي والإقتصادي. وآخر ما يستحق صفة المعركة المصيرية هو الاندفاع.
عن الانوار

الجمعة، 26 سبتمبر 2008

بلال خبيز، اسمهان، كأنها زمن من هواء عليل

كأنها زمن من هواء عليل


بلال خبيز




لم تدخل اسمهان قائمة المطربات اللواتي يرافقن العاشقين إلى خلواتهم، ولم تتحول خليلة اهل الهوى أو من فاتوا مضاجعهم. اسمهان بقيت مطربة على حدة. مطربة نفيسة وفاخرة. مصدر للتشاوف وامتداد المحادثات، مثابة تأهيل وتكريم ومادة حديث لا يختلف عليه. اسمهان كبيرة مطربات العرب، لم تسعفها حياتها القصيرة. ليست كسيد دويش ممن عاشوا حياة قصيرة لكن أثرهم في من أتى بعدهم يكاد لا يمحى. بأغنيات يمكن عدها وحسابها خطوة خطوة خرجت اسمهان من سياق الغناء العربي برمته. من السياق الذي فرضه المستمعون والمغنون على حد سواء. كان سيد درويش الذي يضارعها ويبزها في قصر مكثه على الأرض من قامة أخرى. هو واحد من الذين يمكن ان ندعي انهم تركوا تراثاً متكاملاً. وحدها اسمهان بين الكبار نتحسر على حياتها القصيرة ونتوقع لها لو قيض لها ان تعيش عمراً مديداً ان تصنع مكانة لا نتردد في القول والتصريح انها تحاذي ام كلثوم وتتجاوزها في كثير من الحالات. اسمهان صاحبة سيرة فنية ناقصة على الدوام. لم يكن موتها المفاجئ، وكل موت مفاجئ في طبيعة الحال، تتويجاً وختاماً لحياة في المغامرة والصخب. سيرتها ناقصة وحياتها لم تكتمل. قد تكون الوحيدة بين الذين يعرفونها ويسمعونها او عرفوا القليل من سيرتها والروايات التي تدور حول حياتها، قد تكون الوحيدة التي سلمت بهذه الخاتمة. لكن ورثتها لم يسلموا بهذه الخاتمة، وما زلنا حتى اليوم ننظر إلى ما تركته خلفها بوصفه تراثاً ناقصاً.
مفجع ان يترك المرء بعد موته تراثاً ناقصاً، وان يتجول الوارث في هذا التراث، فلا يحسن ان يقبض على المفصل الذي ينيخ الإرث ويجعله قابلاً للاندراج في انماط ومسالك رغم ان هذا الإرث لا يمكن تجاهله او حسبان انه لم يكن اصلاً. لم تترك اسمهان ارثاً مهملاً، لكنها ايضاً لم تترك مفتاحاً لمن ورثها يعينه على استكمال الإرث وتتبع الأثر. انها في معنى من المعاني فاجعة على من يرثها. تضربه بالسحر وتصيبه بالعياء. انسب الطرق للتخلص من إرثها المسحور ان يقضي المرء حياته في الدوران داخل حلقتها الجهنمية. اسمهان في هذا المعنى، اكثر المطربات التباساً واشدهن قدرة على التملص من تبعات تصنيفها في خانة او مكان او تيار او تاريخ. لم تمت، لقد سفحت على حليبها، سفحت قبل ان تكتمل، والأرجح انها ما كانت لتكتمل ابداً. دوماً كانت تبشر بفن تام وتفصح من غير لبس عن قدرتها على تحقيقه ودائماً كان الفن ناقصاً، ويزداد نقصانه فداحة لأن المراقب لا يتوانى عن الظن انها قادرة على اتمامه على النحو الذي لا يستطيع احد غيرها ان يضارعها فيه.
ليس ثمة عمر يكفي اسمهان. كانت ستموت قبل اوانها ولو طال بها العمر وامتدت بها السنين. اسمهان كانت تستطيع ان تتجاوز نفسها في كل مرة. لكنها كانت تتجاوز اول ما تتجاوز شركاءها واقرانها. تترك الكلام الذي تغنيه منثوراً على القارعة, لا يستطيع السامع ولا الملحن ادخاله في النمط السائد، ولا ينجح العاشق ان يتقمص سيرتها. لم تكن قادرة على دخول القلوب، والأرجح ان القلوب لم تكن قادرة على احتمال قسوتها وفظاظتها التي تذكر اصحابها بأنهم دائماً يقعون دون مقام عقد الصلة معها. لم تكن مطواعة فتتحول سيدة امام عبيد مستمعيها، ولم تكن ايضاً قادرة على التحول إلى عبدة لجمهورها. كانت دائماً تذكر باستحالة عقد الصلة معها. قاسية وجلفة، إلى حد انك لن تستطيع ان تتبناها، لكنها مع ذلك رائعة وعالية، كما لو انها تكتسب فظاظتها من خسة المستمع ومن عجزه عن عقد صلة معها من اي نوع. كانت اسمهان مطربة لا تجارى. لن تنام على هدهدتها الجفون، ولن ترتل صباحاً كما لو انها تشبه الصباح، انها في اصل تكوينها تأتي من مكان هو غير الأمكنة التي نرتادها ونستطيع ان نمتلك شميمها او عطرها او ملاستها او حتى مشهدها العابر. من يذكر ملامح اسمهان جيداً؟ سنتذكرها بشبيهتها، سنتذكرها بوصف صورتها عميقة ومن دون حجم. سنتذكر انها لو توضعت امام المصور لن تعود هي نفسها التي تقف على خشبة المسرح.
لم تدخل اسمهان القلوب. لم ترافق العاشقين في صعودهم ونزولهم. ولم تعلمهم فنون العشق وطرق الغرام، وايضاً لم تعلمهم الصبر والسلوان. اسمهان لم تدخل القلوب، لأنها لم تغادر الآذان أصلاً. ما ان تسمعها حتى تدرك ان مقامها في الأذن لن يزول، وانها لن تغادر هذا الصحن الضيق إلى أي مكان آخر. لهذا لا تجد بداً من الصمت، من تحويل الحديث وحبس الآهات، لأنك دائماً تريد ان تحفظ الصوت في الأذن، وانت تعرف جيداً ان محادثك يملك الأذن نفسها التي تملكها، وان الحديث يجري بينك وبينه كما لو انكما تتشاركان في وليمة شهية وعامرة، او في هواء عليل. ستمدحان الصوت الذي يسكن الأذن كما لو انه ريح عميقة، وستعرفان ان انجع السبل للقبض عليها ان تتركها تتملك الحاسة، وان تعرف انه بوسع الأذن ان تكون مصدراً لمتعة لا توصف، ولا يمكن التعبير عنها بإطلاق آه وحسب.
اسمهان في الأذن، لكن ليس ثمة كثيرون وكثيرات في الأذن. لهذا، ربما، تبدو هذه الحاسة مهجورة وبدائية، لأننا دائماً نفرغها من كل ما تكتسبه ونسلبها حقها في ان تكون قادرة على امتاعنا حقاً. نحن سرعان ما نخرج صوت المغني من مقام الصوت إلى مقام المعنى. نتألم معه، ونحب ما يحبه، ونقول ما يقوله، لكننا لا نسمعه إلا عبوراً بين الطبلة والصيوان، ومع ذلك نتوهم اننا نعرف الطرب جيداً. لكن اسمهان تقول لنا ان الطرب لن يغادر الأذن، وان الصوت يبقى صوتاً ولا يتحول شيئاً آخر، وانك لو نجحت في اكتساب الصوت وحبسه في الأذن الضيقة لعرفت معنى ان تكون الحاسة حاسة وحسب.

عباس بيضون، عن امرأة لا زالت تخيف


مسلسل أسمهان.. عن امرأة لا تزال تخيف

عباس بيضون


تلّذ الناس مشاهدة مسلسل »اسمهان«. ويقول متفرّجون محنّكون انه جيد. يقول ذلك ايضا خبراء ومحترفون، ما عليّ اذن الا ان اساير، خاصة وان لا غرض لي بعد في تحدي الذوق العام. ثم ان المسلسل لا يشط كثيراً وبالمقارنة مع سواه يمكننا ان نغض عنه ولا نتناوله بشرّ او بخير. الفن الرمضاني وَلودٌ وبعض ما ينتجه أحق بالمحاكمة. للمسلسل، فضلاً عن ذلك اسباب تخفيفية، انه اول مسلسل عن اسمهان بعد أن تنكّب عن ذلك الجميع تجنبا لغضب أسرتها وممانعتها. رفض آل الأطرش كل سيناريو عن حياة اسمهان وجدوه غير لائق، والارجح ان ما لا يليق بالأسرة هو حياة اسمهان ذاتها من اي جهة تناولتها. لا تليق حياة اسمهان بالأسرة ولا بأي أسرة اخرى لا تزال عند نفسها أسرة. لكن هذا بالتأكيد سر قوة اسمهان، انها منذ ٦٤ عاماً مضت على وفاتها لا تزال تتحدى الأسر ولا تزال بالطبع مستعصية عن ان تكون وصفة عائلية او ان تتحول درساً اجتماعياً. يمكننا عندئذ ان نسائل الـ٦٤ عاماً المنقضية عن ذلك، فبعد كل هذا الوقت لا تزال اسمهان تخيف الأُسَر وتخيف الاصطلاح الاجتماعي وتخيف التقليد الاخلاقي والديني. لكن ٦٤ ايضا وقت كاف لتقديم اسمهان بدون مصالحتها مع التقليد والاصطلاح والعائلة. لقد بقيت اسمهان بعد اكثر من نصف قرن فيما لم تطق ذاكرتنا القصيرة عادة اسماء كثيرين سواها، صمدت ضد كسلنا ومياومتنا وفقدان سياقاتنا وتكويمنا الثقافي والتاريخي. وان تصمد بدون إرادة ولا اجتهاد من احد يعني ان حضورها فوق طاقتنا على النسيان وانها موجودة فيما يتعدى الذاكرة. غناء اسمهان من الاشياء التي تكوّن متحفنا الغنائي والموسيقي، او توعز بتراث حديث. كان لهذا الصوت ان يغلبنا على تراخينا، ان يبقى ليس ضد ذاكرتنا، ولكن ضد سيرة اسمهان نفسها وأماني أسرتها. لقد بقيت طوال ٦٤ عاماً مصدر قلق لهذه الأسرة وفخر مر ولا تزال هذه من ٦٤ عاماً تدافع عن نفسها ضد ذكرى الفتاة التي غرقت في ربيعها السابع والعشرين. لا بد ان نحيي المبادرة الى مسلسل عنها ولو اننا نحسب ان من المهازل ان تنتظر كل هذا الوقت ومن المخاجل ان يبقى النزاع نفسه على سيرتها وحياتها. ان وقتاً بهذا الطول لجدير بأن يخرج امرأة من عائلتها وزمانها. نحيي ان يقوم فيلم عنها لكننا نأمل ان يكون بحجم انتظارنا، ان يكون في مستوى امرأة زاد الزمن حضورها قوة ومستوى. لا يكفي النجاح الجماهيري فأن تكون اسمهان من حواضر رمضان وموائده امر غير مستكره، لكن ان ينتهي الأمر هنا فهذا ليس محموداً. مسلسل اسمهان يجمع ممثلين من لبنان وسوريا ومصر وهذا مطابق لشخصياته. الأم علياء المنذر من لبنان والأسرة درزية سورية والتربية مصرية، هذا التنوع كان ينبغي ان يكون له ميزان دقيق وان يؤدى بحرفة. لكننا وجدنا أنفسنا امام بابل لهجات: فريد يتكلم المصرية وحدها، وفؤاد بدأ بلهجة الجبل السوري ثم جرى على المصرية، بينما ترددت اسمهان بين اللهجتين واحتفظت الأم بلهجة محيرة بين الجبل السوري واللبناني. الخليط صحيح لكنه بدا في احيان اختلاطا وخلطاً، ولم يقف الأمر عند حد اللهجة فالاغلب ان بضع مدارس في التمثيل التلفزيوني تجاورت بدون ان تندمج. كانت هناك بابل تمثيلية ايضا، الدراماتيكية السورية والعواطفية المصرية والحيرة التمثيلية اللبنانية التقت جميعها بدون ان تتفاعل او تتشابك. لكن المسألة ليست في الحيرة الفنية الا بمقدار ما تعكس هذه حيرة السيناريو والأداء. لا تزال اسمهان لغزاً بحسب شريفة زهور كاتبة سيرتها المكتوبة بالانكليزية والمترجمة الى العربية عن دار المدى. لا بد اننا لا نعرف بدقة سر هجرة الأسرة الدرزية العريقة الى مصر وابتعادها عن الأب والزوج وارتضاء الأم بمهنة غسل الثياب والخياطة والحياة في القلة والتنكر تحت اسم عائلي آخر. انه المسار الذي ستسلكه اسمهان عكساً. فهي الأخرى ستتزوج حسن الأطرش في اشهار للعائلة وعود إليها وانفصال مجدد عنها. لا نعرف على وجه التحديد سر علاقتها بمحمد التابعي ولا زواجها من أحمد بدرخان وأحمد سالم ولا صلتها بمحمد حسنين والملكة نازلي وأم كلثوم، ولن نفهم على وجه التحديد علاقتها بالانكليز والجنرالين سبيرز وستيف والجنرال كاترو وعملاء المحور الألماني. كل هذه معروفة وغير معروفة ولا تزال مدفونة تحت ركام ٦٤ سنة. واذا كانت خلاصاتها غير مجهولة الا ان الملابسات والدواخل لا تزال في الكتمان، اما السر الذي لن نفك فهو لغز موتها، قذف السائق بنفسه ونجا تاركا اسمهان وصديقتها تغرقان. هل كانت هذه جريمة مدبرة ام انها صدفة غريبة، ألغاز لكنها ليست اوهاماً فهذه المرأة التي رحلت عن ٢٧ عاماً لم تخرج فحسب من الشرط العشائري والنسائي بل فعلت ذلك بجرأة طبيعية تمت ببساطة مذهلة وقفزت بسلاسة كاملة عن تقليد دهري بدون معركة تقريباً. هجرت زوجاً هو زعيم قومه ومحافظ الجبل فلم يزد عن ان يكون رهن إشارتها واستعادها حين شاءت، ضد الشرع، وطلق امرأته الجديدة في سبيل ذلك، بالبساطة ذاتها لعبت بجنرالات الانكليز والفرنسيين مرة مع هؤلاء ضد اولئك ومرة مع اولئك ضد هؤلاء وغامرت بالخفة ذاتها والعلن ذاته مع جماعة المحور، ولم يزد الثمن الذي دفعته عن منعها من الوصول الى اسطنبول لمقابلة السفير الالماني. ثم انها غامرت بزواجين لم يدوما سوى اسابيع وكان ذلك في المرتين اقرب الى التنكر واللعب وانتهى ثانيهما برصاصة وجرح. كان لها ما تريد لكنها فعلت كل شيء لاهية غير مهتمة حتى حين نافست الملكة على عشيقها وملكة الغناء على عرشها. في قمة شهرتها ذهبت لتزاول مهنة اقرب الى الجاسوسية، كانت مستعدة لكل تكليف تاركة نفسها للريح والطرق، ومع ذلك فإنها حاولت مرتين او ثلاثا ان تنتحر وانتهت حياتها بما يشبه الجريمة. انها سيرة امرأة ذللت كل شيء ودجنت الخطر واتسعت لملابسات عصرها كلها فاشتملت على لعبة الدول ودهاليز البلاط وأسرار الحكم وعلاقات الفن والثقافة ناهيك عن الملاهي والمرابع والفنادق والقصور وعن البذخ والقلة والقمار والشرب والتبذير الى حد السرف، فكانت الاميرة والجاسوسة والمحظية والزوجة والأم في آن معاً. انها سيرة نووية كما نرى، هي اقرب ما يكون الى سيناريو سينمائي. اتجهت دائما الى قلب الحدث ولم تتشتت في المقدمات والمواربات والنسج البطيء. لقد كانت نوعاً من دراما متصلة، دراما متصلة انتشرت على نحو بانورامي بدون ان تغادر المركز والواجهة وبدون ان تبتعد عن المحور. انها سلسلة مفاجآت وانفجارات وقفزات هوائية. ليست سيراً تدريجيا زمنيا، انها تقريبا ذات زمن خاص، لذا يبدو السرد الكرونولوجي غير ملائم لحياة كانت تدور في الوقت نفسه في اتجاهات عدة ومتضاربة. كان على السيناريست والمخرج منذ البداية ان يفكرا بتقديم مختلف، بتقديم تبدو فيه السيرة اكثر من سير أفقي وتسلسل تدريجي، كان ينبغي التفكير بشيء شبه تيار الوعي، بنوع من التشظي الزمني، بلعبة تقديم وتأخير متصلتين، بتركيب محوري ينتشر في اتجاهات عدة وفي موازاة وتناظر اكثر منهما تتابعا كرونولوجيا. ففي سيرة اسمهان اكثر من حياة، انها سياقات عدة تتم في الآن نفسه، انها حياة ستتم على محاور عدة، لذا فإن التسلسل الكرونولوجي يشي بادئ بدء بضيق الخيال، مثل سيرة اسمهان لا تروى على طريقة »كان يا ما كان« ولا على شكل حكاية تقليدية، اننا امام طاقة لا يمكن حصرها في تسلسل افقي، انه زمن مركب ومتعدد وعلى الرواية ان تتناوله في تعدده وتركيبه. سيرة خارج الشرط الاجتماعي، لكنها ايضاً فوق طاقة الزمن اليومي لذا تبدو الى حد ما فانتازية وعجائبية وكأنها تحدث في الخيال. انها لذلك جنوح وانفلات لا يمكن حسابهما وحصرهما وكان ينبغي ان يظل الشريط هنا. لكن المخرج والسيناريست تعاملا مع الحكاية من محل آخر، لقد حاولا »تطبيع« السيرة إذا جاز التعبير، أراداها قصة ككل القصص، أرادا لها سياقاً تقليدياً، وذهبا ضمنيا الى مصالحة شبيهة مع التقليد الروائي والتقليد الاجتماعي ايضاً. المرأة التي كانت لعبتها لعبة بالدول والانظمة والبيئات والعلاقات والمجتمعات والطبقات والمراتب أريد لها ان تعود الى محيط ملابسات نشأتها وان تغرق في المحيط الأطرشي. كان علينا ان نقضي حلقات مطولة مع ثورة سلطان الأطرش والسياسة الفرنسية في السويدا وفي سوريا، وكان علينا ان نسمع أثناء ذلك الى جبل من الخطب الوطنية والنضالية. بعد ٦٤ عاماً ليس لنا من برستيج يذكر سوى النضال الاستقلالي ضد الاستعمار الفرنسي ولا يزال هذا، وربما وحده، ملحمتنا الكبرى وأسطورتنا الوطنية. كان على المسلسل ان يضيّع حيزا لا بأس به في ملابسات سياسية لا يتضح تماما موقع اسمهان منها، لكنها ضريبة لا بد منها للمصالحة مع الارتياب الأطرشي والرفض المبدئي لاي شريط عن حياة اسمهان. ضريبة وربما تطمين، انما هذا ليس كل شيء فلا بد ان السيناريست والمخرج ليسا بريئين من العقل السياسي الذي أنتج هذا الخطاب. مع عقل كهذا ستكون كل حياة اسمهان التي تجاوزت بعيداً جداً الحيز الأطرشي ودخلت في لعبة بلاط ولعبة مخابرات ولعبة دول، ستكون هذه الحياة كلها بحاجة الى تخفيف وتنقيح والى مصالحة مع الخطاب الوطني الذي بدا وكأنه مقدمة سياسية للمسلسل. مع مقدمة كهذه ستكون سيرة اسمهان السياسية بل والفنية وجميعها مشتبكة بالبلاط والمتنفذين والاجانب محرجة، وسيسعى السيناريو بالتأكيد الى تطبيعها والى الاعتذار عنها والالتفاف عليها. ستكون هذه مدانة ولن تكون مغامرة حرة وجنونية ومذهلة بقدر ما ستكون مدانة مسبقاً وبحاجة الى أعذار، لن تُتناول فنيا بوصفها جموحاً وخسارة وابداعاً بل ستُتناول سياسياً وربما اخلاقياً بوصفها انحرافات واغلاطاً. سنتذكر هنا افلاماً مماثلة عن فنانين اوروبيين لم تكن حياتهم في الغالب الا سقوطا ذريعا، لكن صانعي الافلام وجدوا في هذا السقوط المقابل المأسوي لعظمة روحية وإنسانية وفنية. هل سيرى صانعو المسلسل في »سقوط« اسمهان هذا المقابل المأسوي؟ هل سيتركون لسواهم الحكم السياسي ليروا بدلا عنه الخيال والجرأة والحرية والشرط المأسوي ايضا في هذه الحياة الطيارة الفالتة؟ هل سيرونها كما رأى الفرنسيون اديث بياف في فيلم ليس بعيداً، لم نصل بعد تماماً الى ذلك؟ لكن المقدمات لا تبشر. ها هو فؤاد شرير على طول الخط وها هو فريد »فنان« يقطر عاطفية ورقة على طول الخط. اما الأم فهي دائماً الأم والأم وحدها (أليست لها حياة اخرى؟). اما اسمهان فبعد ان غرق صناع المسلسل في تركيب صورة تقليدية لها (الزوجة والوطنية والابنة) بدا صعبا عليهم الانتقال الى مهاوي حياتها بدون ان يحصل ذلك بقدر من التجنب والبهوت والمداورة. ضرب كهذا فيه قدر من الاحتياط والتعليق على سلوكها مذ هجرت بيتها وزوجها ولا بد ان هذا سيكون ازيد كلما اقتربنا من حياتها المخابراتية وعلاقاتها مع الضباط الفرنسيين والانكليز. لا بد ان الصفحة الأطرشية ستكون هنا مغدورة مهدورة، ولا بد ان الخطاب الوطني الذي صحبها سيكون قاضيا صارما لما صارت إليه اسمهان. لا نعرف كيف سيخرج صناع الفيلم من هذا الحرج الكبير، لكننا استناداً الى ما شاهدناه لا نراهم إلا قد ضاعوا فيه.

عن السفير


الأربعاء، 24 سبتمبر 2008

بلال خبيز، بورصة الاوهام


بورصة الأوهام

بلال خبيز


تصدرت الأزمة التي عصفت بالأسواق المالية في الولايات المتحدة الأميركية عناوين صحف العالم أجمع. ومازالت حتى الآن تحتل شطراً واسعاً من اهتمامات وسائل الإعلام في زوايا الأرض الأربع. ولا شك أن هذه الأزمة لن تكون الأخيرة مثلما أنها ليست الأولى بطبيعة الحال. ونظراً لكونها ليست أزمة لا سابق لها، عمد بعض المحللين الاقتصاديين إلى تشبيهها بأزمة عام 1929، وتالياً، توقع هؤلاء ارتدادات بالغة السلبية على مجمل الأسواق العالمية مما يؤدي حتماً إلى انهيارات كبرى لا طاقة لكثير من الدول والأمم على تحمل تبعاتها.
أعلن مصرف «ليمان براذرز»، وهو رابع المصارف الأميركية عن إفلاسه بسبب عجزه عن استمرار سداد الديون المتراكمة، في ظل الجمود الكبير الذي يعانيه سوق العقارات الأميركية بعد ارتفاع قيمة العقارات الجنوني، إلى حد بات معه عاجزاً عن الحركة. وما إن تناقلت وسائل الإعلام خبر الإفلاس، حتى سارع محللون سياسيون عرب إلى رد الأزمة التي تعصف بالاقتصاد الأميركي إلى كلفة حرب العراق الباهظة وحروب الولايات المتحدة الأميركية الأخرى، الصغيرة منها والكبيرة.
أراد المحللون العرب إقناع أنفسهم، على جاري العادة، وإقناع جمهور القراء والمتابعين، بأن المقاومة التي تواجهها الولايات المتحدة في غير مكان من العالم، آتت أكلها، وأن الهزيمة الأميركية باتت قاب قوس أو أدنى من التحقق. ولم يحفل هؤلاء، وهذا أيضاً من نوافل العادات العربية في العمل الصحافي والإعلامي، بمعنى أن تجد روسيا نفسها في أزمة بالغة الخطورة، جراء انهيار المصرف الأميركي، حيث عمدت السلطات في موسكو إلى فرض الإغلاق القسري على المؤسسات الاقتصادية لئلا تتعرض للانهيار الشامل. نحن نتحدث عن روسيا نفسها التي يأمل بعض العرب أن تتحدى أميركا وتعود إلى أداء دورها كعملاق يوازي ان لم يكن يفوق العملاق الأميركي قوة وشدة عزم وبأس، وليس عن بلد آخر يحمل الاسم نفسه. وعلى نحو ما يحترف العرب الآمال الخادعة، لم يلبث أن تم تجاهل معنى التقرير الرسمي الذي أشهر مصرف «ليمان براذرز» بموجبه الإفلاس. حيث لم يلتفت أي كان إلى حجم الموجودات الهائلة التي يملكها المصرف: أكثر من 650 مليار دولار من الموجودات غير القابلة للتحريك في السوق. مما يعني أن هذا المصرف وحده، كان لأشهر خلت يحرك في السوق العالمية كتلة مالية ضخمة تفوق حجم الناتج المحلي للدول العربية مجتمعة إذا ما حذفنا منها دول الخليج. الأمر الذي يعني حكماً أن مضاربة على المكشوف، في السوق العالمية، قد يلجأ المصرف إليها لتحريك موجوداته وخدمة ديونه، في وسعها أن تطيح بدول لا حصر لها اقتصاداً وموجودات واحتياطات بالعملات الصعبة.
الأمر لا يحتاج إلى كثير من التدقيق ليدرك المرء أن الحديث عن النصر المتحقق في مواجهة أميركا هو حديث لا أساس له. وكذلك فإن الأوهام بعودة العملاق الروسي موازياً من حيث قوته للعملاق الاميركي باتت أمراً لا سند له. خصوصاً بعدما صرح مسؤولون روس بانهم ليسوا في صدد استعادة أحكام الحرب الباردة، لأسباب لا تخفى على الروس أنفسهم، وإن كانت لاتزال خافية على السياسيين الإيرانيين، وبعض المتفائلين من العرب. وبانقطاع خيط الأمل وانصرام حبل الرجاء من عودة الحرب الباردة بين الروس والأميركيين، أخذ بعضهم يبشر بحرب باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية. متناسين أن الاقتصاد الصيني بمعظمه يعتمد على السوق الأميركية اعتماداً لا فكاك منه. فلو قرر المستهلك الأميركي، لسبب من الأسباب، مقاطعة البضائع الصينية لوجدت الصين نفسها في مواجهة الانهيار الحتمي.
أغلب الظن أن هذا كله لا يغير في المعتقدات النضالية شيئاً. ذلك أن الأمر الأكثر أهمية الذي تم تجاهله والمرور على حدوثه مرور الكرام، هو واقع أن الحكومة الأميركية قررت ضخ أكثر من ألف مليار دولار من الأموال السائلة في السوق، إنقاذاً للمؤسسات المتعثرة، وتالياً منعاً لانهيار عالمي في سوق الأسهم يليه حكماً ومن دون شك انهيارات اقتصادية شاملة. فلم يراجع أحد أفكاره حيال هذا الأمر، واستمرت السياسات تنحو المنحى نفسه، كما لو أن حدثاً لم يحدث. ومازال بعضنا يعتقد بعد هذا كله، أن كلفة حرب العراق أعلى من طاقة أميركا على الاحتمال. لكن الحكومة الأميركية، تستطيع أن تضخ هذا المبلغ الهائل من المال في السوق، من دون أن يرف للمسؤولين فيها جفن أو تدمع عين. وهو لعمري أمر يستوجب منا أن نتفكر ملياً ومجدداً في معنى الهزيمة والانتصار
.
عن الجريدة

ساطع نور الدين، فرصة لخصوم اميركا


فرصة لخصوم أميركا



ساطع نور الدين



قيل اكثر من مرة وعلى لسان اكثر من مصدر ان الرئيس الاميركي جورج بوش لن يغادر البيت الابيض في العشرين من كانون الثاني المقبل، قبل ان يشن حربا جديدة يرجح ان تكون على ايران وعدد من حلفائها وانصارها وفي الفترة الميتة بين الانتخابات الرئاسية الاميركية في الرابع من تشرين الثاني وبين تسلم الرئيس الاميركي الجديد مهامه الدستورية. لكن هذا التقدير تعرض في الاونة الاخيرة لشكوك جدية تدحضه وتؤدي الى استنتاجات مغايرة تماما، نجمت عن حرب القوقاز الاخيرة بين روسيا وجورجيا، وعن اسوأ ازمة اقتصادية تواجهها اميركا في تاريخها الحديث، وتعطل بالضرورة امكان خروجها الى حرب جديدة، مهما كانت محدودة او مضمونة النتائج، لان من شأنها ان تعمق تلك الازمة، وتهدد الاقتصاد الاميركي والعالمي بانهيار على الاقل بشلل فعلي لسنوات طويلة، جراء ارتفاع اسعار النفط الى ما يزيد على مئتي دولار للبرميل في اقل من اسبوع واحد. ثمة حاجة الى رؤية الامور من منظور اعداء اميركا وخصومها الذين يشعرون حقا ان المشروع الاميركي في العالمين العربي والاسلامي قد انتهى تماما، ويعتقدون ان تلك الحملة الاستعمارية الجديدة وصلت الى ذروتها الاخيرة وهي ليست في بداياتها الاولى كما يوحي الاميركيون وانصارهم، وباتت تبحث عن مخرج من سلسلة من المآزق التي وضعت نفسها فيها من افغانستان الى العراق الى فلسطين وصولا الى لبنان... حيث لا يمكن لاحد من هؤلاء الانصار ان يدعي القدرة على الصمود والبقاء. وبناء على هذا التصور الذي لا يمت الى الخيال بصلة، ويمكن العثور عليه في خطابات وادبيات جميع خصوم اميركا، لاسيما قادة تنظيم القاعدة وحركة طالبان المختبئين في الكهوف والبراري الافغانية والباكستانية، ويشنون هذه الايام واحدة من اشرس الحملات العسكرية على الاميركيين في افغانستان وباكستان منذ سبع سنوات، يمكن الافتراض بسهولة ان الحرب التي لن تستطيع ادارة بوش شنها في الاشهر القليلة المقبلة، ستجد الكثيرين ممن يتوقعون الى اشعال شرارتها في هذه الفترة بالتحديد. الاعتقاد الراسخ ان اميركا انتهت، وليس فقط ادارة بوش التي قد ترثها ادارة اسوأ واخطر منها، يملي على هذا الطيف الواسع من الخصوم التحرك بسرعة لسد الفراغ الذي يمكن ان تحدثه، ولوراثة ذلك المشروع الضخم الذي سقط مؤخرا، ولم يبق منه، في نظر هؤلاء، سوى بعض الرموز التي تنتظر موعد اسقاطها... وترحيلها على متن آخر طائرة هليكوبتر اميركية مغادرة لكابول او بغداد او ربما بيروت ايضا. والمؤشرات واضحة جدا: من تنظيم القاعدة الذي كاد قبل ايام ان يسقط الحكومة الباكستانية، الى ايران التي تضع يدها على زر اطلاق الصواريخ البعيدة المدى، الى سوريا التي تحرك قواتها في اتجاه الحدود اللبنانية، الى حزب الله وبقية حلفائها اللبنانيين الذين يستعدون لحصاد ثلاث سنوات من الحملة الضارية على خصومهم، الى حركة حماس التي تتهيأ لتوسيع حدود دولتها المتجذرة في قطاع غزة. انها فرصة تاريخية قد لا تتكرر. وهي كذلك بالفعل، شرط الا يختلف هؤلاء في ما بينهم على حصر الارث الاميركي ، وشرط الا تتنبه اميركا الى ما يحضرونه.

عن السفير


اندرس اسلوند، روسيا والانهيار المالي القادم

روسيا والانهيار المالي القادم



أندرس آسلوند



اليوم، يمر العالم بالكامل بأزمة مالية مهولة، ولكن في روسيا تجمعت نُـذُر العاصفة الكاملة. فسوق البورصة الروسية تشهد هبوطاً حاداً، حيث سجلت مؤشراتها انخفاضاً بلغ 60% منذ التاسع عشر من مايو، وهي خسارة تقدر بحوالي 900 مليار دولار. ومازال الهبوط في تسارع متواصل. ونتيجة لهذا فمن المرجح أن تسجل معدلات نمو الاقتصاد الروسي هبوطاً حاداً ومفاجئاً.
المشكلة هنا أن الحكومة الروسية، وبعد فترة طويلة من التعقل المالي، أظهرت قدراً غير عادي من الطيش والقصور. كانت روسيا تتمتع بمتوسط نمو سنوي بلغ 7% منذ عام 1999. وبفضل الفائض الضخم في الحساب الجاري والميزانية، تمكنت روسيا من جمع احتياطي من العملات الدولية بلغ 600 مليار دولار في شهر يوليو. كما نجحت في إزالة ديونها العامة بالكامل تقريباً. بيد أن الاقتصاد المفتوح الذي جلب على روسيا هذا النجاح الاقتصادي كان يتطلب تبني سياسات حكيمة لكي يستمر.
لم تمس الأزمة المالية الأميركية الأولية روسيا إلا بالكاد، ولكن التباطؤ الاقتصادي العالمي كان سبباً في انحدار أسعار النفط وغيره من السلع الأولية بمقدار تجاوز الثلث منذ يوليو، وهو ما شكَّل ضربة ضخمة للاقتصاد الروسي. أم كل الضربات الأخرى فقد جلبتها روسيا على نفسها. اتخذت الأزمة المالية الروسية هيئة درامية قوية، وأفضل ما نستطيع أن نصفها به أنها مأساة من خمسة فصول.
في الرابع والعشرين من يوليو افتتح رئيس الوزراء فلاديمير بوتين الفصل الأول بشن هجوم شديد، لا يستند إلى أي دليل، على مالك شركة «ميتشيل» العملاقة للفحم والفولاذ بتهمتي التحايل لرفع الأسعار والتهرب الضريبي. وفي غضون ثلاثة أيام خسر سهم شركة «ميتشيل» نصف قيمته، الأمر الذي أدى إلى انحدار سوق البورصة الروسية.
ثم في الثامن من أغسطس بدأ بوتين الفصل الثاني من المأساة الروسية بالهجوم الذي خطط له طويلاً على جورجيا. والمذهل في الأمر أن روسيا ادَّعت لنفسها الحق في الهجوم على دولة تؤوي أفراداً أصدرت لهم للتو جوازات سفر روسية، الأمر الذي أصاب البلدان ذات الأقليات الروسية بالهلع. وباعترافها «باستقلال» المنطقتين المحتلتين، أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، تكون روسيا بذلك قد ألَّبت العالم أجمع ضدها.
اكتسب زعماء روسيا سمعتهم بأنهم غير جديرين بالثقة وغير موضوعيين ولا يمكن التكهن بتصرفاتهم، ولكن الأسواق تحب الثقة والاستقرار والقدرة على التكهن بالظروف. وليس من المدهش أن المستثمرين الأجانب أصبحوا لا يفضلون روسيا.
ففي غضون أسبوع واحد من الهجوم على جورجيا سجلت روسيا خسارة في تدفقات رأس المال بلغت 16 مليار دولار، ثم ارتفعت الخسارة بعد ذلك إلى ثلاثين مليار دولار. وهو مبلغ ضئيل نسبة إلى الاحتياطي الروسي الضخم من العملات الأجنبية، إلا أنه يشكل خسارة ثقيلة بالنسبة للنظام المصرفي الروسي الوليد، الذي بات يعاني أزمة ائتمانية حادة.
مازال بوتن مصراً على إنكاره أن الأزمة المالية الروسية كانت نتيجة للحرب في جورجيا، ولقد استغرق البنك المركزي الروسي أكثر من شهر حتى يتمكن من توفير السيولة المالية الكافية. بيد أن أوان الإنقاذ كان قد فات بعد أن تحول الأمر من مشكلة في السيولة إلى مشكلة في السلامة المالية. كان تقييم سوق البورصة الروسية يبدو جذاباً بوضوح، ولكن المستثمرين الأجانب لاذوا بالفرار بسبب المعاملة التعسفية التي استقبلهم بها بوتين، بينما افتقد المستثمرون الروس السيولة النقدية. ومع كل بيان أو تصريح ألقاه بوتين كانت صورة روسيا فيما يرتبط بالمجازفة السياسية تزداد اهتزازاً.
وكعرف متبع في روسيا سارع العديد من رجال الأعمال الروس إلى رهن أسهمهم لاقتراض المال بغرض شراء الأوراق المالية. ولكن مع هبوط سوق الأوراق المالية أرغموا على بيع أسهمهم بأسعار متواصلة الانخفاض، الأمر الذي أدى إلى تسارع الاتجاه الهابط في سوق البورصة. وعلى النمط السوفييتي، أغلقت بورصة موسكو للأوراق المالية أبوابها لمدة أربعة أيام متوالية في الأسبوع الذي بدأ بالخامس عشر من سبتمبر، وذلك بسبب السرعة البالغة التي سجلتها الأوراق المالية في الهبوط. وبإنكار وجود المشكلة تسببت السلطات الروسية في تفاقم حالة الافتقار إلى الثقة.
وبسبب الحرب التي شنتها روسيا على جورجيا باتت سمعة الديون والسندات الروسية في الأسواق المالية الدولية سيئة للغاية. فارتفعت أسعار الفائدة على السندات الروسية بمقدار نقطتين إلى ثلاث نقاط مئوية، ولم يعد بوسع العديد من المقرضين الروس الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية.
والآن توشك روسيا على دخول الفصل الثالث من هذه المأساة، أو فصل الأزمة المصرفية. فقد بات من المتوقع أن ينهار عدد كبير من البنوك المتوسطة الحجم وبعض البنوك الأضخم حجماً بسبب الاضطرابات التي تعيشها سوق البورصة. ولم يعد بوسع العديد من كبار المستثمرين تغطية متطلبات هوامش التأمين، بينما سجلت تكاليف الاقتراض ارتفاعات حادة. كما أضاف الارتفاع الأخير في قيمة الدولار إلى المصاعب التي يواجهها المستثمرون.
في الفصل الرابع من المأساة سوف تنفجر فقاعة الرهن العقاري. وحين يحدث ذلك فإن التخمين المعقول يؤكد أن الأرقام الفلكية التي بلغتها أسعار العقارات في موسكو سوف تهبط بمقدار الثلثين على أقل تقدير. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة المصرفية.
في الفصل الخامس من المأساة سوف تتوقف الاستثمارات. فما الذي يدفع أي مستثمر إلى الاستمرار في البناء بينما يدرك تمام الإدراك أنه سوف يكون عاجزاً عن تمويل استثماره أو بيع العقارات التي يبنيها؟ كما تملك الخوف من المستهلكين الروس بالفعل، وهو ما سيدفعهم بالضرورة إلى تقليص مستويات استهلاكهم، الأمر الذي لابد أن يؤدي إلى انكماش الطلب الإجمالي.
في النهاية سوف يتوقف النمو الاقتصادي الحقيقي على نحو مؤلم، وقد لا تتأخر هذه الفاجعة عن العام المقبل. ومن المرجح أن تؤدي عوامل أخرى إلى تفاقم الوضع سوءاً. إن الفساد متفش في روسيا إلى الحد الذي يجعلها عاجزة عن بناء مشاريع البينة الأساسية العامة الكبرى. ومن المتوقع أن تستمر أسعار النفط وغيره من السلع الأولية في الهبوط، فضلاً عن الركود الحادث بالفعل في إنتاج النفط والغاز. كما أدار بوتين ظهره لمنظمة التجارة العالمية وأخذ يروج لنـزعة الحماية التي لابد أن تضر بالنمو أيضاً.
العجيب في الأمر أن ميزانية الدولة والاحتياطيات من العملات الأجنبية يشكلان القطاعين الأكثر صلادة في النظام المالي الروسي، إلا أن أوان قدرتهما على منع الأزمة قد فات. ولن تتمكن التدخلات التعسفية من جانب الدولة ولا الأساليب الوحشية من استعادة ثقة المستثمرين.
لا شك أن فلاديمير بوتين يلعب دور الشخصية الشريرة في هذه الدراما، وهو الذي أصاب قدراً عظيماً من الازدهار بعد ثمانية أعوام من النمو السريع الذي تولد عن إصلاحات السوق التي أقرها وأرساها سلفه بوريس يلتسين. كانت الفرصة سانحة أمام روسيا للإفلات من هذه الأزمة المالية الدولية، ولكن بوتين جعل من دولته الفقيرة ضحية أولية للأزمة بسبب قسوته وطيشه وافتقاره إلى الكفاءة. ولكن إلى متى تستطيع روسيا أن تتحمل رئيس وزراء باهظ التكاليف كبوتين؟
* كبير زملاء معهد «بيترسون» للاقتصاد الدولي، ومؤلف كتاب «ثورة روسيا الرأسمالية: لماذا نجحت إصلاحات السوق وفشلت الديمقراطية».


«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة

الاثنين، 22 سبتمبر 2008

عادل نصار، الزعماء اللبنانيون حين يمدحون تضحيات طوائفهم


الزعماء اللبنانيون حين يمدحون تضحيات طوائفهم



عادل نصار



يحلو للبنانيين أن يمارسوا السياسة في ما بينهم وفق أسلوب غريب عجيب، أحسب أنهم متميزون فيه ومنفردون عن غيرهم في ممارسته. فهناك كثرة النزاعات التي تنشأ في ما بينهم والتي تقتضي كل مرة أشكالاً وصيغاً جديدة ومختلفة من التحالفات والخصومات، الأمر الذي يفرض عليهم اعتماد صيغة خطاب دقيق وحساس لا يذهب إلى النهاية مع أخصام الأمس والذين أمسوا حلفاء اليوم. لذلك نجد الفرقاء اللبنانيين جميعهم وفي المناسبات كافة التي تبدأ بالمصالحات ولا تنتهي بتأبين شهيد سقط في موقعة في غير مكانها أو غيلة على يد الغدر والخيانة حين يحلو لها هذا التعبير، يمسكون بخيط مخاطبة الجمهور من الجانب الذي تستدعيه اللحظة، فإذا ما كانت المناسبة تستدعي التهدئة وضبط الأمور بين أخصام اليوم، لجأ هذا الفريق الكليم بمصيبة ما إلى التذكير بالبطولات التي سطرها أبطال طائفته الشباب في مناسبات عدة ضد أخصامه المحليين، لكن مع إطلاق مسميات أخرى على تلك المعارك والحروب التي سقطوا فيها مثل حروب الفتنة والمؤامرات على الوطن حجراً وبشراً. ذلك أن التذكير بعناوين الحروب الحقيقية التي سقطوا تحتها قد تقلب المواجع مع أخصام الأمس حلفاء اليوم، مما قد يؤثر سلباً على التحالف ومقتضيات المعركة الحالية، مع ذلك لا يجد الفرقاء اللبنانيون بداً من اتباع هذا النهج مع جمهورهم »المعطاء« لزعاماته، فالأفرقاء اللبنانيون لا يستطيعون بإرادتهم الابتعاد كثيراً عن هذه المعادلة التي تمجد الذين يسقطون في الحروب الداخلية وتسقط عناوين المعارك التي خاضوها في ما بينهم ويحاولون شطبها من الذاكرة الجماعية، لما قد تلحقه من أضرار يبدو أن الجميع في غنى عنها. فمقتضيات ممارسة السياسة المحلية تقتضي أن يبقى عصب الطوائف كلها مشدوداً إلى زعاماتها في أي وقت ومكان تستوجبه النزاعات المستمرة، لذلك من واجبات هذه الزعامات أن تمدح عطاءات طوائفها من غير حساب، ووقوف كل منها كتلة واحدة متراصة خلفها. ولأجل ذلك، ابتكر الزعماء اللبنانيون وتواطأوا معاً على هذه الصيغة المفيدة للأطراف جميعاً. ومفادها أنه لا ضير في استحضار الماضي مهما كان أليماً إذا كان فيه فائدة لرص صفوف طائفة كل منهم رغم أنه قد يحمل هذا التذكير في طياته إدانة لحليف كان بالأمس خصماً شديد البأس وجرت معه أشد وأكثر المعارك دموية، فكل منهم يستخدم تاريخ النزاعات في الحدود التي تضمن استمرار التضامن في الطائفة الواحدة وتؤمن استمرار التحالف مع الأطراف المحلية الأخرى مهما كان نوع العلاقة معها سابقاً. فهم لا يستطيعون التغاضي عن شهداء نزاعات حقبة أفلت واستلزمت نوعاً من التحالفات كانت تقتضيه تلك المرحلة، ولا هم قادرون على تغيير قوانين اللعبة السياسية اللبنانية التي اعتادوا عليها منذ عقود نشأة الكيان بمفردهم. لذلك يبدو أن قدرنا محكوم بهذه المعادلة التي لا نستطيع الفكاك منها، أو التخلص منها لأسباب تتعلق بطبيعة الأفرقاء اللبنانيين أنفسهم الذين نقدر أنه يلزمهم المزيد من الوقت من أعمار اللبنانيين وعمرانهم ليتيقنوا أنه من العبث الاستمرار في ممارسة السياسة وفق هذه القواعد العبثية وغير المجدية.

عن السفير


صالح بشير، مبدأ الأرض وراء العودة الغامضة للحرب الباردة

مبدأ "الأرض" وراء "العودة" (الغامضة) للحرب الباردة


صالح بشير



ينطوي القول بـ»عودة الحرب الباردة»، ذلك الذي استشرى على الألسن والأقلام بعد الواقعة الجورجية الأخيرة، وسواء جاء من باب التقرير أو الترجيح أو مجرد التساؤل، على نصيب من صحة يكاد يوازي نصيبا له نظيرا من الخطأ. أما عن الصحّة فهي تلك المتعلقة بفكرة «العودة»، إذ أن هناك بالفعل عودةً ما قد جدّت إلى سالفٍ معهود، مع استئناف التوتر بين روسيا والعالم الغربي إثر الصدام بشأن جورجيا وكيفية نشوب ذلك التوتر وخوضه، وأما عن الخطأ فهو ذلك المتمثل في افتراض استعادة حقبة ولت، وذلك ما ينافي التجربة التاريخية (بإطلاق دون تحديد) والمنطق، بل مجرد الحس السليم.أغلب الظن إذاً أن الناس استشعروا «عودةً» وحدسوا بها أمرا مهمّا فارقا، لكنهم أخفقوا في إدراك ماهيتها، فسارعوا «يتعرفون» عليها في ما يجود به القياس القريب، على الماضي القريب، أي «الحرب الباردة»، خصوصا وأن شخوص الدراما هم أنفسهم لم يتغيروا: روسيا، الناهضة بـ»استبداد شرقي» يستوي فيها جوهرا من ناحية والغرب «عالما حرا» تتزعمه الولايات المتحدة من ناحية أخرى، وما بينهما الشعوب الصغرى في التخوم الأوروبية الشرقية والقوقازية، وفي ما وراء تلك التخوم ربما.فما هي إذاً تلك «العودة» التي نسلم بها وندحضها في الآن نفسه قاصدين بذلك أنه إن كان من المتعذر استعادة حقبة ولت، لأن التاريخ، ببساطة، لا يعود أدراجه، فإنه من الممكن استعادة مبدأ من المبادئ تقوم عليه الحياة الدولية وقد يكون عُلِّق العمل به، وإعادة تفعليه نافذا ساريا، وذلك ما يبدو أنه قد حصل من خلال الأزمة الجورجية الأخيرة وبواسطتها؟أما المبدأ الذي نعنيه فهو ذلك الذي يمكننا أن نسميه «مبدأ الأرض»، ذلك الذي يقوم أساسا لكل وجود جماعي منتظم في هيئة سياسية وحتى ما دون سياسية، فالكيانات والدول، إنما تعرّفها الحدود تعيّن حيزا ترابيّا هو مجال عيشها المتميّز (مهما كانت عناصر تميزها) وهو الفضاء الذي تمارس عليه سيادتها، لذلك تمثل الأرض المادة الأولية والأساسية لكل جغرافيا سياسية (على ما تدل تسمية هذه الأخيرة)، يصار، من أجل صونها إلى إنشاء الجيوش، وإلى سبك التحالفات والتحالفات المضادة، وهي أيضا الرهان الأول لكل مطمح إمبراطوري، إذ ما الإمبراطورية إن لم تكن، أقله في بعض من وجوهها هو الأبرز، سعيا إلى التحلل، توسعا، من شرط ومن تحديد ترابيين «طبيعيين» وتجاوزا لهما؟ يصح ذلك على الإمبراطوريات التقليدية، تلك التي تمددت تمددا بريّا، تباعا وتدريجا انطلاقا من بؤرة «أصلية»، بحيث ربما صح وصفها بـ»الإمبراطوريات القارّية»، كما على تلك الاستعمارية الحديثة، التي كان مثالها الناجز دون ريب الإمبراطورية البريطانية، وهذه كانت إمبراطورية بحرية بامتياز، والتي تمكنت من أن تقيم مجال نفوذها وسيطرتها دون اكتراث بشرط التواصل الترابي، إذ فصلت بين المركز ومستعمراته آلاف الأميال في بعض الأحيان... ولكن وفي مثل هذه الحالة أيضا، ظل «مبدأ الأرض» فاعلا لم يُلغ، حتى جاءت نهاية الحقبة الاستعمارية لتؤكده، إذ عممت، بعد الاستقلالات، صيغة الدولة-الأمة الحديثة على أرجاء الكون وكافة شعوبه (تقريبا).غير أن أمرا بالغ الأهمية جدّ في ذلك الصدد مع نهاية الحرب الباردة وانفراد الولايات المتحدة بالسطوة على العالم، لم يجر التنبه له ولم يحظ بالتحليل، هو المتمثل تحديدا في تعليق «مبدأ الأرض» ذاك. فقد ترتب على ذلك التحول التاريخي، وعلى عوامل أخرى كثيرة تتعلق بما حققته التكنولوجيا من تطور إضافة إلى البيئة «الثقافية» الناجمة عن العولمة، ظهور إمبراطورية، هي تلك الأميركية، يمكن وصفها بـ»الفضائية». ليس المقصود بذلك فقط الموقع الريادي الذي تحتله الولايات المتحدة في الفضاء الخارجي، إن من باب عسكرة هذا الأخير أو من باب تحويله مجالا للاستثمار الاقتصادي (صناعة الاتصالات لا سيما). لكن لأنها بدت قوة متحررة تماما من كل شرط ترابي، قادرة على التدخل أنّى شاءت، على تجييش الجيوش وعلى إرسالها إلى أي مكان في آجال قياسية، في حِلّ من الاعتماد على الحلفاء تستبدلهم حسب ما تقتضيه هذه المهمة العينيّة أو تلك، وفي حدود ما لا يتعدى التغطية السياسية. بدت القوة الأميركية وكأنها متحررة تماما من جاذبية الأرض، بالمعنى الفيزيائي للكلمة.خصوصا وأن العدوّ الذي اصطفته ووجدت ضالتها فيه منذ عدوان الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) وجردت في مواجهته حملة كونية، وضعت العالم أمامها أمرا مقضيا وأجندة وحيدةً ووحيدةََ البند، أي «الإرهاب»، يضاهيها أو يماثلها تحللا من «مبدأ الأرض»، يمارس عنفا يكاد يكون من طبيعة «ميتافيزيقية». أرض أفغانستان لم تكن، أيام حكم طالبان، أكثر من «قاعدة» في نظر التنظيم الحامل لنفس ذلك الاسم، في حين أن أرض بلاد الرافدين، وكل أرض سواها تتيح نفس الفرصة، ليست أكثر من «ساحة» لمحاربة «الصليبيين واليهود»، عدوا يُنظر إليه على أنه جوهر تماما كما تنظر الولايات المتحدة إلى الإرهاب ومقترفيه، حقيقة أو افتراضا، على أنهم جوهر. فالإرهاب يدافع عن «أمة» لا تتنزل في زمان تاريخي، ولا تتنزل خصوصا في مكان.وذلك هو الوضع الذي جاءت الأزمة الجورجية الأخيرة لتضع له حدا ولتعلن تجاوزه أو النكوص عنه (يتوقف الأمر على زاوية النظر). صحيح أن المواجهة بين الخصمين العدوين غير الأرضييْن ما انفكت تراوح مكانها، مراوحةً هي مرادف للإخفاق، إذ لم تظفر الولايات المتحدة بغير سائق بن لادن، هذا عدا عن الخيبة في العراق وفي أفغانستان، في حين فشل تنظيم القاعدة في استعادة «إنجاز» كذلك الذي تمثل في عدوان الحادي عشر من أيلول، ولكن ما هو صحيح أيضا أو ما قد يكون أصح، أن روسيا، إذ استجابت الاستفزاز الجورجي على نحو ما فعلت، أي بتوخيها ردا إمبراطوريا تقليديا أو كلاسيكيا، استعادت «مبدأ الأرض»، وفق ما سبق توصيفه، وأعادت إليه الاعتبار وأعادت إدراجه في الحياة الدولية وفي صراعاتها، فافتتحت بذلك طورا جديدا.قد تكون الفكرة هذه، في شكلها هذا، جنينيّة تتطلب تطويرا، ولكنها تصلح، على الأرجح، تفسيرا لما يشهده العالم من تحولات.

عن الحياة


أشلي تيليس، التحدي الحقيقي لواشنطن في اسلام آباد

التحدي الحقيقي لواشنطن في اسلام اباد




آشلي تيليس





الشئ الوحيد الذي يتفق عليه القادة المدنيون والعسكريون في باكستان هو أنهم لا يريدون المشاركة في الحرب التي تقوم بها الولايات المتحدة على الارهاب ، على الأقل بالطريقة التي تريدها واشنطن منهم. وفي يوم 6 سبتمبر انتخب البرلمان الباكستاني آصف علي زرداري زوج رئيسة الوزراء الراحلة بي نظير بوتو ليكون رئيسا لباكستان.

وعلى الفور قدم زرداري وعدا بمحاربة الارهاب بحزم أكبر وأن يتعامل مع العلل التي تعاني منها باكستان والتي تشمل تواجد طالبان المتجذر في المناطق القبلية والتضخم الهائل في أسعار المواد الغذائية والوقود وتفاقم العجز المالي.
ومن غير المحتمل أن يكون لدى زرداري القدرة على معالجة هذه المشاكل خلال وقت قريب ومن ثم فالرئيس القادم للولايات المتحدة سوف يرث تحديثا متمثلا في إقناع القيادة الباكستانية بانها بحاجة الى مواصلة تلك الحرب التي لا تحظى بشعبية. وتظل الحقيقة متمثلة أنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد القضاء على القاعدة فستكون بحاجة الى مساعدة اسلام أباد وإذا كانت تسعى الى توطيد حكومة ديموقراطية في أفغانستان فستكون أيضا بحاجة الى قيام اسلام أباد بملاحقة قادة طالبان الأفغانية ومساعديهم من باكستان مثل قلب الدين حكمتيار وجلال الدين حقاني.
ومن جهتها إذا ألزمت باكستان نفسها بتلك المهام فستكون الإدارة القادمة بحاجة الى اجراء تغييرات جوهرية في النهج الذي تتبعه ، ما يعني انه سيكون عليها أن تعزز من الحكومة المدنية في اسلام أباد وفي الوقت نفسه تحافظ على علاقة تعاون مع الجيش الباكستاني.
وهذان الهدفان قد يكونا على النقيض في الغالب كما أنهما سيمثلان معضلة حقيقية لواشنطن. فالحرب على الارهاب تتطلب استمرار المشاركة بين واشنطن والجيش الباكستاني بيد أنه إذا لم يجري ذلك بطريقة مناسبة فإن مثل هذه الشراكة يمكن أن تضعف من السلطة المدنية في اسلام أباد فيما تقوي من دولة الأمن الوطني داخل باكستان والتي ظلت تاريخيا السبب الرئيسي في مشاكل باكستان.
وعلى الجانب الآخر فإن الاستراتيجية البديلة التي تؤكد على السيادة المدنية في باكستان من الممكن ـ إذا لم يتم إدارتها بعناية ـ أن تقوض من التعاون العسكري الباكستاني الضروري في عمليات مكافحة الارهاب كما قد تكون ضربة مزدوجة إذا أخفق نظام زرداري في الإضطلاع بمسؤولية الحكم.
ومن أسف فإن واشنطن لا يسعها أن تهرب من تلك الأزمة كما أنها لا تستطيع أن تحلها بالسيطرة على جانب واحد دون الآخر. وعلى كل حال فمصلحة الولايات المتحدة في القضاء على الارهاب قد تتساوى مع مصلحتها في مساعدة باكستان في إقامة حكومة ديموقراطية دائمة. ولذلك سيتعين على الإدارة الأميركية القادمة ان تجمع بين مهمتي تعزيز الديموقراطية في باكستان مع استمرارها في الوقت نفسه في مواصلة عملياتها العسكرية بصرف النظر عن وجود أي تناقضات من حيث المبدأ وكذا صعوبة في الممارسة.
وبالضرورة فإن ذلك سيتطلب مشاركة واسعة وصبورة مع باكستان كما سيتطلب العمل مع القادة المدنيين في باكستان للتغلب على ضغوط النقص في الغذاء والطاقة من خلال مساعدات معينة مع مساعدة أخرى لإصلاح المؤسسات الديموقراطية الضعيفة. وستطلب أيضا زيادة المساعدات الأميركية للتعليم خاصة التعليم العام الذي يظل أفضل سلاح في مواجهة التطرف الديني. وربما يكون مشروع قانون بايدن- لوجار الذي يهدف الى توسيع المساعدة المدنية على حساب العسكرية هو مبادرة جديرة بالاهتمام وتستحق الدعم من الإدارة القادمة ( حتى لو لم يكن بادين جزءا منها) لكنه سيتطلب قدرة رقابة أميركية موسعة لتحقيق النجاح.
وسوف يستلزم ذلك تشجيع الهند وباكستان لاستكمال عملية المصالحة التي بدأت قبل عدة سنوات وأيضا الضغط على باكستان لزيادة الروابط التجارية مع الهند، ومن ثم يمكن أن تساعد دينامية الاقتصاد الهندي في تعزيز النمو الاقتصادي لباكستان.
وحتى فيما تجري هذه الجهود يجب على واشنطن أن تواصل مساعدة باكستان في جهود الحرب على الارهاب على الرغم من حالة التعب التي يعاني منها الجيش الباكستاني وتمدده وعدم توفر التجهيزات الجيدة له لمكافحة الارهاب والتمرد. والهدف الأول هنا يجب أن يكون اخراج الجيش وأجهزة الإستخبارات بعيدا عن اعمال الارهاب تماما.
والهدف الثاني يجب أن يركز على مساعدة الجيش بالمعدات والتدريب على القيام بشئ لم يقم به من قبل وهو أن يدرك أن الأعداء الحقيقيين لباكستان موجودون داخل أراضيها وليس وراء حدودها الشرقية في الهند
ومساعدة الجيش في تلك القفزة في التصورات سيمثل انجازا كبيرا بيد أن أي من باكستان أو الولايات المتحدة لا تستطيع الانتظار ريثما يحدث ذلك التحول الكامل في ذهنية الجيش. وكلا الدولتان تواجهان تهديدا ارهابيا ملحا الآن والنجاح يتطلب عودة الجيش الباكستاني الى القتال في أقرب وقت ممكن.
وسيتطلب ذلك سلوك مسؤول من قبل الجيش وأجهزة الاستخبارات وكذا تنمية علاقة مناسبة بين المدنيين والعسكريين. ومع أن كل دولة لها جيشها إلا أن الحال في باكستان هو أن الجيش له دولة. فالجيش الباكستاني يستهلك أكبر حصة من اجمالي ناتجها المحلي ، ونفقات الدفاع تزاحم الاستثمارات في الانفاق الاجتماعي والتنمية الاقتصادية وهو ما يفرز حالة الاستياء الشعبي التي تغذي بدورها عدم الاستقرار والارهاب.
ومصلحة الولايات المتحدة ليست فقط في دحر هذه المخاطر ولكنها لديها أيضا النفوذ اللازم لتشكيل الخيارات الباكستانية في قوالب مفيدة. وعلى واشنطن أن تضغط من أجل اصلاح سياسي حقيقي يغير من هيكل الحوافز في باكستان. وكذا تعزيز الحكم المدني وتشجيع القطاع الخاص والنمو الإقتصادي والتنمية التي تعود بالفائدة على الشعب الباكستاني بشكل مباشر ، كما يمكنها أن تساعد كبار المسؤولين العسكريين في إدارك أن مصالحهم الخاصة يمكن أن تراعى بشكل أفضل في دولة مزدهرة تعيش في سلام داخلي ومع جيرانها.
والوصول الى تحول من هذا النوع سوف يستغرق سنوات كثيرة إلا أن الرئيس الأميركي القادم بوسعه ان يفعل الكثير لتشجيع السير على هذا الطريق من خلال إظهاره للباكستانيين ان الولايات المتحدة لن تهملهم إذا قاموا بالدور المطلوب منهم.





آشلي تيليس
باحث بارز في مؤسسة كارنيجه للسلام الدولي
خدمة انترنشونال هيرالد تربيون خاص بالوطن

ياسين الحاج صالح، الليبرالية الجديدة والبورجوازية الجديدة في سوريا

الليبرالية الجديدة والبورجوازية الجديدة في سورية



ياسين الحاج صالح




بميله المطرد إلى مطابقة الليبرالية والليبرالية الجديدة، يخطئ النقد الموجه لليبرالية في سورية مرماه بدرجة تنعكس على مقاصده العدالية المفترضة، وتحكم باستحالة صوغ سياسة متسقة حيال «الليبرالية الجديدة». ثمة لبرلة للاقتصاد مؤكدة في البلاد خلال بضع الأعوام الأخيرة. ووزن المشاريع المملوكة من قبل خواص في الناتج الوطني الإجمالي يقترب من ثلاثة أرباع. والمؤشرات المتاحة تظهر أن المستفيدين من التحرير الاقتصادي الجاري هم بالخصوص «البورجوازية الجديدة» التي تكونت في كنف النظام وجمعت ثرواتها بآليات «تراكم أولي» تتجاوز «الفساد» إلى وضع اليد والنهب المباشر للموارد الوطنية والتهريب العلني وتصنيع قوانين على قياس متمولين نافذين والاطلاع المسبق وغير المشروع على معلومات ثمينة (قرارات حكومية، مشاريع قوانين...). البنوك الجديدة والشركات الكبرى الجديدة (منها شركتا طيران مثلا) والاستثمارات المجزية وسرعة الدورة الاقتصادية والمردود كلها مملوكة لبورجوازيين جدد (سبق أن سميناهم «الجيل البعثي الثالث») وشركاء محليين وأجانب لهم. أما «القطاع العام» فيتدهور مردوده وأداؤه بعد أن كان متدهورا قبل ذلك.الشيء الصحيح في التحرير الاقتصادي في سورية أن القطاع الحكومي ليس مؤهلا لأن يكون قائدا للتنمية، خلافا لما يفضل أن يعتقد نقاد اللبرلة. لقد آل الاقتصاد السوري إلى الركود تحت قيادته، وازدهر الفساد والمحاسيبية، وارتفعت البطالة والفقر، وتمعن عقلانية الاقتصاد في التدني دون تعويض اجتماعي موازن، هذا فضلا عن تخلف تكنولوجي متراكم.فهل يعني ذلك أن «اقتصاد السوق» هو الحل؟ هذا ما يبدو أن القائمين على السياسة الاقتصادية يعتقدونه. وهو ما يبدو أن المنددين بالليبرالية الجديدة يرفضونه. لا أحد يتساءل عن الشروط الاجتماعية والسياسية للبرلة الجارية. يبقى الجميع أسرى مقاربة اقتصادوية وإيديولوجية، تقع الدولة والسياسة والطبقات خارج متناولها.الواقع أن السياسة الاقتصادية المعتمدة في البلاد تعرض سمات ليبرالية جديدة بالفعل (تحرير التجارة الخارجية ورفع الدعم عن السلع المدعومة وتشجيع الصادرات وتوحيد أسعار الصرف والتقشف وتقييد الإنفاق العام...) لكن ليس لأن كل تحرير اقتصادي هو لبرالية جديدة، بل لأن التحرير يجري بينما المجتمع السوري مقيّد سياسيا وممنوع من الدفاع عن مصالحه. بعبارة أخرى، يجري تحرير الاقتصاد بينما «البورجوازية الجديدة» حرة ومحمية من قبل الدولة بالذات، وفيما مجتمع العمل مغلول اليدين واللسان. ومن البديهي في ظل موازين قوى اجتماعية كهذه أن تكون نتائج التحرير محابية بإفراط للأقوياء بقدر ما هي مقوضة لمواقع الفئات الاجتماعية الأضعف والأدنى حماية. وتتكفل الموازين ذاتها في تحقيق مفاعيل الخصخصة دون خصخصة، أعني تقوية الخواص الموسرين وإضعاف العوام. وإنما لذلك تغيب الخصخصة من قائمة مفردات البرنامج الليبرالي الجديد التي ذكرنا للتو.وعليه فإن الليبرالية الجديدة ثمرة محتومة لتحرير اقتصادي في ظل التسلطية، ومقاومتها ممتنعة دون تمكين مجتمع العمل من تنظيم نفسه والدفاع عن مصالحه. وهذا ما يسكت عنه النقد الدارج، مفضلا تنديدا سهلا بالليبرالية الجديدة.وإذا كان من المفهوم أن تتكتم الجهات الحكومية المشرفة على السياسة الاقتصادية الجديدة، ما يسمى «الفريق الاقتصادي»، على البعد السياسي لأنها طرف في النظام ذاته (يفضل كثيرون، بعثيون و»جبهويون» ومن في حكمهم، أن يركزوا نقدهم على «الفريق الاقتصادي» كأنه صاحب قرار مستقل في هذا الشأن)، فليس مفهوما أن يسكت عليه محسوبون على المعارضة، مركزين نقدهم على الدفاع عن «القطاع العام» بدل الاعتراض المتسق على مركب التسلطية/ البورجوازية الجديدة.قبل سنوات أظهر جوزف ستيغلتز، الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد عام 2001 والناقد اللاذع للسياسات الليبرالية الجديدة ووصفات صندوق النقد الدولي، أن تحرير الاقتصاد يمكن أن يكون مواتيا للتنمية والعدالة في توزع الدخل الوطني ضمن شروط ثلاثة: أولها تنافسية كاملة، وثانيها حرية متساوية في الوصول إلى المعلومات بشأن العقود والصفقات، وثالثها نظام قضائي مستقل وقادر على البت بنزاهة في النزاعات بين الفاعلين الاقتصاديين. أي بالضبط إذا اندرجت لبرلة الاقتصاد في لبرلة أوسع. ستغلتز لم يخرج من دائرة الاقتصاد، والحريات التي دافع عنها حريات موصولة بالاستثمار والمشاريع الاقتصادية، لكنه طور تصورا متسقا ضمن هذه الدائرة.لا شيء من عناصر هذا التصور متاح في سورية. التنافس مقيد بشدة، في مستوى المشاريع الكبرى بخاصة؛ حرية المعلومات مقيدة بشدة، ومن المرجح أن بورجوازيين جددا يحوزون نفاذا تفاضليا إليها؛ النظام القضائي كارثي، لا يستطيع شراء العدالة منه غير الأثرياء. في الحصيلة مجتمع العمل مقموع، ومجمع الملكية والسلطة طليق. هذه هي الليبرالية الجديدة. إنها نتاج الفصل بين إصلاح اقتصادي بالمعنى الضيق للكلمة، تستفيد منها البورجوازية الجديدة ومن والاها، عن إصلاحات سياسية واجتماعية وقضائية تحمى مجتمع العمل، وتعدل ميزان القوى النسبي بينه وبين البورجوازية تلك المتحصنة بالسلطة العمومية. هناك واحد من خيارين متسقين حيال هذا الوضع. إما وقف تحرير الاقتصاد والعودة إلى اقتصاديات «القطاع العام»، وهو الخيار الذي يعي ذاته عبر هجاء الليبرالية الجديدة (وتخصيص «الفريق الاقتصادي» الشرير بالنقد، بعد فصله عن النظام السياسي الخيّر)، والذي يكشف اجتهاده في إلحاق الليبرالية بالليبرالية الجديدة عن انحيازه للتسلطية؛ أو بالعكس إدراج تحرير الاقتصاد في تحرير أوسع للمجتمع السوري يمكنه من تنظيم قواه والدفاع عن نفسه، وهو ما ننحاز إليه. الخيار الأول هو خيار دولتي أو أبوي، مقترن في كل مكان بالتسلطية ومتعارض مع الديمقراطية. الخيار الثاني تحرري، يرهن حريات البورجوازيين بحريات العاملين، أو يجعل من هذه شرطا لتلك. وهو بذلك مؤات للديمقراطية. فكلما تمكن مجتمع العمل من حشد قواه وعبّر عن نفسه كانت فرص الديمقراطية أكبر وآفاقها أوسع.غير أن الخيار السائد اليوم هو ذاك الذي يجمع بين تحرير الاقتصاد والاستمرار في مصادرة السياسة. وهو خيار يرجح أن يعالج عدم اتساقه بالتوسع في وسائل الإكراه في وجه أية احتجاجات اجتماعية ممكنة. إنه خيار البورجوازية الجديدة الذي يتعذر تطوير نقد متسق له دون الخروج من الاقتصادوية من جهة، ومن التعمية الإيديولوجية التي ترفض التمييز بين الليبرالية والليبرالية الجديدة من جهة ثانية.
عن الحياة

دلال البزري، عن الملياردير والمطربة

عن الملياردير والمطربة...



دلال البزري




لا يمضي يومٌ على جريمة ذبح المطربة سوزان تميم، حتى تتسع رقعة من يتهمون الملياردير هشام طلعت مصطفى، الاقوى بين اقوياء مصر. «قوته» تعيده الى بلاده عملا بعرف جديد قوامه: من يرتكب جريمة خارج الاراضي المصرية، يعود اليها. ومن يرتكبها داخل البلاد، يخرج منها. واقتضت «الحماية» ايضاً، في حالتنا هذه، حظر تناول المشتبه به في الصحافة، مقابل استضافته في برامج الاقنية الحكومية الذائعة، مثل «البيت بيتك» و«صباح الخير يا مصر». وإغراق مسلسلات رمضان بحملات إعلانية عن «منتوجات» شركته: مجمعات سكنية وسياحية «راقية» في الصحراء... والغرض من الاستضافة والحملة غسل سمعته وإنقاذ رأس ماله من الضياع. رأس مال بسيط: 20 مليار جنيه مصري، اي 5 مليار دولار تقريباً.ولكن تأجيل التهمة لا يطول. تحقيقات الشرطة الامارتية بالتعاون مع «الانتربول» تبلغ السلطات المصرية ادلتها الموصوفة لأنها دامغة. والاتفاقات الامنية بين البلدين لا تسمح بغير التصرف بناء على هذه الادّلة. فيكون اعتقال الملياردير بتهمة تكليف ضابط شرطة سابق، اسمه محسن السكّري، بقتل سوزان تميم، بوحشية، وأينما وُجدت؛ مقابل مليوني دولار. والملياردير بدوره نائب معّين في مجلس الشورى. وعضو لجنة الاسكان (؟) في المجلس نفسه، وعضو لجنة السياسات، القيادة العملية للحزب الوطني الحاكم. وُجب اذاً رفع الحصانة عنه قبل اعتقاله بأمر من النائب العام، واخضاعه للتحقيق؛ في سجنه الذهبي، حيث يصله طعام «الإفطار» من فندق «الفور سيزون»...المعنى الأول. ولا اوضح. الزواج الشهير الذي لا ينفك المصريون يشيرون اليه بمرارة، بين المال والسلطة. ويتجلى هذا هنا بالديناميكية التي اطلقتها الجريمة. كان يجب ان تقع الجريمة وان يكون منفذها غبيا (بسبب شراسته ربما...) لتتجلى المواقف، او تتكرر. فلا ننسى ان النظام حمى اشهر المتهمين من بين اصحاب المال (مالك «عبارة الموت» التي اغرقت المئات في البحر الاحمر؛ ممدوح اسماعيل، المتهم بالدم الملوث الذي اصاب الآلاف بالكبد الوبائي، هاني سرور...). لكن النظام يضطر للتراجع عن حمايته... ليشير بذلك الى معاني هذا الزواج: زواج حميم غير متكافىء بين المؤسسة الهرمة، وبين اغنى الطبقات واقواها صلات مع سوقها الخارجي، الأكثر تعولما. رجال اعمال العصر... ما هو نمط انتاج هؤلاء الرجال؟ التسويق والعلاقات العامة في البدء، ثم شراء اراضي الدولة باثمان بخسة، نظرا لحاجتها الى السيولة. وبناء المدن والمنتجعات الفاخرة في الصحراء، المخصصة لنخبة معينة، هاربة من فوضى القاهرة وعشوائياتها. ليس انتاجا صناعيا او زراعيا او خدميا. ولا هو تنموي. انه بالاحرى عبارة عن حركة إثراء سريعة جدا قائمة على مخالفات قانونية. سلوكياتها واخلاقها تحاكي نمط انتاجها: الشراسة والتطرف، انعدام الذوق والتفلّت من القانون.محسن سكري، منفذ الجريمة؛ تجسيد آخر لقيم واخلاقيات ابن طبقة اخرى: الطبقة الوسطى، العاملة في الادارة الحكومية. في توقه نحو حياة «أفضل»، لا يجد اسهل واسرع من خدمة رجال اعمال العصر. يخرج من سلك الشرطة حيث يخدم ويقاتل الارهاب التسعيني، ويعمل مع نجيب ساويرس؛ وهو قوي آخر من الاقوياء. وبعد عملية احتيال عليه يتكسّب منها مئات الآلاف من الدولارات، ينتقل الى خدمة هشام مصطفى؛ عارضاً عضلاته للخدمة، لا عقله. العرض عند محسن والطلب من قبل هشام. انه حراك طبقي، من النوع الذي يجسد طبيعة العلاقة بين الادارة الرسمية والمال الخاص. حراك يندثر معه إعتدال الطبقة الوسطى في سلوكياتها واخلاقها. وتنجرّ الى تطرف اخلاق قصوى، اخلاق الطبقة القصوى، المتطرفة. بفضل الجريمة، بلغ المعنى هنا مرتبة اخرى من الوضوح.هذه الشراسة لا تخفي الازدواجية الصارخة للمتهم الملياردير. الصورة التي يحرص على تسويقها في الاعلام: التقي، الصائم، الحاج، المعتمر، الذي ينشىء «بنك العفاف» لمساعدة الشباب المحتاجين على الزواج، «صونا لعفّتهم». اما في حياته الواقعية فتغّول: زيجات ونَزَوات، جشع ومخالفات واستباحة حياة. إزدواجية اخلاقية، ركيزتها إزدواجية اخرى: بين سِعَة «الانفتاح الاقتصادي» غير المقنّن بقانون، مقابل ضيق الانغلاق على الهوية الدينية، والمفتونة بالمزيد من الانغلاق. روتين هذه الازدواجية ينكسر عند بلوغه احد حدوده القصوى. والجريمة واحدة من هذه الحدود.لكن الزواج بين البزنس والسلطة يغفل زواج البزنس مع «فن» الفيديو كليب و«فناناته»، اللبنانيات خصوصاً. ولا نحتاج الى احصاء مطول لنلاحظ المعنى الحرفي لهذه المقولة: بان رجال اعمال مرموقين او مغمورين يقترنون او يحلمون بالاقتران... من لبنانيات هن من أهل الفيديو كليب. واذا ارتفعوا درجة عن نظرائهم، سعوا الى «النجمات» من بين اولئك «الفنانات».«فنانات» الكليب هن الآن الاكثر حضورا اعلاميا. الاكثر تعرضا للنظر والاستماع. هن الاكثر ثراء، الاسرع ثراء، الاسهل ثراء. البعض من نجماته الاكثر لمعاناً، هن «رائدات» وممثلات لمواطناتهن في الثقافة والاجتماع العربيَين. سرهن «العربي» ان العيون العربية متعطشة الى العري. العيون هذه ملّت العباءة والنقاب. نظرها يختار الكليب تصطاد بها اللذة والفريسة. وتستنفر غريزة الامتلاك. والبقية معروفة... وحالة سوزان تميم هي الحالة القصوى من بين حالات البصْبصة الجماعية هذه: 250 مليون دولار هو الارث الذي تركته. فمن اين لتميم هذه الثروة؟ وهي التي لم «تنتج» طوال الاثني عشر عاما من عمرها «الفني»، غير شريط واحد وثلاث حفلات؟سوزان تميم قليلة الحظ في الحياة وفي السعي. ليست سوى النموذج الاقصى الذي بلغنا بالجريمة حين قتلها غولٌ حول الانفتاح الى إستباحة.صورة سوزان تميم في الجرائد، وصورة هشام مصطفى كذلك، لا تشيان بغير هذا...

عن الحياة

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .