الثلاثاء، 21 أكتوبر 2008

ايمن جزيني: المسيحيون وقوداً

حزب الله يتوسل الحرب بالواسطة

بينما يتوارى "حزب الله" المتلعثم تحت وطأة توجيه سلاحه الى الداخل، فإنه يبدو من الوقائع السياسية اللازمة والشائعة. فالحزب الشيعي يلابس الوقائع السياسية اليومية من طريق منظمات وأحزاب وتيارات مختلفة أبرزها تيار السيّد ميشال عون. ويضطلع هذا الحزب، على رغم الخلافات التي يثيرها بين الاجتماع اللبناني المتدابر وعلى رغم التشكيك في مشروعية منابته ونوازعه السياسية والايديولوجية، بأدوار متعاظمة تتجاوز الحيّز اللبناني لإنفاذ أهدافه.
فالحزب الأمني والعسكري يرفع القوة فوق أي شأن آخر، وهو لا يجيد ممارسة السياسة كعِلم لبناء الدولة، إلا بالخط الأحمر على ما يزعم في صدوره على الحوادث والأفعال، وهو خط الدم المسفوح من حروب الضاحية وإقليم التفاح وصولاً إلى ما حصل في 7 أيار، وقبل ذلك تلويحه بالخط واللون نفسيهما للجيش في نهر البارد.
وعلى هذا ينزع مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب السيّد نوّاف الموسوي في إزدراء، ما يصدر عن الغير، مجتمعاً أهلياً أو دولياً أو دولاً تلزم نفسها معايير عامة ومشتركة، فينكر على قوى 14 آذار عبر الشاشة البرتقالية حرصها على سيادة لبنان لإغفال إعلامها إيلاء الخروق الاسرائيلية الحجم نفسه الذي أولته لانتشار الجيش السوري عند حدودنا الشمالية، مشدداً على أهمية القوة وبنائها لدرء الأخطار الإسرائيلية فقط. كما ينكر الموسوي، الذي يمتهن تلاوة الدراسات المنشورة في الانترنت عبر شاشات التلفزة، ما بذلته حكومة الغالبية يوم كانت "حكومة المقاومة السياسية" لجهة وقف الهجمات الإسرائيلية التي اندلعت مع خطف حزبه وميليشياته المسلّحة جنديين إسرائيليين. فالسلم الهشّ على الحدود الجنوبية نُدين به إلى انتصاراته المذهلة والإلهية. ولا يني الحزب المنصور بإرادة إلهية، يعمل لتأبيد الاجتماع اللبناني على منازعاته المتفاقمة، متوسلاً بمطامحه التي حسم في شرعيتها قرينةً على تصدّع البلد، وعلى ضعف إجماع مكوّناته على معالجة الانقسامات ليؤكّد قصور حاكميه وقياداته عن إدارته إدارةً وطنية جامعة. ويتخذ الموسوي من "هجس" المسيحيين بالحفاظ على وجودهم والسعي في ترسيخه منذ عصف بهم القلق إثر تدمير الجمهورية الأولى وجعل البلد "ساحة" وإنزالها منزلة الدولة، داعياً إلى تعزيز الدور المسيحي في المعادلة السياسية. ويتعمّد التستّر على قيام حزبه، منذ استقرار الأمر للسياسة السورية في بتّ شؤون اللبنانيين، بمقادير متفاوتة من الصلف في إنشاء طبقة سياسية تصدّرتها المنظمات المذهبية المسلّحة والأمنية.
فقد رجح حزب "ولاية الفقيه" الذي يفاخر بأصوله الخمينية كفّة ممثلي الطوائف الموالية للسياسة السورية على كفّة المسيحيين المتحفّظين الذين ما انفكّوا يدافعون عن لبنان الجامع. وسكت حتى البكم عن التنكيل بهم وسجنهم والظنّ بهم وسَوقهم إلى التحقيق لإجبارهم على توقيع تعهّد بعدم مزاولة السياسة لا فكراً ولا اعتقاداً، بينما كان هو يرعى الصعود المتمادي للمنظمات المسلحة، لبنانية وغيرها، وكان يقيم معزله السياسي والأمني والعسكري في حيّزه الأهلي، ويقصر حضور الدولة فيه على الخدمات والإنماء. ويغفل السيّد الموسوي انه حيث استطاع حزبه، فقد صاغ البلد على ركن ووعي جديدين، فأصاب نجاحاً في تصليب طائفته وكتم، أي تشكيك في تسلّطه المتأتي من احتراب أهلي مع حركة "أمل"، المنظمة العسكرية والأمنية ايضاً والتي يقودها رأس السلطة البرلمانية، فضلاً عن سكوته المتمادي على أشكال التمييز الانتخابي والقانوني في حق المسيحيين، وآخر غيثه كان نكوصه حتى عن مؤازرة عون في جلسة إقرار القانون الانتخابي.
والحق أن سياسة الحزب الإيراني الهوى استظلّ السياسة السورية وأصابا معاً نجاحاً لدى بعض موالي النظام السوري من المسيحيين تحت عناوين شراكة في عروبة أهلية تقليدية، إلا أن الهيئات والمراتب السياسية على مثال "لقاء قرنة شهوان" لم تتصدّع تحت وطأة التنكيل والتهميش التي قطعت أوصال الجماعات المسيحية، وتماسكت. فلم تعصف الأهواء الإيرانية والسورية فيها ونزعت إلى إرساء يقظة لبنانية. والحق أنه لولا هذه الجماعة والهيئات وثباتها ومجانبتها المنافسة على المكانة والقيادة، على ما هو سائد حالياً لدى المسيحيين، لكان المسيحيون توزعوا بين هجرة وخضوع.
وكان على "حزب الله" ومسالكه السياسية والأمنية والعسكرية مجانبة السياسة السورية الساعية في تصديع الاجتماع الأهلي المسيحي وتذريره، والارتكاس عن سياسة تخوين كلّ من يطالب بالسيادة والاستقلال والحرية تحت شعار مقاومة الاحتلال الاسرائيلي وان الوجود السوري "شرعي، وضروري وموقت". وتدل سياسات حقبة الهيمنة السورية سواء لجهة تجنيس مكتومي القيد وتفعيل أجندة أمنية في مناطق بعينها والحؤول دون بسط الدولة لسيادتها على الأراضي اللبنانية، أو لجهة تفصيل قانون انتخابي على قياس طوائف معروفة الولاء والنوازع، وتولية الأتباع على الأحزاب المسيحية (الكتائب) وشقّ الأخرى (القوات اللبنانية) وتمديد ولايتي رئيس الجمهورية وقائد الجيش المارونيين (الياس الهراوي وإميل لحود على التوالي)، هذه كلها قرينة على عكس ما يزعمه السيّد الموسوي ورهطه عن حرصه على المسيحيين.
ولعلّ ترجح "حزب الله" بين الحطّ من منزلة المسيحيين زمن الهيمنة السورية ثمّ لبوس دور الحريص على حضورهم بعد إنتفاضة الاستقلال دليل على النزوع وراءهم بعد تعثّر ترجمة التسلّط الشيعي على الاجتماع اللبناني، ثم التوسل ببعضهم على ما أفضت إليه "ورقة التفاهم"، ليخوض نيابة عنهم معركة صون دولة الأقليات على مثال النظام السوري وإسرائيل وبالتوازي مع الدولة الفارسية الإسلامية في إيران. والحق ان هذا الحزب جنح منذ زمن إلى توهّم وحدات سياسية واجتماعية، لحمتها استلهام قلق الأقليات المضطربة، بعدما دمج الشيعة في شعب واحد وقام منهم مقام الوصيّ من القاصر. وهنا يتماثل في مقدماته مع الأنظمة السياسية العروبية والبعثية، التي لا تنفك ترسي دولة القبائل والجماعات لا الأفراد.
في كلامه على "التيّار الوطني الحر"، الحزب الوطني حيناً والخائن والمحرّض على الطائفية أحياناً بحسب "حزب الله" وأقواله خلال الفترات السابقة، قال الموسوي ان هناك قراراً معلناً وواضحاً بالعمل على إلغاء "التيار الوطني الحر". فهو لا يشذّ في حاله ومقاله عن أمثاله وأقرانه الحزبيين لجهة الاختصار وابتسار الحوادث وروابطها وتسللها والانتقال الى النتائج بكلام قاطع وتلاوة نصوص هي اقرب الى التقارير الاستخبارية منها الى السياسة. ويرث السيّد الموسوي في كلامه هذا إرثاً بعثياً رفع الأحكام القطعية وعقدة التآمر فوق كل حرفة سياسية. ويكني في أحاديثه عن القوة التي يملكها حزبه في معرفة كل شاردة وواردة. وعلى هذا ذهب حادي مسيرة "التيار" في تحذير العونيين وإشعارهم بتهديد الإلغاء الذي سبق لجنرالهم أن قام به. التحذير وبثّ العصبيات والخوف يكادان يكونان صلاحية لا يفرّط فيها "حزب الله" لدى الشيعة، والآن بدأ فيها لدى العونيين. وهذا المعنى ليس غريباً على السياسات السورية المديدة في لبنان. فعلى سبيل المثال كان كلّما ارتفع مطلب تنفيذ إعادة انتشار الجيش السوري سارع مواليه واستخباراته الى التحذير من انفجارات طائفية مزعومة، وإلى تحريك مَن أصاب "التسورن" فيهم مقتلاً للحديث عن الغبن والصلاحيات لاستنفار الجماعات الأهلية بعضها على بعض.
لم يعدم "حزب الله" سبباً إلا تذرّع به لتجويز كل أشكال هيمنته وسطوته الأمنية والعسكرية على الاجتماع اللبناني وسلمه الهشّ وكان آخرها "السلاح لحماية السلاح". وربما ينسى "حزب الله" الساكت على الهيمنة السورية والعامل لتوطيدها أن السياسة السورية قادت البلد زهاء ثلاثة عقود على المثال الذي صاغه السيد الموسوي في إثارة الرعب، فحصدت الخسارة، وإن ما كان يجري لا يعدو كونه استتباعاً وإخضاعاً للمسيحيين، ومَن يجب أن يتحرّك هم العونيون للخلاص من سياسات "حزب الله" وعبئها على لبنان واللبنانيين جميعاً.
فهذا الحزب لا يطيق صدور أي سؤال عن دوره والمآل السياسي الذي يسعى فيه ويهذر من أجله. وينسب نفسه الى "طبيعة الهية" على ما يقول النائب علي عمار المتخصّص في الحديث عن العرفان والقيم الروحية وتدبيجها تدبيجاً سياسياً.
لكن ما لا ريب فيه أن قبول قوى الغالبية النيابية بمسالك التسوية على وعورتها أفضى الى تنصّل معظم السياسيين، معارضة وموالاة، من تبعات وحدة الدولة وسيادتها، فيما لا يزال السيد الموسوي يعظنا بالدولة التي يريد. هذا كله وفي البال أن الممثل الفرنسي الكوميدي كلود شابرول قال ذات يوم: الحماقة أفضل من الذكاء وأكثر عمقاً. فالذكاء محدود والحماقة ليس لها حدود



عن النهار


ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .