السبت، 25 أكتوبر 2008

بشارة شربل: الوطنية موضوع انقسام وطني


كتلة "المواطنة" يا فخامة الرئيس

يحتاج الوصف الذي أطلقه رئيس الجمهورية على الكتلة النيابية التي يشتهي وجودها في البرلمان القادم بعض الصقل والتحديث الذي يعفي من الإحراج وخطأ التفسير. فالرئيس المعروف بصراحته وبساطة مقاربته للسياسة دخل قلوب كثيرين بهذه الصفة ويجب ألا تفسد هذا المنحى قلّة الدربة أو ضعف المستشارين.
قال الرئيس إنه يتمنى وجود "كتلة نيابية وطنية" تقدّم مصلحة الوطن على المصالح كلّها. ومع أنّ التعبير ينتمي إلى القاموس القديم مُحملاً "المُوَاطَنة" عبء "الوطنية"، فإنه بحدّ ذاته لا تشوبه شائبة، وربما شاركه البعض في قصده المباشر لما يعنيه. لكن الرئيس ينسى أن الواقع السياسي الذي يريد حشر هذه الكتلة فيه هو واقع فعلي ومعبر – مع الأسف- عن معظم اللبنانيين وعن مصالح وأطراف وأحزاب وطوائف ومذاهب وجماعات تتناقض وتتنافس على أساس امتلاك "الوطنية"، والحق المُطلق، وشرعية تسفيه الآخرين. فعمّن إذن ستعبّر هذه الكتلة المستحدثة؟ عن غير المنتمين إلى 8 و14 آذار، أم عن الأقلية الصامتة، أم عن أصحاب الطريق الثالث أو خيار التوفيق؟
في عمق كلام الرئيس إنّ الكتلة المبتغاة "وطنية" بينما لا تتمتّع الكتل الأخرى بهذا الإمتياز، أو ليست وطنية بما يكفي لتمثيل حقيقي للبنانيين، وفي عمقه أيضاً أنّ الكتلة العتيدة تضع مصلحة البلد فوق كل اعتبار في حين أن الآخرين لم يبتغوا ذلك أو قصّروا في الوصول إليه، وأن هذه الكتلة منزهة عن الإرتباطات الخارجية بينما الآخرون متورطون في محاور إقليمية ودولية لا تتفق مع مصلحة لبنان... ربما هي قناعات مضمرة للرئيس سليمان وقد يشاركه فيها لبنانيون يقولون: "قرفنا من الجميع"، غير أن الغالبية تُصوّت في النهاية بخيارٍ واعٍ، أو انطلاقاً من مبدأ "القطيع" لتعيد انتاج الإصطفاف وتأكيد أن "الوطنية" موضوع انقسام وطني. فعلى أي سكة من "الوطنية" تريد كتلة الرئيس أن تسير؟
هذه الكتلة يا فخامة الرئيس تريدها بمواصفات استثنائية. هذا هو التفسير البديهي لما تقول. وهي مواصفات تشبهك بالتحديد، أي انها وسطية غير صدامية، تتأقلم مع هبوب الريح، وتأخذ من كلّ طرف بطرف، فلا تمتّع الراغب بالوصل، ولا تغضب المصمم على الفراق. وهي بهذا المعنى "كتلة توفيقية" ترعى الميزان وقت الإنقسام فتمنع الطلاق البائن بين الأفرقاء وتجمع التناقضات على وسادة عدم الإنحياز.
بعض التواضع في الوصف ضروري، أو إنّ الكثير من الدقة مطلوب في التوصيف. فالكتلة التي يتطلع إليها الرئيس هي كتلة "بيضة القبان" وكتلة الإستقرار المطلوب في ظل الإصطفاف الخطير. لكنها ليست كتلة تستطيع المنافسة على حلبة "وطنية" الآخرين. فالبعض سيحتجّ أنه دفع ضريبة "انتفاضة الإستقلال" والبعض الآخر سيدّعي أنه "دفع وحده ضريبة التحرير". ولدى الطرفين كمٌ من المعاني الطاغية على التفكير البارد والمنطقي، تبدأ بالبطولة لتنتهي بالشهادة وارتباطها بالآلهة والدين.
كتلة الرئيس المطلوبة ضرورية للخروج من مأزق النتائج شبه المتساوية المتوقعة في انتخابات أيار 2009، وهي قد تضم "وطنيين" وانتهازيين ونواب خدمات وبعضَ من أتت به الظروف إلى البرلمان بفعل الصُدف أو المال. غير أنّ المهم كيفية توظيف هذه الكتلة لمنع الإنفجار وتسيير المؤسسات. فهذا هو دورها، وتلك هي حدود مهمتها في المرحلة الصعبة التي تمرّ بها البلاد. إنه دور الوسيط، نسميه "الإعتدال" حين تدعو الحاجة، لا يفي بأغراض الأعاصير الكبرى لمواجهة احتلال أو إعادة استقلال، لكنه مطلوب في السلم لتوسيع مساحات التفاهم والإلتقاء، وفي الأزمات لمنع تمدّد شقة الخلاف.
كتلة الرئيس، سمِّها يا فخامة الرئيس أي شيء إلا "وطنية"، ففي ذلك وهمٌ كبير وتذكير بتسمياتٍ مشابهة لحركاتٍ وأحزاب لا تُذكر إلا في سياق استعادة الحروب الأهلية والنزاعات...
سمِّها كتلة سياسية وسطية فيقتنع الجميع، علّنا نأمل في الوصول يوماً إلى كتلة "المواطَنة" العادية التي تؤمن مصالح الأفراد والبلاد والحق في عيشٍ كريم بلا "وطنية" وأهدافٍ تاريخية وبطولات!

ناو ليبانون

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .