الجمعة، 24 أكتوبر 2008

رشا الاطرش: ناتالي التي تبيع عذريتها على الانترنت


سبيّة عصرها أم مروّضة الرأسمالية؟

فائض كلام عن الأزمة المالية العالمية. فائض صور من مقرات البورصات للمضاربين الضاربين بكفوفهم على رؤوسهم، ومن خلفهم أرقام لعوب على شاشات رقمية... وها أنت تنتبه إلى نفسك متذكراً بورصة مختلفة تماماً: ترى ماذا حل بالأميركية ناتالي ديلان؟ هل ما زال سارياً المزاد الإلكتروني الذي افتتحته على عذريتها في أيلول الماضي؟ فالصبية المتخرجة من "ساكرامانتو كوليدج" تقول إنها تبيع عذريتها على الإنترنت لتمويل تحصيلها شهادة ماجيستير في "الإرشاد الزوجي والعائلي" بعد نيلها الليسانس في الدراسات النسوية. فهل خفضت سقف المليون دولار؟ أم أن الأزمة الاقتصادية ستقلص دائرة المزايدين، وبالتالي ستدفعها إلى إعادة النظر في السعر؟ يؤكد محرّك "غوغل" أن المزاد مستمر. بل إن الفتاة، على ذمة الخبر، تتلقى عروضاً تترواح ما بين المليون وحوالى الأربعة ملايين دولار! المزاد ما زال قائماً إذاً على موقع bunnyranch.com (بعدما رفض موقع e-bay استضافته)، على أن تُنجز "الصفقة" في ماخور "باني رانش"، بولاية نيفادا، لصاحبه دينيس هوف الذي يقول إن الطالبة الجامعية (٢٢ عاماً) تخطت هدفها المليوني الأصلي، "وقد بدأنا بجمع دفعات تحت الحساب". ويؤكد إنها "لن ترسو بالضرورة على صاحب العرض الأعلى لأنها تريد رجلاً لطيفاً وذكياً"، لذلك فإنها تتحدث على الهاتف مع بعض الجديين من أصحاب العروض لتتعرف عليهم أكثر. بموازاة ناتالي، تطفو صورة امرأة وصفها فيلسوف علم الاجتماع الماركسي، ثيودور أدورنو، في كتابه الشهير "دياليكتيكية التنوير". إذ قالت ناتالي في إحدى المقابلات إنها مستعدة لخوض السجال "فنحن نعيش في مجتمع رأسمالي، لماذا لا أرسمل أنا أيضاً على عذريتي؟" أعرف أن الناس سيدينوني لكني أشعر بالقوة لأني أستخدم ما لدي لتطوير ذاتي". أما امرأة أدورنو فتختصر فكرته (وماكس هوركهايمر) عن "الصناعة الثقافية" ومدلولها السياسي. فقد كتب، في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، عن سيدة من الطبقة العاملة اعتادت ارتياد السينما في المساء... " وبالرغم من الأفلام التي تهدف إلى استكمال اندماجها في المجتمع، تجد ربة المنزل، لبضع ساعات في ظلمة الصالة، ملجأ لا يراقبها فيه أحد، تماماً كما كانت في الماضي تنظر إلى الخارج عبر النافذة، بلا رقيب، في زمن العائلة والأمسيات المخصصة للراحة". المسافة بين الامرأتين ليست بالبَون الذي يخاله المرء. فالقابعة منذ أكثر من ستين عاماً بين سطور أدورنو لم تجنِ، في رأيه، ثمار الثورة الصناعية. تحررت، فصارت تخرج بمفردها إلى السينما، لكن وهم المتعة هذه يحرمها فرصة التحرر من قيدها الاجتماعي ـ الاقتصادي الجديد الذي تكرّسه الأفلام شكلاً ومضموناً، والقيدان عنده سيان. كتب أدورنو أنه "إذا أقفلت الإذاعات ودور السينما فإن الإنسان العادي لن يخسر شيئاً". واعتبر أن "ثقافة العموم" التي يزدري، بالمقارنة مع "جدية" ما يسميه بـ"الثقافة العليا"، ليست سوى مصنع تعليب أفكار وقيم استهلاكية يومية، يهضمها الجمهور، فتمنحه "سعادة ورضى" آنيين يدعّمان سلبيته حيال ظروف حياته وعمله التي تقهرها الرأسمالية. بل يلهي الطبقة العاملة بشكل خاص عن استلابها في العمل، وعن أنها أسيرة استغلال النظام الرأسمالي. وذلك ـ برأيه ـ لأن "الصناعة الثقافية" تقوم على تكرار عالم الحياة اليومية المحبِطة، والمفترض أن المتلقي يسعى إلى الهرب منها، ناهيك عن تغييرها، كما أن النظام الاقتصادي المهيمن يستثمر في هذه التقنيات وهذا الفن بدل استخدام موارده في القضاء على الجوع. لو عاش أدورنو حتى يومنا هذا لربما كان لديه أطنان من الكلام عن التلفزيون والإنترنت، وإن كان الرجل قد تمركز فعلاً، طوال العقود الماضية، وسط دائرة نقد واسعة. هاجمه المدافعون عن المتعة ـ البسيطة والمركّبة ـ في الفن وفي الثقافة الجماهيرية، وعن دور لعبته السينما وموسيقى الجاز في قلب نظم تفكير وشقلبة مفاهيم. اتُّهم بالتعالي الفكري، وجُوبه بإشكالية إن "الثقافة الراقية" ليست معفية بدورها من تبرير الرأسمالية لأن الفلك الذي تدور فيه الأوبرا أو الباليه مثلاً لم يبتعد عن مأسسة النخبوية. كما ناقضه غير المقتنعين بحصر النظرة إلى الثقافة في كونها أداة إيديولوجية للتغيير أو للتعبئة السياسية. فماذا "تقترح" ناتالي الآن وهنا؟ هل يكون مزادها مظهراً جديداً من مظاهر نقض أدورنو، أم إثباتاً لنظريته؟ إن جسدها وحميميته صارا سلعة "عادية" على منفذ من منافذ الثقافة اليومية، أي الإنترنت. لكنهما، في الوقت نفسه، قرار في يدها. هل تبدو ناتالي مستلبة إزاء النظام الرأسمالي، ولو أنها تظن العكس؟ أم أنها تروضه بعدما قبضت على قرنيه لتوجهه إلى حيث ترى مصلحتها؟ هل يصح القول إنها هي التي تستغله لتحقق ثورتها الاجتماعية الخاصة، فترتقي السلم الطبقي بالتحصيل الجامعي؟ أم أنها ضحية وهم إنجازها ذاك، على اعتبار أن هذه المنظومة طوّعت مسار تفكيرها واجتراحها الأساليب الممكنة لجمع المال اللازم لذلك؟ هل تحررت كامرأة تمتلك جسدها (عذريتها) لدرجة أنها هي التي تختار بيعه، والثمن، ومن يدفعه؟ أم أنها "سبيّة" العصر وإعلامه، وربما لاحقاً توعك نظامه الاقتصادي السائد؟ للإجابات وجهان جديران بالتفكير. كلاهما قادر على الصمود كجدلية بذاتها. لكن لناتالي وجه واحد. وجه امرأة كفّت عن تلقي منتجات "الصناعة الثقافية"، وباتت مساهمة في تشكيلها... كحالمة بغدها على طريقتها.

عن السفير

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .