عودة سوريا إلى لبنان مسألة وقت
الوقت الدولي الميت
بلال خبيز
تشير بعض المعلومات التي يتم تداولها بين الصحافيين واهل السياسة ان مساعد وزير الخارجية الاميركية دافيد والش نقل إلى وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال اللقاء الذي جمعهما معاً منذ ايام، تحذيراً اميركياً من مغبة اي تدخل عسكري سوري في لبنان، الامر الذي سيستدعي حكماً تدخلاً دولياً لحماية تنفيذ القرارين الدوليين الصادرين عن مجلس الامن الدولي، 1559 و1701. وكانت وزيرة الخارجية الاميركية السيدة غوندوليزا رايس قد طرحت على الوزير السوري سؤالاً عن اسباب حشد سورية قوات عسكرية على الحدود مع لبنان الشمالي. مما حدا بالوزير المعلم إلى التوضيح علناً ان الحشود السورية على الحدود اللبنانية والعراقية تهدف إلى ضبط الوضع فقط، وانها مجرد اجراءات داخلية بحت.
التخوف من احتمال قيام سوريا بحملة عسكرية في شمال لبنان بلغ ذروته مع تصريح الرئيس السوري لنقيب المحررين اللبنانيين، السيد ملحم كرم، بأن شمال لبنان اصبح منطقة تعج بالأصوليين، وان الرئيس السوري لطالما حذر اللبنانيين والمجتمع الدولي عموماً من خطورة ما يحصل في طرابلس، الامر الذي يشكل خطراً على سوريا.
اثر هذا التصريح عمد فريق 14 آذار – مارس إلى تشكيل وفد لزيارة فرنسا والاطلاع عن كثب على حقيقة ردود الفعل الدولية ازاء اي تدخل سوري مباشر في لبنان. مما انتج على الأثر تحذيراً فرنسياً علنياً لسوريا من مغبة اي تدخل في لبنان.
تضافر هذه المؤشرات وغيرها يفيد ان موضوع الدخول العسكري السوري إلى لبنان من بوابته الشمالية اصبح قيد التداول في اروقة الإدارة السورية، بل يبدو انه انتقل من السر إلى العلن، ومن التلميح إلى التصريح. مما استدعى هذا الاستنفار اللبناني من فريق 14 آذار – مارس خصوصاً، والاستنفار الدولي والعربي. والحق ان سوريا في هذه اللحظة ترى الفرصة سانحة دولياً وعربياً للتدخل في لبنان، خصوصاً ان الازمة المالية الأميركية والتي تزحف على العالم برمته من دون ان يوقفها اي شيء، تجعل الإدارة الاميركية عاجزة عن التدخل في اي مكان من العالم، ومشغولة تماماً بحل الازمة التي تهدد نظامها النقدي والاقتصاد العالمي ككل. وحيث ان الازمة عالمية فعلاً، فإن حظوظ التدخل الفرنسي او الاوروبي في مواجهة اي تدخل سوري في لبنان تبدو ايضاً معدومة. فضلاً عن ان التدخل العربي لا يبدو مطروحاً في الافق. وحدها اسرائيل تستطيع ان تمنع سوريا من التدخل، إذا ما تعارض هذا التدخل مع مصالحها. والأرجح ان سوريا قد ارسلت رسائل متعددة في الأونة الاخيرة عبر صناديق بريد كثيرة، لكن وجهة هذه الرسائل كلها كانت اسرائيل. وآخر هذه الرسائل كان التضييق على الفصائل الفلسطينية المتحالفة مع دمشق وصولاً إلى إغلاق مكاتبها، ودفع حماس في قطاع غزة إلى الموافقة على الهدنة مع العدو الإسرائيلي. وإذا اضفنا هذه الرسائل إلى رسائل اخرى بعضها معروف وبعضها ما زال قيد التكهنات والتسريبات التي لا يمكن التحقق من صحتها، ولا يمكن نفيها في الوقت نفسه. تكون سوريا قد اقفلت كل الابواب التي قد يدخل منها الاعتراض الاسرائيلي على اي تدخل في لبنان.
من جهة ثانية، تدرك سوريا ان شعار محاربة الإرهاب جاذب وفاتن بالنسبة للغرب عموماً، وان دخولها لبنان بدعوى مقاومة الإرهاب واستئصاله من شمال لبنان وبقاعه ربما، لن ينظر إليه غربياً بوصفه اشد خطراً مما جرى في 7 ايار – مايو الماضي في بيروت، حين سيطر حزب الله وحلفاء سوريا عسكرياً على بيروت من دون ان يستدعي ذلك اي تدخل عربي او دولي على اي وجه من الوجوه.
هذه مقدمات تشير إلى ان التدخل السوري في لبنان بات ملفاً قيد التنفيذ المباشر. لكن التدخل السوري في هذه اللحظة الذي قد لا يلقى مواجهة فاعلة من المجتمعين العربي والدولي تمنع حدوثه، لن يمنع المجتمعين العربي والدولي من رفض الاعتراف به وتشريعه، وهذا امر بالغ الاهمية بالنسبة للإدارة السورية، لانه يعني وضع النظام السوري على خط المواجهة المباشرة مع المجتمع الدولي، الذي وان بدا غير قادر على التدخل الفاعل في هذه اللحظة، إلا انه عاجلاً ام آجلاً سيحاصر سوريا ويدفعها إلى الخروج مجدداً. والأرجح ان النظام السوري لا يشعر انه يلعب اوراقه الأخيرة ليقدم على مثل هذه المغامرة في لحظة من لحظات الوقت الدولي الميت بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية. مما يعني انه سيفضل الانتظار قليلاً من دون التخلي عن التلويح بورقته الرابحة. في الاثناء على اللبنانيين، ان ينتظروا مزيداً من الاضطراب وتكاثراً للحوادث والتفجيرات، إثباتاً لصحة ما يدعيه النظام السوري من خطر اصولي – قاعدي يعشش في شمال لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق