الاثنين، 1 سبتمبر 2008

عن جريدة السفير اللبنانية



لوحة بالتوس

عباس بيضون
لم يكن العالم استقبل لوليتا بهذا الدوي لو انه تنبه يومذاك الى ما في انتهاك الاطفال والقاصرين من جريمة، لو ان البيدو فيليا كانت يومذاك مدانة بقدر ما هي مدانة اليوم. تحولت بنت الثالثة عشرة في رواية نابوكوف الى مثال جمالي وايروتيكي، وقرأها العالم كله بدون ادانة اخلاقية، فقد كانت الحرب ضد المعيار الاخلاقي للأدب قد انتهت الى فصل ما بين الفن والاخلاق. لا نعرف ماذا كان سيحدث لو كتبت »لوليتا« الآن. اكان النقاد استنكفوا عن ادانتها ام كانوا استنكروها ولم يعذرها جمال الكتابة وقوتها. هذا على كل حال موضوع متجدد الاخلاق والفن، لم تعد المثلية تابو فهل تتحول البيدو فيليا الى تابو معاكس، فكرت بلوليتا وأنا أرى في آخر اعداد »الفنون الجميلة« الفرنسية وفي ملف عن الفضائح الفنية فيه لوحتان لبالتوس. الاثنتان تعيداننا الى شغف بالتوس برسم الفتيات الصغيرات، الاولى تصور فتاة جالسة على نحو كشف عن صفحة فخذها وابرز جزءاً من سروالها التحتي. لم تكن هذه اللوحة مكشوفة وفضائحية بقدر لوحة ثانية لا مجال الى الاختلاف في تفسيرها. امرأة جالسة وقد مددت على ركبتيها فتاة صغيرة ممسكة بقسوة بخصلات من شعرها والفتاة عارية في نصفها السفلي، وعلى الأرض قيثار مرمي، سميت اللوحة باسم القيثار، كأنها بذلك تصرف النظر عن التمعن في موضوعها الحقيقي. لا بد من ان ما بين القيثار المتروك المحايد ومشهد العنف شبه الاغتصابي صلة ما، فالقيثار يبدو كأنه عنوان موارب للوحة، انه شاهد صامت تقريبا على ما يجري فيها او متفرج متواطئ يعير صمته للمشاهد ويدخله في ما يشبه تواطؤه. لن نبتعد اكثر ففي الارجح لن يستطيع القيثار ان يتستر اكثر على فضيحة اللوحة التي لا تسعى كثيرا الى ان تختفي وراءه. الفضيحة الفنية لا تقوم ليتموه. ان حاجتها الى العلن اكبر. ليست لوحة بالتوس افضل اعماله فالعلن والفضيحة لا يخدمان دائما الفن. لكن لوحة بالتوس استفزازية ولا تستطيع ان نقف حيالها صامتين او متواطئين مع الجمال الذي فيها، في المشهد الاغتصابي ما يؤذي، ذلك شبيه بمشاهد الاعدام التي لم يطل الوقت حتى اتفق على حجبها، هل يمكن ان تعامل لوحة كما تعامل صورة فظة، هل يعيدنا ثانية الى صلة الاخلاق بالفن. هذه المرة لن تمر الصلة عبر الدين، لكن للدين جولته ايضا، لم ينجح احتجاج البابا على الضفدع المصلوب، ولا اظن ان العالم المسيحي سيثور معه، وبالتأكيد لن يتظلم احد او يهاجم السفارات الايطالية او يتكلم على الإهانة.

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .