الأربعاء، 24 سبتمبر 2008

بلال خبيز، بورصة الاوهام


بورصة الأوهام

بلال خبيز


تصدرت الأزمة التي عصفت بالأسواق المالية في الولايات المتحدة الأميركية عناوين صحف العالم أجمع. ومازالت حتى الآن تحتل شطراً واسعاً من اهتمامات وسائل الإعلام في زوايا الأرض الأربع. ولا شك أن هذه الأزمة لن تكون الأخيرة مثلما أنها ليست الأولى بطبيعة الحال. ونظراً لكونها ليست أزمة لا سابق لها، عمد بعض المحللين الاقتصاديين إلى تشبيهها بأزمة عام 1929، وتالياً، توقع هؤلاء ارتدادات بالغة السلبية على مجمل الأسواق العالمية مما يؤدي حتماً إلى انهيارات كبرى لا طاقة لكثير من الدول والأمم على تحمل تبعاتها.
أعلن مصرف «ليمان براذرز»، وهو رابع المصارف الأميركية عن إفلاسه بسبب عجزه عن استمرار سداد الديون المتراكمة، في ظل الجمود الكبير الذي يعانيه سوق العقارات الأميركية بعد ارتفاع قيمة العقارات الجنوني، إلى حد بات معه عاجزاً عن الحركة. وما إن تناقلت وسائل الإعلام خبر الإفلاس، حتى سارع محللون سياسيون عرب إلى رد الأزمة التي تعصف بالاقتصاد الأميركي إلى كلفة حرب العراق الباهظة وحروب الولايات المتحدة الأميركية الأخرى، الصغيرة منها والكبيرة.
أراد المحللون العرب إقناع أنفسهم، على جاري العادة، وإقناع جمهور القراء والمتابعين، بأن المقاومة التي تواجهها الولايات المتحدة في غير مكان من العالم، آتت أكلها، وأن الهزيمة الأميركية باتت قاب قوس أو أدنى من التحقق. ولم يحفل هؤلاء، وهذا أيضاً من نوافل العادات العربية في العمل الصحافي والإعلامي، بمعنى أن تجد روسيا نفسها في أزمة بالغة الخطورة، جراء انهيار المصرف الأميركي، حيث عمدت السلطات في موسكو إلى فرض الإغلاق القسري على المؤسسات الاقتصادية لئلا تتعرض للانهيار الشامل. نحن نتحدث عن روسيا نفسها التي يأمل بعض العرب أن تتحدى أميركا وتعود إلى أداء دورها كعملاق يوازي ان لم يكن يفوق العملاق الأميركي قوة وشدة عزم وبأس، وليس عن بلد آخر يحمل الاسم نفسه. وعلى نحو ما يحترف العرب الآمال الخادعة، لم يلبث أن تم تجاهل معنى التقرير الرسمي الذي أشهر مصرف «ليمان براذرز» بموجبه الإفلاس. حيث لم يلتفت أي كان إلى حجم الموجودات الهائلة التي يملكها المصرف: أكثر من 650 مليار دولار من الموجودات غير القابلة للتحريك في السوق. مما يعني أن هذا المصرف وحده، كان لأشهر خلت يحرك في السوق العالمية كتلة مالية ضخمة تفوق حجم الناتج المحلي للدول العربية مجتمعة إذا ما حذفنا منها دول الخليج. الأمر الذي يعني حكماً أن مضاربة على المكشوف، في السوق العالمية، قد يلجأ المصرف إليها لتحريك موجوداته وخدمة ديونه، في وسعها أن تطيح بدول لا حصر لها اقتصاداً وموجودات واحتياطات بالعملات الصعبة.
الأمر لا يحتاج إلى كثير من التدقيق ليدرك المرء أن الحديث عن النصر المتحقق في مواجهة أميركا هو حديث لا أساس له. وكذلك فإن الأوهام بعودة العملاق الروسي موازياً من حيث قوته للعملاق الاميركي باتت أمراً لا سند له. خصوصاً بعدما صرح مسؤولون روس بانهم ليسوا في صدد استعادة أحكام الحرب الباردة، لأسباب لا تخفى على الروس أنفسهم، وإن كانت لاتزال خافية على السياسيين الإيرانيين، وبعض المتفائلين من العرب. وبانقطاع خيط الأمل وانصرام حبل الرجاء من عودة الحرب الباردة بين الروس والأميركيين، أخذ بعضهم يبشر بحرب باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية. متناسين أن الاقتصاد الصيني بمعظمه يعتمد على السوق الأميركية اعتماداً لا فكاك منه. فلو قرر المستهلك الأميركي، لسبب من الأسباب، مقاطعة البضائع الصينية لوجدت الصين نفسها في مواجهة الانهيار الحتمي.
أغلب الظن أن هذا كله لا يغير في المعتقدات النضالية شيئاً. ذلك أن الأمر الأكثر أهمية الذي تم تجاهله والمرور على حدوثه مرور الكرام، هو واقع أن الحكومة الأميركية قررت ضخ أكثر من ألف مليار دولار من الأموال السائلة في السوق، إنقاذاً للمؤسسات المتعثرة، وتالياً منعاً لانهيار عالمي في سوق الأسهم يليه حكماً ومن دون شك انهيارات اقتصادية شاملة. فلم يراجع أحد أفكاره حيال هذا الأمر، واستمرت السياسات تنحو المنحى نفسه، كما لو أن حدثاً لم يحدث. ومازال بعضنا يعتقد بعد هذا كله، أن كلفة حرب العراق أعلى من طاقة أميركا على الاحتمال. لكن الحكومة الأميركية، تستطيع أن تضخ هذا المبلغ الهائل من المال في السوق، من دون أن يرف للمسؤولين فيها جفن أو تدمع عين. وهو لعمري أمر يستوجب منا أن نتفكر ملياً ومجدداً في معنى الهزيمة والانتصار
.
عن الجريدة

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .