الاثنين، 27 أكتوبر 2008

بلال خبيز: الموت في لبنان والشكوى في سوريا

سوريا المحظوظة
يثير الخطاب الرسمي السوري في نفس اللبنانيين بعضاً من الحسد. لا يتأتى الحسد طبعاً من مستوى الرفاهية التي يتمتع بها الشعب السوري. وطبعاً لا احد في وسعه ان يتحدث عن اتساع هامش الحريات في سوريا مقارنة بمثيله اللبناني. (مراسلون بلا حدود لاحظوا ان الصحافة في سوريا، حرية وقدرة على التعبير، تقع في ذيل القائمة، رغم ان ليس ثمة من احرق مكاتب تلفزيونات في دمشق او اطلق قذائف صاروخية على مبنى جريدة، إلا ان العمل الصحافي في سوريا لا يقارن من حيث اتساع هامش حريته بمثيله اللبناني). كذلك لا يمكننا ان نفكر ان سوريا التي تعاني من احتلالين لقسم من اراضيها، واحد تركي، وان بات ممتنعاً على التداول الخطابي اللفظي، وآخر اسرائيلي في الجولان. وهو امر لا يعاني منه لبنان راهناً على الأقل. ايضاً، ليس في وسع اللبناني ان يحسد السوريين على قوة شكيمة دولتهم ومتانة العقد الاجتماعي الذي يربط بين مواطنيها، فسوريا منذ فجر استقلالها تعاني من رهاب التطرف. إذ لطالما كانت ارضاً خصبة لكل انواع التطرف بصرف النظر عن الرأي بنوعية هذا التطرف وضروراته واهميته. وسوريا ايضاً لم تكن في منجاة من الصراعات الطائفية التي يعتبرها اللبنانيون علة العلل. فحوادث 1860 الأعنف جرت في دمشق، وان كانت النتائج السياسية التي تمخضت عن تلك الحوادث اتصلت بلبنان اكثر من اتصالها بسوريا في ذلك الحين. ولا نستطيع ان ندعي ان سوريا دولة مرهوبة الجانب يخشاها اعداءها ويحسب لها جيرانها الف حساب. فحيث قُدّر للسياسة السورية ان تتدخل خارج اراضيها تكبدت في ما تكبدت خسائر فادحة في السمعة السياسية فضلاً عن الخسائر المادية المباشرة. لكن هذا كله لا يمنع اللبنانيين من الشعور بالحسد.
سبب الحسد لا تخفيه غابة من المضمرات والموضوعات والحيثيات التي تجعل من سوريا ما هي عليه وتجعل من لبنان ما هو عليه. الحسد يتأتى من كون سوريا تستطيع الانتصار من دون حرب، وتستطيع الاحتفال من دون عيد. ذلك ان سوريا منذ نشأتها قامت على فكرة انها ليست اكثر من نواة صغيرة، ومركزية للوطن العربي الأكبر. والحال ليست سوريا طامعة في تحقيق استقلالها عن غيرها، سوريا طامعة في الاندماج بغيرها، لذا لا يفكر السياسي السوري مرتين حين ينسب انتصار الفلسطينيين بالدم والقهر والمعاناة إلى سوريا، وحين ينسب انتصار اللبنانيين إلى سوريا ايضاً. ولا يتردد السياسي السوري كثيراً في اعتبار ان حزب الله او حتى ايران تخدمه وهو لا يخدمها. ذلك ان سوريا حتى اليوم ما تزال مشروعاًَ، ان في مفكرة الحزب القومي السوري الذي يواليها اليوم ولاء التابع لسيده، او في افكار البعث الذي يحكمها منذ عقود. سوريا لم تستكمل حدودها، هي على ما اسلفنا نواة صغيرة نقية وطاهرة من اصل المشروع العربي الكبير. ولأنها طاهرة ونقية ولا يأتيها الباطل من اي جهة، ودائماً بحسب القيادة السورية، فإنها تجيز لنفسها، اي هذه القيادة ان تخوّن من تريد تخوينه وان تطلق الصفات التي تشاء على من تريد ان تطلقها. حتى مصر نفسها لم تنج من مثل هذه الاحكام السورية. مصر التي حاربت اسرائيل، ولطالما ردد السوريون انفسهم ان لا حرب من دون مصر، تتحول إلى بلد تحكمه حفنة من الخونة والمستسلمين في عرف النظام السوري. ولا يتورع النظام السوري عن اتهام الممكلة العربية السعودية بتهم مماثلة، لأن قادتها لا يرون رأيه، فيما تحجم الدول العربية الاخرى، كبيرها وصغيرها عن سلوك هذا المسلك الخطر.
الأرجح ان النظام السوري وهو يجيز لنفسه نسبة الانتصارات التي يحققها غيره إليه لا يقف عند حد، فحتى التدخل الروسي في جورجيا بدا بالنسبة للنظام انتصاراً سورياً لا لبس في وضوحه. مستعيداً، على انعدام حيثيات ومعطيات، وضعاً سابقاً لانهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي. بل ان الازمة المالية التي تعصف بدول العالم اليوم من اقصاه إلى اقصاه، تظهر في عين النظام السوري نوعاً من الانتصار الساحق. العالم ينهار لكن سوريا بخير. مثل هذه الإجازات التي يجيزها النظام لنفسه، تفعل فعلها في المنطق الذي يستوي عليه اي خطاب، اكان الخطاب معارضاً للسياسة السورية ام كان موالياً لها. فلا يكف المعارضون للنظام السوري عن الانزلاق من نعي الوحدة العربية نحو نعي الرابطة العروبية برمتها، ولا يكف الذين يرون خلاف ما يراه الخطاب الرسمي السوري عن الانزلاق نحو استسهال حل القضايا الشائكة التي تحف بالمنطقة من كل جانب، بافتراض ان العناد السوري هو السبب في تعقيد الازمات. فلا يندر ان يقرأ المرء كل وقت كلاماً متسرعاً يفيد ان فرص السلام العربي – الإسرائيلي اهدرت بسبب رغبة سورية بالسباحة في بحيرة طبريا، مما ينفي عن المشكلة بين اسرائيل وجيرانها تعقيدات لا حصر لها ويبسط الحلول بطريقة لا تخلو من خفة من يريد ان يتخفف من كل حمل.
رغم ذلك كله، لا تفعل سوريا شيئاً سوى الانتظار. سوريا دولة موقوفة ووطن ناقص إلى ان يتم النصر النهائي وحل المشكلات جميعاً ومعاً وفي آن. وسوريا الموقوفة هذه لا تسمح لمن يريد محاسبتها ان يحاسبها لهذا السبب بالذات.
في العلاقة مع لبنان، ثمة سبب حاسم للحسد. سبب تظّهر حيثياته وقائع الاسابيع القليلة الماضية. حيث تشكو سوريا، نظاماً وإدارة، من خطر ارهابي قد يطاولها من شمال لبنان. لكن وقائع السنوات الماضية تدل ايما دلالة على كون لبنان هو المتضرر الفعلي من نشاط الارهاب المتطرف. فالمتفجرات تطاول اللبنانيين وتزهق ارواحهم، بوتيرة اعلى بما لا يقاس من الوتيرة التي تصيب السوريين. وطبعاً لا احد يستطيع ان يقارن بين وضعية سوريا كهدف للإرهاب الاصولي ووضعية العراق، لكن الإدارة السورية تملك دائما حجتها. اللبنانيون والعراقيون يتعرضون للموت والاغتيال والاضطرابات الامنية والإدارة السورية هي من يرفع شكواه عالياً واعلى من شكاوى الجميع. والحق انه في وسع اي كان، نظاماً كان ام شخصاً، ان يشكو كما يحلو له، لكن الخطر كل الخطر يكمن في ان كثيرين في هذا العالم يستمعون للشكوى السورية اكثر مما يستمعون لشكاوى الآخرين.
ألم يكن في وسع اي سياسي لبناني، ان يستكمل خطاب الوزير محمد الصفدي في طرابلس، حين قال ان طرابلس ليست مصدراً للإرهاب بل هي ضحيته؟ فيضيف، ما بال النظام السوري يتهمنا بتصدير الإرهاب إليه ويريد معاقبتنا مرتين: مرة حين نتعرض للتفجيرات وعمليات الاغتيال، فلا يرى النظام السوري في هذا الاستهداف سبباً للتضامن، بل يتخذ من المعاناة اللبنانية حجة لتأكيد دعواه ان البلد يعج بالإرهابيين، ومرة اخرى حين نتعرض للتهديد في مدننا وقرانا، ونخسر من ارواح مواطنينا وجنودنا، ثم يدعي ان الإرهاب يشكل خطراً عليه، في وقت عانى لبنان طوال الاعوام الثلاثة الاخيرة، من عمليات اغتيال طاولت مقدمي البلد ووجهائه وحيداً ومن دون ان يسمع انينه احد. هذا رغم ان النظام السوري لم يكف عن اتهام العدو الإسرائيلي بهذه العمليات إلا انه لم يكف ايضاً عن اتهام القتلى بالتجسس لصالح قاتلهم.

عن موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .