الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

نصير الاسعد: صدفة ان يحتشد النظام شمالا ويخلي حدوده مع العراق

في ضوء الأحداث الأمنية "الاستراتيجية" في سوريا خلال العام الجاري من اغتيال مغنية إلى الإنزال الأميركي في "البوكمال"

مطلع أيلول 2007، أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على موقع داخل سوريا في منطقة دير الزور. غداة الغارة الإسرائيلية صدر موقف رسمي سوري يؤكد أن سوريا تحتفظ بحق الرد "في الزمان والمكان المناسبيَن". لكن بعد أيام، بدأت الأخبار تتوالى من إسرائيل تارة ومن الولايات المتحدة تارة أخرى، وتفيد أن الموقع المستهدف نووي سوري. ومع الوقت "تبخّر" التوعد السوري بالرد، وحلّ مكانه "تعاون" من جانب دمشق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومفتّشيها. والأهم ان ما حلّ مكان التوعد بالرد على إسرائيل، كان الهرع السوري باتجاه تركيا وباتجاه التفاوض السوري ـ الإسرائيلي غير المباشر بوساطة تركية، بعد هرع نحو المشاركة في "مؤتمر أنابوليس" الذي لم يعمّر طويلاً."الرواية الأميركية" توحي بتواطؤ سوري أول من أمس الاحد، جرى إنزال أميركي داخل الأراضي السورية قبالة الحدود السورية ـ العراقية. وبحسب معلومات صحافية، فقد استغرق الإنزال وقتاً. صدر موقف سوري "يستنكر" العملية الأميركية و"يحتج" عليها ويحمّل الولايات المتحدة مسؤولية التبعات. ويتوعّد بالدفاع عن الأرض السورية في "مرة ثانية".غير ان "الرواية" الاميركية لما حصل في "البوكمال" تقول إن الإنزال إستهدف عناصر تعمل في شبكة مهمتها إرسال المقاتلين من شمال افريقيا والشرق الأوسط الى سوريا ومن ثم التسلّل الى العراق. وتضيف أن "القوات الأميركية إضطرت الى تولي الأمور بنفسها نظراً الى تجاهل سوريا الدعوات الأميركية الى ضبط حدودها مع العراق". "توحي" الرواية الأميركية بأن ثمة تواطؤاً سورياً مع "تولي القوات الأميركية الأمور بنفسها". وفي هذه الحالة، يكون الإستنكار السوري غطاء لذلك التواطؤ أي تغطية عليه. والحال انه لا يمكن إستبعاد هذا "السيناريو" في أي تحليل. إغتيال مغنية.. وتواطؤ دمشق منذ بضعة شهور ابتداء من العام الجاري، تشهد سورياً أحداثاً أمنية "تبدو" غامضة أو مفاجئة. في شباط الماضي، جرى إغتيال القيادي في "حزب الله" عماد مغنية في دمشق. في الإطار الرسمي، أعلن النظام السوري أن التحقيق في الإغتيال سيتواصل حتى إكتشاف الحقيقة. وبالمناسبة لا يزال التحقيق مستمراً الى اليوم بعد مرور نحو تسعة أشهر ومن دون نتيجة. أما في الإطار "شبه الرسمي" فإيحاء بأن الإغتيال فعلٌ إسرائيلي على الأرض السورية، فيما يعلن "حزب الله" أن الإغتيال نتيجة لـ"خرق أمني" إسرائيلي في سوريا. وأخذاً في الإعتبار ما يقال سورياً بشكل "شبه رسمي" من أن إغتيال مغنية فعلٌ إسرائيلي على الأرض السورية، وما يرجّحه "حزب الله" بشأن "خرق أمني" إسرائيلي في سوريا، لا يمكن في مجال الحديث عن المسؤوليات في إغتيال مغنية إلا »الإختيار« بين ثلاثة إحتمالات، كل واحد بينها "مرّ". فإما أنّ الداخل السوري مباحٌ ومتاح للمخابرات الإسرائيلية، وإما ثمة تواطؤ مخابراتي سوري مع المخابرات الإسرائيلية، وإما ان المخابرات السورية هي من قتل عماد مغنية. ذلك أن اللافت على هذا الصعيد، هو "التزامن" بين الإغتيال من جهة وإنطلاق التفاوض السوري ـ الإسرائيلي غير المباشر بـ"تأثير" الضربة الإسرائيلية للموقع النووي السوري قبل خمسة أشهر من الإغتيال نفسه من جهة ثانية.
الضوء إلى اليمين و"اللفّ" إلى .. الشمال
في أيلول الماضي، وقع انفجار في دمشق. تحدث النظام السوري رسمياً عن عملية تخريب إرهابية استهدفت العاصمة السورية. وفي "مناخ" هذا الانفجار تكررت الأنباء الآتية من سوريا عن "إشتباكات" بين الأجهزة السورية ومجموعات متطرفة إرهابية. وفي "المناخ" نفسه أطلق النظام السوري كلامه عن تحوّل طرابلس والشمال اللبناني الى "قاعدة للتطرف والإرهاب" تهدّد أمن سوريا، وصولاً الى نشر قواته قبالة الحدود الشمالية للبنان تحت عنوان منع التهريب ومنع التسلّل حيناً وعنوان تنفيذ القرار 1701 حيناً آخر.التطمينات الأوروبية حيال الإنتشار شمالاً واللافت في هذا المجال، هو ما يتصل بعدد من الأمور.
ما يلفت أولاً أن يكون النظام السوري "محتشداً" داخل حدوده قبالة الحدود مع لبنان و"تاركاً" حدوده مع العراق في الوقت نفسه. هذا مع العلم ان "إدعاءه" يقوم على منع تسلل الإرهاب من لبنان الى سوريا ومنها الى العراق، أي على منع الإرهاب من استخدام الأراضي السورية ممراً. وما يلفت ثانياً، هو انه في مقابل المخاوف اللبنانية من الحشود السورية، والتي برزت بإزاء "النبرة" السورية العالية ضد لبنان وتوازنه السياسي القائم، كانت ثمة تطمينات أوروبية للبنان بأن الانتشار السوري لا هدف لبنانياً له أي أنه لا يمهّد لأي دخول ـ مرفوض وممنوع دولياً ـ الى لبنان. وزادت هذه التطمينات بأن للانتشار علاقة بـ"شيء ما" داخل سوريا، "يبدو" الآن أنه عملية تطويق للشبكات التي كان النظام أسسها أو تعاون معها لأغراض "شتى" في لبنان والعراق.
لقاء رايس ـ المعلم
وما يلفت ثالثاً، هو أن لقاء جمع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بوزير خارجية النظام السوري وليد المعلم قبل بضعة أسابيع، توازياً مع الانتشار السوري شمالاً. وللتذكير فإن اللقاء تم في حينه على ثلاث مراحل: "دردشة" ـ أو "وشوشة" ـ بين المعلم ورايس، ثم لقاء بين المعلم ومساعد رايس ديفيد ولش، ثم اللقاء الثنائي. وبـ"الطريقة" التي عبّر الموقف الأميركي عن نفسه حيال الانتشار السوري قبالة الحدود اللبنانية، وهي طريقة "جمعت" بين عدم استنكار الانتشار والتذكير بأن لبنان "خط أحمر"، يمكن إستنتاج أن اللقاء الأميركي ـ السوري "تركّز" على التعاون السوري مع أميركا بشأن "محاربة الإرهاب"، لا سيما في العراق.الإتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن إن الأمور الثلاثة السالفة الذكر لافتة في حد ذاتها. بيدّ أن أهميّتها تزداد بالعلاقة مع التوقيت السياسي. ذلك أنها تتزامن مع البحث "الحثيث" في الاتفاقية الأمنية ـ العراقية. وليس خافياً في هذا السياق أن إقرار الاتفاقية الأمنية يعني ـ عندما يحصل ـ أن القوات الأميركية الموجودة في العراق ـ ومن ضمنه الحدود مع سوريا ـ جزء من "السيادة العراقية"، وأن إقرارها يعني "التشدّد" مع "دول الجوار" التي يأتي منها ريح. وهذه الدول هي عملياً دولتان: سوريا وإيران. وإقفال الممرّ الإرهابي من سوريا الى العراق، ستكون له نتيجة على صعيد محاصرة الدور الإيراني عراقياً.الأحداث الأمنية "الاستراتيجية".. من دون غفلة مما تقدم، لا يُستنتج فقط أن لا مبرّر أو منطق لاستبعاد "إخلاء" السلطات السورية منطقة الإنزال الأميركي "كي تقوم القوات الأميركية بالمهمة بنفسها"، بل يمكن أيضاً استنتاج أن النظام السوري بـ"طريقته" و"أسلوبه" إنما يتطبّع مع دفتر الشروط الدولي. وإلا كيف يمكن لسوريا حدوداً وداخلاً أن تصبح خلال بضعة شهور مسرحاً لأحداث أمنية "استراتيجية" على تقاطع مع معطيات إقليمية سريعة التحرّك؟ وهل صدفة »أنها تحبل« على الحدود مع الشمال لتلد على الحدود مع العراق؟.وفي حال كان في الأمر "شيء" آخر، لن يكون النظام السوري أكثر إرتياحاً.. خصوصاً إذا كان ثمّة "مرة ثانية" أميركية اي إذا كان ثمّة نيّة أميركية بـ"توضيح خطّي" لدمشق، بفعل تباطؤ ما أو تجاهل أو تأخّر.

عن المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .