الجمعة، 24 أكتوبر 2008

فادي حدادين: لا بديل موجود





ازمة الرأسمالية؟








هل تعد هذه "أزمة الرأسمالية العالمية" الأخيرة، إذا ما اقتبسنا ادعاءات معظم الكتاب العرب، إن لم نَقُل كلهم؟ لقد قيل أن الأزمة التي تقضي على الرأسمالية تحدث أثناء كل ركود وأزمة مالية منذ ان تنبأ كارل ماركس بسقوط الرأسمالية في منتصف القرن التاسع عشر. وبالرغم من اعترافي بالتقليل من مستوى حدة هذه الأزمة المالية، الا انني على ثقة من أن النمو الاقتصادي العالمي سيتواصل في ظل اقتصاد رأسمالي في أساسه.
فلنضع بالاعتبار، على سبيل المثال، مرور كل من إجمالي الناتج المحلي العالمي والتجارة العالمية بنمو غير مسبوق في العقد الذي تلى التنبؤات بسقوط الرأسمالية العالمية في أعقاب الأزمة الآسيوية في التسعينيات من القرن العشرين. وأتوقع أن يتواصل النمو الاقتصادي العالمي القوي في حال تغلبت الولايات المتحدة على الصعوبات المالية الحادة الحالية.

هل كان مدى مشاركة الخزانة الأميركية ومصرف الاحتياطي الفيدرالي في الأسواق المالية خلال الأسابيع القليلة الماضية مبرراً؟ بالتأكيد، كان هناك اعتقاد واسع النطاق خلال الأسبوع الماضي، لدى كل من المسؤولين الحكوميين والمساهمين في الأسواق المالية، بالانهيار التام لأسواق الأسهم قصيرة الأجل. وبالرغم من قلقي العميق بشأن وجود سيطرة حكومية أكبر على التعاملات المالية، فقد توصلت، على مضض، إلى أن التدخل الملحوظ كان مبرراً لتجنب انهيار كبير قصير الأمد للنظام المالي من شأنه أن يدفع بالاقتصاد العالمي إلى حالة ركود كبيرة.
ولكن علينا وضع المخاطر المحتملة لهذه التحركات الحكومية بالاعتبار:
1- قد يجد دافعو الضرائب أنفسهم عالقين بمئات المليارات، وربما ما يزيد على الترليون دولار من الخسائر الناتجة عن التأمينات المختلفة والتعهدات الحكومية الأخرى. وبالرغم من تضخيم وسائل الإعلام العالمية لهذه الاحتمالية من خلال عناوين أنباء مثل: (750 مليار دولار للإنقاذ!)، الا انه غير المرجح إلى حد بعيد أن تكون الخسارة بذلك الحجم شريطة ألا يقع الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود كبير متواصلة.
2- تبعث الأخطار المعنوية الناشئة عن هذه التحركات إلى القلق بكل تأكيد. فمن ناحية، لقد قضي على أسهم المساهمين والإدارة في (فاني ميه) و(فريدي ماك) و(بير ستيرنز) و(إيه آي جي) و(ليمان براذرز) بأكملها تقريباً، بحيث أنها لم تُستثن من الخسائر الكبيرة. ومن ناحية أخرى، إن ذلك يصعّب الحصول على أسهم إضافية للشركات التي تعاني من المشاكل لأن المزودين سيتوقعون هلاك رأسمالهم في أي برنامج مساعدة حكومية مفروض في المستقبل. علاوة على ذلك، فقد تمتع حاملو السندات في (بير ستيرنز) وتلك الشركات الأخرى بحماية شبه تامة، مما يعني ضمناً ميل التمويل المستقبلي نحو السندات وبعيداً عن الأسهم حيث سيتوقع حاملو السندات حماية من الاستجابات الحكومية للشدائد، لا تتوفر للمشاركين في الأسهم.
3- يثير التأمين الكامل لسوق المال في البنوك الاستثمارية مخاطر معنوية جادة. فحيث أنه من غير المرجح أن يكون ذلك التأمين مؤقتاً فقط، سيكون لدى هذه البنوك الحافز للقيام بمخاطر أكبر في استثماراتها لأن التزاماتها قصيرة الأجل في أموال المودعين في أسواق المال تتمتع بحماية حكومية كاملة. لقد شكل هذا النوع من الحماية أحد العوامل الرئيسة في أزمة "الادخارات والقروض" في ثمانينيات القرن العشرين، وقد يكون لها دلالة أكبر في قطاع البنوك الاستثمارية الأكبر بكثير.
4- تم ارتكاب عدد من الأخطاء في تحركات الحكومة في الأسواق المالية خلال الأسابيع القليلة الماضية. يمثل حظر عقود البيع القصيرة مثالاً على النهج المتكرر في معالجة الصعوبات في الأسواق المالية وغيرها؛ وبالتحديد: "أقتل الرسول". فعمليات البيع القصيرة لم تسبب الأزمة ولكنها تعكس الاعتقادات بالمدة المتوقعة لاستمرار الهبوط. وتؤدي محاولة منع التعبير عن هذه الاعتقادات إلى كتم معلومات مفيدة، وتخلق مشاكل جدية بالنسبة للعديد من صناديق الاحتياط التي تستخدم عمليات البيع قصيرة الأجل للتحوط من مخاطر أخرى أيضاً. كما أن منع ذلك قد يثير ذعراً أكبر في أسواق أخرى.
5- كما ان هناك مخاطر سياسية محتملة لهذه التحركات الحكومية. فقد كان ينبغي إغلاق (فاني ميه) و(فريدي ماك) منذ وقت طويل أو تحويلهما إلى مؤسستين خاصتين دون حماية تأمينية حكومية لأعمال الإقراض فيهما. فقد كانت مشاركتهما المكثفة في الأوراق المالية المدعمة بالرهن أحد أسباب التمويل المفرط للرهون السكنية. ولكني أخشى من قيام الكونغرس بإعادة تشكيل هاتين الشركتين بصورتهما الأولى تقريباً، وبمهمة مواصلة توسيع سوق الرهون بصورة زائفة.
6- هنالك تأثيرات بعيدة الأمد للتدخل الحكومي، وستظل ملازمة لنا لجيل كامل. بالنسبة لكافة مشاكلها الأخيرة، فقد أحدثت أسواق الأسهم الأميركية الديناميكية ازدهار البلاد الفريد. ومن حيث الأساس، يعد إضعاف هذه الأسواق من أجل التخفيف من الاضطرابات قصيرة الأمد أمراً ينم عن قصر نظر بالغ.
أوافق على أنه ربما تكون "الإصلاحات" ضرورية، ولكن ينبغي على محبي الحكومة أن يكونوا متنبهين لخنق المهام المشروعة لهذه الأدوات القوية في التمويل المعاصر.
زيادة على ذلك، ينبغي على خبراء الاقتصاد والمحللين السياسيين والصحافيين والمفكرين في العالم العربي أن يضعوا حجم هذه الأزمة في المنظور. وبالرغم من أن هذه هي الأزمة المالية الأكثر حدةً منذ "الكساد العظيم" في ثلاثينيات القرن العشرين، الا انها أزمة أصغر بكثير ولا سيما من حيث آثارها في الإنتاج والتوظيف: اذ بلغ معدل البطالة حوالي 25% خلال معظم ذلك العقد من 1931 وحتى 1941، مع انخفاضات حادة في إجمالي الناتج المحلي. ولكن إجمالي الناتج المحلي الأميركي لم ينخفض من حيث الأساس خلال هذه الأزمة، وبلغ معدل البطالة حوالي 6.5% فقط. من المرجح أن يزداد هذان الرقمان سوءا ، ولكن ليس لهما أبداً أن يقاربا تلك التي كانت في ثلاثينيات القرن العشرين.
ستنجو الرأسمالية من الأزمة المالية الحالية، حتى وإن أدت إلى ركود كبير (الأمر الذي قد لا يقع). وستنجو نظراً لانه ليس هناك من بديل الا واثبت عدم اهليته بشكل قاطع. فالبدائل السوفياتية، والماوية، والإيطالية الميركنتلية (الفاشية)، والكوبية، والفنزويلية، وغيرها، تمثل بدائل غير جذابة على أقل تقدير!
لن تؤدي الأزمة الحالية - ولا ينبغي لها- إلى استبدال رأسمالية السوق الحر بنظام بديل للإدارة الاقتصادية. وان كانت لديكم براهين قاطعة لنظام آخر أفضل من النظام الرأسمالي من حيث تحسين أوضاع البشر على كافة الصعد، نرجو إعلامنا بها!
وبالرغم من أن الأزمة قد أدت إلى تغيير الحد بين السوق الحرة والحكومة لصالح الأخيرة، فإنني ما زلت متفائلاً في مستقبل رأسمالية السوق الحر باعتبارها النظام الوحيد الذي يجسد النمو الاقتصادي والريادة والتسامح واحترام الكرامة الإنسانية.


فادي حدادين: محلل اقتصادي في معهد كيتو، واشنطن العاصمة، ورئيس تحرير مشروعها الصادر باللغة العربية، "مصباح الحرية".

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .