السبت، 4 أكتوبر 2008

نديم قطيش شيعة التأديب


شيـعـــــــــة الـتــأديـب

نديم قطيش


تنهض، من العنوان الى التفاصيل، مقالة الدكتور الصديق طلال عتريسي (لا وجود لـ"طريق ثالث" شيعي) المنشورة في "قضايا النهار" بتاريخ 26/9/2008 على دعامتي التخوين والالغاء لـ "الشخصيات الشيعية" المنضوية في الحركة الاستقلالية، المصطلحِ على تسميتها بقوى الرابع عشر من آذار، على الرغم من الفوارق التنظيمية، بين إنتفاضة الاستقلال كلحظة تأسيسية وكيانية وقوى الرابع عشر من آذار بمعناها السياسي المباشر.وإذ اضع مصطلح "الشخصيات الشيعية" أو "المثقفين الشيعة" بين مزدوجين فلأن هذه اشكاليةٌ وعنوانٌ للتحرك خضعا لنقاش سابق وطويل لم تحسم فيه حدود العلاقة بين العنوان السياسي و"الهوية المذهبية" التي تسبغ على الناشطين في مواجهة عناوين فاقعة في تظهير هويتها الشيعية. ولعل المحاججة الأبرز في هذا الخصوص تلك التي قدمها الدكتور وجيه كوثراني في مقدمة كتابه "بين فقه الإصلاح الشيعي وولاية الفقيه: الدولة والمواطن" الصادر عن "دار النهار". أما إذا كان لي أن اسجل موقفاً حيال هذه النقطة بالتحديد فأقول إن "الشخصيات الشيعية" التي تحركت في اطار سياسي شيعي بعد جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري انطلقت من ان سلوك "الحزب الحاكم" في الطائفة، لا سيما عبر فضيحة "شكراً سوريا"، وضع "الطائفة" في موضع الريبة حيال بقية الطوائف التي انتفضت بأكثرياتها وبـ"أحزابها الحاكمة" في وجه القاتل المفترض، اي نظام الرئيس بشار الاسد. وبالتالي لم يكن الهاجس الذي املى هذا التحرك ينطلق من وعي المصلحة الشيعية بصفتها مصلحة "دويلتية" أو "كانتونية" بل بصفة هذه المصلحة جزءاً لا يتجزأ من مكونات المصلحة الوطنية العامة وثوابتها التي تعطي للعقد الاجتماعي اللبناني معناه "اللاكانتوني" وتنقله الى حيز تجربة العيش المشترك الفعلي. كما ينطلق وعي المصلحة الشيعية على هذا النحو من نظرة موضوعية الى العقد الاجتماعي اللبناني بصفته عقداً بين مكونات طائفية مما أوجب التفكير بموقع المكون الشيعي وخطورة تنافره عن المكونات الاخرى، على الشيعة اولاً وعلى صيغة العيش المشترك ثانياً. فجريمة إغتيال بحجم إغتيال الرئيس رفيق الحريري كان لا بد ان تفتح لبنان على إختبارات تأسيسية مفصلية لا تصمد أمامها مزاعم "العقل البارد" وإدعاءات "التروي".أما إذا صح طعن الكاتب بإقتصار النقد على نقد بنية الشيعية السياسية دون غيرها من الطائفيات، لا تصح المقارنة بين مستوى إنفصال الشيعية السياسية، في لحظة النقد تلك، عن منطق الدولة ومثيله عند الطائفيات الأخرى. فليس خافياً ان ارتباط الشيعية السياسية بالمشروع الايراني اكثر عضوية وأمتن حتى من ارتباطها بموجبات البلد وشروطه ناهيك عن ارتفاع كلفة هذا الواقع على لبنان كياناً ودولة وصيغة عيش مركبة.
الالغاء والتخوينبالالغاء الذي ينضح به عنوان المقال يفتتح عتريسي سجالاً مع جهة لا يعترف بوجودها أصلاً محيلاً هذه الفئة من الناشطين والمثقفين والسياسيين والمواطنين الى مجرد افتراض نظري تمليه موجبات "التحليل والتفكيك" مستفيداً ربما من عدة ماركسية سابقة عنده على العدة الاسلامية. هكذا يجزم عتريسي بأن لا وجود لـ"طريق ثالث" شيعي، بل لا يتردد في الحديث عن " الانسحاب الشيعي من حكومة فؤاد السنيورة" موحداً توحيداً خالصاً بين وزراء "الحزب الحاكم" وطائفة بكاملها. ثم يقفز من دون تردد للحديث عن "الواقع المذهبي المعادي للشيعة عموماً ولـ"امل" و"حزب الله" خصوصاً" من دون تقديم اي دليل ملموس على هذا "الواقع" اللاغي للحدود بين الخصومة السياسية واشاعة وعي مذهبي مرضي يقيم فصلاً حاداً بين الأنا المستهدفة في جوهرها وكينونتها والآخر الغاصب والمعتدي... "وهو شعور يختزنه الشيعة في ذاكرتهم التاريخية البعيدة وفي وجدانهم على امتداد السنين" كما يقول عتريسي... هذا من دون الحديث عما ينطوي عليه مثل هذا الترهيب والتحريض من مخالفة صريحة للقانون لما تحمله العبارات ومناخاتها من تهديد للسلم الاهلي. وإذ يحضر "الطريق الثالث" في مقالة عتريسي، على الرغم من نفي وجوده في الواقع منذ العنوان، فلا يحضر الا اداة للتآمر و"للتجريح والاساءة". فمجرد إختلاف هذه الشريحة مع خطاب "الحزب الحاكم" هو مبرر كاف لـ"الشكوك حول صدقية الاستقلالية المفترضة لهذا الخط" وتعزيز لإعتقاد "بأن شيعة الطريق الثالث ليسوا صوتاً أو خطاً مستقلاً".
حد القانون... وحد السيفالى ذلك تفصح مقالة عتريسي عن فهم خطير لمفهوم المواطنة باعتبارها صفة انتساب الافراد الى الدولة تحت حد القانون. فالمواطنة تفترض في اساسها المساواة امام القانون بين افراد متساوين في الحقوق والواجبات وليس بين مقاومين وعملاء. كما تفصح المقالة عن فهم خطير للسياسة لا بصفتها آلية إدارة سلمية للنزاعات بل مجرد أداة لفرض الرأي، لابأس بإستبدالها بأدوات أخرى عند الضرورة. وعليه يرى عتريسي "أن أي هجوم اضافي على الثنائي الشيعي مهما كان حجمه، ومن أي كان، لن يفهم على الاطلاق، الا باعتباره هجوماً على الشيعة عموماً، وتوهيناً لهم في المواجهة التي يخوضونها مع الخارج ومع الداخل في وقت واحد"... والحال فإن الحق في الاختلاف السياسي وفق هذه الرؤية لا يعدو كونه مؤامرة على "الكل والجوهر" فيما علاقة هذا "الكل والجوهر" بالآخرين لا تعدو كونها إستتباعاً أو حرباً. فعتريسي يقر بإشتغاله وفق منطق ثوري ما قبل دولتي حين يعتبر ان "الشيعة... يخوضون مواجهة مع الداخل والخارج في وقت واحد" قافزاً، على قاعدة ثوريي العالم الثالث، فوق الضوابط التي تحكم الخلاف بين مكونات الداخل من جهة وبين الداخل والخارج من جهة أخرى. فما ينبغي ان يحكم العلاقة بيني بين صاحب المقالة هو حد القانون وليس حد السيف الذي به يذاد عن الأوطان في مواجهة أعداء الخارج وإن احياناً في معزل عن القانون. أما ان تكون القوة وسيفها مدخلاً للعلاقة بين اللبنانيين على قاعدة مواجهة اسرائيل الخارج واسرائيل الداخل كما حصل في السابع من أيار فهو إعلان لوفاة الدولة، اي دولة، وللمواطنة، ودعوة صريحة لإحالة لبنان حياضاً ودوراً، السيف "أصدق إنباءً من الكتب". غير أن أخطر ما تنطوي عليه المقالة هو استنتاج كاتبها عدم صلاحية هذا "الطريق الثالث" أو تحولهم "عبئاً في زمن المصالحات". فالخوف كل الخوف ان ينطوي الكلام على تحريض لـ"التخلص" من هذا العبء اكان بالمعنى السياسي عبر الطعن بسمعة افراد هذا الفريق (وهو متنوع ومتعدد ... بل ومشتت) وهي بادئة منذ فترة ليست قصيرة، أو بالمعنى المباشر وهي مسيرة شهدت محطات مرعبة في تأديب المختلفين أكان في طرد العلامة السيد علي الامين من صور والتنكيل بعائلته واصهرته أو عبر حملات ترهيب عدد من "المثقفين الشيعة" الى حد "تهجيرهم" من بيوتهم ومن المناطق التي رسمتها غزوة ايار على أنها ساقطة عسكرياً.
عن النهار

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .