السبت، 18 أكتوبر 2008

بول كروغمان انعدام الكفاءة الاميركية

هل ينقذ براون النظام المالي العالمي؟


حسنا. السؤال سابق لاوانه، فنحن ما زلنا لا نعرف على وجه التحديد الشكل الذي ستتخذه عمليات الانقاذ المالية في اوروبا او حتى في الولايات المتحدة، ناهيك عن معرفة ما اذا كانت تلك العمليات ستثبت جدواها. لكن ما نعرفه هو ان براون ووزير الخزانة البريطاني اليستير دارلنغ قد حددا طبيعة عملية الانقاذ العالمية تاركين لبقية الدول الغنية ان تلحق بهما.

وقد كان هذا تطورا غير متوقع للاحداث، فالحكومة البريطانية شريك صغير فيما يتعلق بشؤون العالم الاقتصادية. صحيح ان لندن تعتبر واحدة من اهم المراكز المالية في العالم، لكن الاقتصاد البريطاني اصغر من الاقتصاد الامريكي بكثير، وليس لدى بنك انجلترا ما يشبه تأثير اي من الاحتياط الفدرالي الامريكي او البنك المركزي الاوروبي، ولذلك لا يتوقع المرء ان يرى بريطانيا تلعب دورا قياديا.

لكن حكومة براون اظهرت استعدادها للتفكير الجلي بالازمة المالية والتصرف بسرعة فيما يخص نتائجها. وكان هذا المزيج من الجلاء والتصميم هو بالضبط ما لم تماثله فيه اية حكومة غربية اخرى وبالاخص الحكومة الامريكية.

فما هي طبيعة الازمة؟ يمكن للتفاصيل ان تكون بالغة التعقيد، لكن الاساسيات بسيطة نوعا ما. فقد ادى انفجار ازمة الاسكان الى خسائر كبيرة لحقت بكل من اشترى موجودات او اصولا مدعومة بتسديدات رهنية، وقد تركت تلك الخسائر الكثير من المؤسسات المالية مثقلة بديون كثيرة ورأسمال قليل مما اثر على قدرتها على تقديم الائتمان اللازم لتغطية احتياجات الاقتصاد. حاولت المؤسسات المالية المتضررة مواجهة ديونها وزيادة رأسمالها عن طريق بيع موجوداتها او اصولها، لكن ذلك ادى الى خفض اسعار الاصول الامر الذي ألحق المزيد من الانخفاض على رساميلها.

ما الذي يمكن فعله لمعالجة الازمة؟ تقديم العون لاصحاب المنازل قد يكون اجراء مرغوبا به، لكنه غير قادر على منع الخسائر الكبرى من ان تلحق بالقروض السيئة، كما انه في جميع الاحوال سيكون ذا تأثير بطيء جدا لا يجعله مفيدا في معالجة حالة الذعر الراهنة. الاجراء الطبيعي، اذن، وهو الحل الذي تم تبنيه في الكثير من الازمات المالية السابقة، هو معالجة مشكلة عدم كفاية رأس المال بقيام الحكومات بتقديم المزيد من رأس المال الى المؤسسات المالية مقابل حصول الحكومات على حصة في ملكية تلك المؤسسات.

هذا النوع من التأميم الجزئي المؤقت، هو الحل الذي يقترحه الكثير من الاقتصاديين للازمة، وقد علمت صحيفة نيويورك تايمز من مصادر موثوقة انه كان، ايضا، الحل الذي فضله بين بيرنانك، ريس مجلس ادارة الاحتياط الفدرالي الامريكي.

لكن هنري بولسون، وزير الخزانة الامريكي، اعلن خطته القائمة على تقديم 700 مليار دولار للانقاذ المالي، رافضا ذلك الحل الواضح قائلا "هذا ما تفعله عندما تواجه الاخفاق" ودعا الحكومة، بدلا عنه، الى شراء السندات المسمومة المدعومة بضمانات رهنية استنادا منه الى النظرية القائلة" حسناً، ليس من الواضح ابدا على اية نظرية استند.

في هذه الاثناء، توجهت الحكومة البريطانية الى قلب المشكلة مباشرة، وتحركت لمعالجتها بسرعة مذهلة. ففي يوم الاربعاء، اعلن مسؤولو حكومة براون عن خطة لتنفيذ عمليات التأميم الجزئي المؤقت لعدد من البنوك البريطانية مدعومة بضمانات لديون البنك من المقدر لها ان تعيد تشغيل عملية الاستدانة بين البنوك التي تشكل مرفقا حرجا في الالية المالية. وفي يوم الاثنين تم تسليم الدفعة الاولى من الاموال المخصصة لهذا الغرض، اي خلال خمسة ايام من اعلان الخطة.

وفي اجتماع خاص للقمة الاوروبية عقد يوم الاحد، اعلنت الاقتصادات الرئيسية في القارة الاوروبية استعدادها لان تحذو حذو بريطانيا وذلك بضخ مئات المليارات من الدولارات للبنوك مصحوبة، في الوقت نفسه، بقيامها بضمان ديون تلك البنوك. وزير الخزانة الامريكي بولسون، وبعد ان اضاع اسابيع ثمينة في حساب الازمة، غير توجهاته وها هو الان يخطط لشراء الاسهم العادية من البنوك المتضررة بدلا من شراء ضمانات الرهن السيئة، لكنه ما يزال يتحرك ببطء مؤذ.

كما سبق لي وان قلت في مطلع هذا المقال، فاننا ما نزال لا نعرف ما اذا كانت هذه الخطوات ستثبت جدواها، لكن السياسة في آخر المطاف هي التحرك تبعا لرؤية واضحة لما ينبغي عمله، ومن شأن هذا ان يثير السؤال التالي: لماذا كان على هذه الرؤية الواضحة ان تأتي من لندن وليس من واشنطن؟

من الصعب تفادي الاحساس بان ردة فعل بولسون الاولى جاءت مشوهة بفعل الايديولوجيا، وعلينا ان نتذكر انه يعمل ضمن ادارة يمكن تلخيص فلسفتها في الحكم بالعبارة التالية "الخاص جيد والعام سيئ". وهي فلسفة تجعل من الصعوبة بمكان مواجهة الحاجة القائمة الى تحقيق ملكية حكومية جزئية في القطاع المالي.

كما اني اتساءل عن المدى الذي ساهم فيه تجهيل الحكومة تحت ادارة بوش في تخبط بولسون، فقد تم طرد جميع ذوي المعرفة والتخصص من جميع مرافق الجهاز التنفيذي للحكومة حتى لم يعد هناك في وزارة الخزانة من يمتلك المكانة والخلفية اللتين تؤهلانه لان يقول لبولسون انه يخبط خبط عشواء.

الا ان من حسن حظ الاقتصاد العالمي ان يكون غوردون براون والمسؤولون في حكومته مدركين لما يقومون به، ولعلهم ينيرون لنا السبيل في خضم هذه الازمة.

عن المركز الدولي لدراسات اميركا والغرب


ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .