الأربعاء، 22 أكتوبر 2008

ايلي الحاج: ليس لدى الجنرال من يحادثه


الرئيس لحود في عزلته
اعتاد رئيس الجمهورية السابق إميل لحود العزلة في قصره الجمهوري وتمرس فيها ثلاث سنوات قبل أن ينتقل إلى قصره الوالدي في مسقطه بعبدات وسط المتن حيث يندر أن يزوره أي من السياسيين. ورغم أنه اشترى منزلاً في محيط وزارة الدفاع في اليرزة ليجعله مكتباً ومكاناً للإستقبالات قلما تحمل الأنباء أنه استقبل زواراً خلافاً لبقية السياسيين اللبنانيين . والواقع إن الرئيس لحود يتفرد بين من سبقوه إلى المنصب بأنه لم يكن له رجال عهد محسوبون عليه وحده يرتبط وجودهم السياسي به، باستثناء ضباطه الأمنيين الأربعة المسجونين في ملف الرئيس رفيق الحريري. فالسياسيون القلة الذين برزوا من لا شيء على أنهم اركان لحكمه أو مستشارون أو قريبون من رئيس الجمهورية، وكان يلتقيهم في شكل شبه يومي في القصر الجمهوري، خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة من عهده، كانت مرجعية معظمهم لدى المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد أو رئيس جهاز الإستخبارات السورية التي كانت فاعلة جداً بل مقررة في لبنان، سواء أكانت برئاسة وزير الداخلية لاحقا الراحل غازي كنعان أم خلفه العميد رستم غزالي.
لكن العزلة التي يعيشها لحود بين قصر بعبدات في وسط المتن ومنزله في اليرزة ليست مفروضة عليه ولا يسعى إليها أحد، فخصومه السابقون آثروا تجاهله كلياً مذ خرج من القصر تاركاً إياه للفراغ خالياً بلا رئيس في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. لا أحد يأتي على ذكرالرجل الذي كان يلقي محاضرات طويلة على شاشات التلفزة أمام وفود شعبية يرسلها إليه "حزب الله" من الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع، الرجل الذي رفع له الحزب صوراً عملاقة على طريق المطار تحاكي صور الخميني في المكان ومعها عبارة "رئيس المقاومة" . وحده "حزب الله" بقي وفياً لإميل لحود ولكن ماذا يمكنه أن يفعل له وقد تخلت عنه طائفته بعدما تخلى عنها، ولبنان محكوم بنظام تقاسم الطوائف للسلطة تأميناً لمشاركة جميع مكوناته في إدارة البلاد؟
تخلي القريبين
عدا "حزب الله" ، الكل تركوا لحود، ما عادوا يزورونه حتى عندما كان لا يزال سيد القصر. أولهم صهره وزير الدفاع السابق والحالي الياس المرن فقد طلّق زوجته ابنة لحود وقاطع والدها فخامة الرئيس ووقف "على الحياد" بين قوى 14 آذار/ مارس و8 آذار. حياد شديد النسبية بالطبع إذ بقي الوزير المر في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة السابقة فلم يقاطعها ولم يستقل مخالفاً رغبة الرئيس لحود وسياسته، بل متحدياً إياها في بعض المراحل لأنه أمّن نصابها الدستوري من ثلثي الأعضاء بعد اغتيال الوزير الراحل بيار الجميّل . وكان سبق أن بدا في موقف الإدانة لحلفاء حميه ضباط الإستخبارات السوريين، ولا سيما العميد غزالي خصوصاً بعد تعرض المرّ لمحاولة اغتيال نجا منها بمعجزة.
وعندما وقف لحود مع النائب الجنرال ميشال عون حليف "حزب الله" في رفض الإتيان برئيس للجمهورية قبل تحقيق مطالب المعارضة السابقة- ورفضه تالياً التنحي عن الرئاسة إلا للجنرال - ذهب الوزير المر ووالده المخضرم النائب ميشال المر بعيدا وعلناً في السعي إلى إيصال قائد الجيش السابق ميشال سليمان إلى الرئاسة وتحقق لهما ذلك، فباتا الأقرب إليه سياسياً. في الإنتخابات النيابية المقبلة في أيار المقبل سيكون آل المرّ في حلف إنتخابي مع الرئيس أمين الجميّل القطب القوي في المتن الشمالي فيتقاسمان مقاعده الثمانية على ما تقول كل المؤشرات، والخبر سيىء للرئيس لحود وكذلك للجنرال عون الذي يحوز اليوم سبعة مقاعد في ذلك القضاء تبدو فرص استعادة صعبة إذا تحقق تحالف الجميّل- المر، لكنه سيكون أسوأ على لحود إذا تمكن الجميّل من مصالحة المر مع لحود الآخر، الوزير نسيب، ابن بلدة بعبدات التي تواليه بغالبية أبنائها، ونسيب الرئيس لحود.
حتى الجنرال عون الذي قدم له الرئيس لحود خدمات جلّى سياسية وانتخابية وسوى ذلك رفض أن يزور لحود رئيساً للجمهورية ورئيساً سابقاً. وعندما رتبت دوائر القصر الجمهوري لقاء بين لحود وعون قرب بيت الأخير في الرابية ودعت الإعلاميين لتصويره وتغطيته، امتنع عون عن الذهاب إلى الموعد واضعاً رئيس الجمهورية آنذاك الذي كان انتقل إلى مكان اللقاء في وضع حرج. لم يلتق الرجلان بعد ذلك، لكن لحود يواصل إعلان دعمه لمواقف عون، خصوصاً في تحالفه مع "حزب الله".
ثاني القريبين من لحود الذين تخلوا عنه الوزير السابق كريم بقرادوني الذي كان، كما ذكر مرة عام 2004، أحد أربعة كان يستمع إليهم الرئيس السابق ويأخذ بنصائحهم، إلى حد ما طبعاً. لكن بقرادوني كان أول من قفز من مركب لحود عندما رأى مصيره الغرق إثر اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في 14 شباط / فبراير 2005. وهو انقطع نهائياً وفجأة عن زيارة لحود في القصر الجمهوري وتصالح مع الرئيس أمين الجميّل عبر نجله الراحل الوزير بيار الجميّل وسلّم إليه حزب الكتائب الذي كان يترأسه وفي إحدى المرات تلا بياناً لقوى 14 آذار / مارس في المقر إثر أحد اجتماعاتها في المقر المركزي للحزب، ولولا خصومات قوية سابقة مع بعض أركانها لربما تحوّل بقرادوني أحد هؤلاء في قيادة ما سمي "ثورة الأرز".
بعد اغتيال الوزير بيار ومجيء شقيقه سامي إلى الحزب ومباشرته مع بعض مرافقيه الإمساك بمفاصل القيادة فيه استقال بقرادوني من الرئاسة النظرية التي كان يتولاها ، وما لبث أن أطلق نظرية تدعو إلى إنشاء "لقاء مسيحي موسع". اقتنع الجنرال عون بالفكرة وسار بها لكنه لم يتح لبقرادوني أن يطل إعلامياً ولا سياسياً من خلال إعلان إطلاقها، بل أخذ الفكرة دون صاحبها. وعند ذلك انكفاً مجدداً بقرادوني المعتاد الصعود والهبوط في بورصة السياسة اللبنانية من ستينات القرن الماضي، وانصرف إلى أعماله ووضع اللمسات الأخيرة على كتاب وضعه عن عهد لحود. كتاب يُتوقع له انتشارواسع كسائر كتب بقرادوني المثيرة للجدل دائماً كشخصيته.
وثالث المتخلين عن لحود وزير العدل السابق شارل رزق الذي حالف عملياً قوى 14 آذار/ مارس ورفض المقاطعة الوزارية ثم الإستقالة على غرار الوزراء الشيعة في الحكومة السابقة والوزير الآخر المحسوب على لحود يعقوب الصراف. طُرح إسم شارل رزق للرئاسة ولكن لم يحالفه الحظ وحرص دوماً على التوضيح إنه تسلم وزارة العدل لكفاءته وهو دكتور في القانون. وكان له فضل كبير في إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس الحريري. ليس بين الوزير السابق رزق والرئيس لحود كلام ولا سلام.
رابع المتخلين هو وزير الإتصالات السابق جان لوي قرداحي الذي انقطع عن السياسة بعد اغتيال الرئيس الحريري وهاجر إلى قطر منصرفاً إلى أعماله التي ازدهرت هناك، ويقال إنه أمن وظائف لعدد كبير من الشبان اللبنانيين في الدوحة. وهو يزور لبنان من وقت إلى آخر ويتصل لياقة بالرئيس السابق ويعد من القلة التي لا تزول تزوره أحياناً، ولكن لأحاديث إجتماعية لا تقدم ولا تؤخر في السياسة. ولم يكن المستشار الإعلامي السابق لرئيس الجمهورية رفيق شلالا يعدّ من فريق لحود، رغم أن الأخير دفعه إلى الواجهة الإعلامية في أواخر عهده. وإثر تسلم الرئيس ميشال سليمان مقاليد الرئاسية عيّن شلال مستشاراً له غير محدد الصلاحيات، وسلّم إعلام القصر الجمهوري إلى غيره.
أما الوزير السابق وئام وهاب والنائب السابق ناصر قنديل والمحامي إميل رحمة، وسواهما من الشخصيات التي لا "حيثية" سياسية ولا شعبية فيزورون لحود باستمرار ربما للإطمئنان إلى أحوال اللواء السيّد والحديث عن تطورات المحكمة الدولية التي يمكن أن تستدعي لحود للمثول أمامها في لاهاي.
وكان لحود زار دمشق لدى إطلاق فاعليات "دمشق عاصمة للثقافة العربية" قبل أشهر ، فأكرمه الرئيس السوري بشار الأسد وأجلسه قربه. ويشاع إنه سيزور طهران قريباً على خطى النائب الجنرال ميشال عون.
ويتردد في الكواليس السياسية أن "حزب الله" يسعى إلى إيصال نجل لحود النائب السابق إميل إميل لحود إلى مجلس النواب بعدما خرج منه في الإنتخابات الأخيرة عام 2005 عازفاً عن الترشح أمام الموجة العالية المناهضة لوالده . لكن المعضلة التي يواجهها الحزب تكمن في إقناع حليفه الجنرال عون بإدراج إسم لحود الإبن في إحدى لائحتيه لقضاء المتن الشمالي أو قضاء بعبدات في حين أن المعركة في القضاءين ستكون قاسية، ومن المستبعد أن يقبل عون المخاطرة بتبني مرشح لا يجلب مقترعين للائحته .
لذلك تشيع أخبار أن الحزب قد ينزل بالمظلة نجل الرئيس لحود مرشحاً على لائحته في بعلبك – الهرمل ممثلاً للمسيحيين الموارنة، وهم أقلية في تلك الدائرة يوالون في غالبيتهم رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ودرج "حزب الله" على اختيار ممثلهم في المقعد الذي يحتله حالياً النائب نادر سكر ويتطلع إليه المحامي إميل رحمة.
وهي نهاية سياسية محزنة لعائلة سياسي في لبنان حيث يتوارث الأبناء المناصب عن الآباء والأجداد. وكذلك لرئيس سابق بلغ الثانية والسبعين ولا يزال يبدو في الخمسين بفضل إدمانه الرياضة، ولا سيما السباحة حتى في أحلك الأيام واللحظات في البلاد، وقطع الأنفاس ... تحت الماء.
عن ايلاف

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .