الأربعاء، 22 أكتوبر 2008

حسام عيتاني: تسلح وتسليح

الطلب من اميركا ما لا يتفق مع مصلحتها

يُعامل موقف الولايات المتحدة المتحفظ على تسليح الجيش اللبناني وكأنه عجيبة من عجائب الزمان. في حين ان واشنطن لم تمد الجيش سوى بسقط المتاع من مستودعاتها الاوروبية او بعدد من وسائل النقل وادوات لوجستية غير قتالية اضافة الى دورات تدريبية لضباط لبنانيين وذلك منذ انتهاء عهد أمين الجميل الذي حظي بالسلاح لأسباب مختلفة جذرياً عن تلك التي تدفع لبنان الى طلبه الآن. يتعين التشديد على أن الاعتبارات التي تملي على الولايات المتحدة توفير السلاح للجيش اللبناني او حرمانه منه، تعنيها هي بالدرجة الاولى. ولا يفترض ان يكون أي من سياسيي لبنان ومواطنيه على درجة من السذاجة، بحيث يأمل في الحصول على الحاجات العسكرية للجيش من جهة تتعارض تصوراتها للأمن الإقليمي مع تلك التي يتبناها اللبنانيون، اذا وجد طبعاً ما يتبنون في السياق هذا. بهذا المعنى، يكون تقرير العدو وتعريفه، وهي مسألة سيادية (بل فوق سيادية وتتعلق بتحديد هوية المجتمع والدولة بحسب الحقوقي والفيلسوف الالماني كارل شميت)، مما لا ينبغي التفاوض بشأنه بين جهتين يفصل بينهما اختلال هائل في الأحجام والأوزان كذاك الفاصل بين لبنان والولايات المتحدة. ومن حق اللبنانيين ومن الضرورات التي تحدد درجة تماسكهم الوطني والسياسي اعتبار إسرائيل عدواً، بغض النظر عن معنى العداء والأشكال التي يتخذها، ومن حق الإدارة الاميركية، في المقابل، الا توافقنا على رأينا وان تمنع السلاح عن الجيش اللبناني. يدور كل هذا في فضاء البديهيات. غير ان المسألة لا يجب ان تنتهي هنا، بل انها ترتبط بالدرجة التي يتأثر فيها التماسك الداخلي اللبناني بالتوافق حول العداء لإسرائيل. فإذا كانت الوحدة الوطنية اللبنانية مرتبطة، الى هذه الدرجة او تلك، بدرجة العداء التي يتعين أن تبديها الدولة اللبنانية بمؤسساتها الرسمية حيال إسرائيل، وفي المقدمة منها الجيش، فإن على الحكومة اللبنانية وعلى قيادة الجيش جعل مسألة السلاح والتسلح في رأس الأولويات، ليس بسبب حاجة الجيش الى العتاد فحسب بل لما يقدمه إنهاء السجال بشأن تسليح الجيش من فوائد على المناخ السياسي العام بعد اتفاق الدوحة وانتخاب رئيس للجمهورية، وبغض النظر عن السيل العارم من التهديدات بتدمير لبنان وسحق قراه و»المبادرة« الإسرائيلية الأخيرة والردود عليها. إن مسألة تسليح الجيش بالشكل الذي تطرح فيه تتجاوز الأبعاد التقنية والحاجات اللازمة لقيام مؤسسة وطنية بمهماتها، لتصل الى اطار صياغة العلاقات الداخلية اللبنانية ورسم مسارات التحرك في المحيط اللبناني. وقد لا يكون من الصعب توفير الحاجات العسكرية اللبنانية من مصادر غير المصدر الاميركي. وقد حصل الجيش بالفعل خلال الأعوام العشرين الماضية على الكثير من المعدات والأسلحة من مصادر مختلفة عربية وأجنبية، كمساعدات ومن خلال صفقات وعقود مالية. واذا كانت الولايات المتحدة مصرة على حصر تقديماتها الموعودة والتي تقول إنها تزيد عن الأربعمئة مليون دولار على مدى ثلاث سنوات، في النواحي اللوجستية والتدريبية، فالأرجح ان قيادة الجيش والسلطة السياسية اللبنانية قادرتان على ضخ هذه الأموال في ما يعود بالفائدة على الجيش من دون ان تكون مرتبطة مباشرة بمسألة التسليح (النقل، التدريب، الصيانة...). لكن السير في هذه الطريق الى نهايتها يفتح باب مشكلة جديدة، هي مشكلة العلاقة بين الجيش والمقاومة. وسيكون من العسير إيجاد التوازن المناسب بين تسلح الجيش وبنائه بناء حديثاً وبين حصر عمله في ما لا يتخطى الحدود التي ترسمها المقاومة حول نفسها. وسيكون من الصعب، على المستوى السياسي والاجتماعي أيضاً، التسليم بحصر مهمات الجيش في قضايا الأمن الداخلي وترك الدفاع عن لبنان للمقاومة، على افتراض ان اللبنانيين أجمعوا على اعتبار إسرائيل هي العدو الوحيد لهم. يفترض أن تحل الاستراتيجية الدفاعية العتيدة هذا التضارب. وليس تحديد احتياجات الجيش من السلاح تفصيلاً ثانوياً. فنوعية الأسلحة المطلوبة تحدد المهمات التي سيتصدى الجيش لها، والجهات التي تتصور السلطة اللبنانية أنها قادرة على توفير السلاح من دون شروط سياسية او بالحد الأدنى من الشروط هذه. فهل سيقرر لبنان، على سبيل المثال، شراء صواريخ للدفاع الجوي؟ غني عن البيان أن تبعات كبيرة، داخلية وخارجية، ستلحق بخطوة كهذه خصوصاً بعدما اعتبرت إسرائيل أن وصول هذا النوع من الأسلحة إلى لبنان »خط أحمر« (لعل من الضروري القول هنا إن التحذير الإسرائيلي الذي جاء بصيغة التهديد بضرب أي صواريخ مضادة للطائرات تملكها المقاومة، بات ينسحب على الجيش أيضاً بعد توسيع التهديدات لتشمل كل لبنان ومؤسساته وبناه التحتية). في مثال أسلحة الدفاع الجوي عينة، لعلها الأبرز، على الأهمية القصوى لتسليح الجيش وانعكاساته على وحدة لبنان، وعلى الجهة التي تملك الحق في تقرير السلم والحرب، بحسب عنوان سجال استنفد من اللبنانيين صبراً وأعصاباً ووقتاً.

عن السفير


ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .