السبت، 11 أكتوبر 2008

بشارة شربل جنرالان متعاكسان


الميشالان... ومفارقات الزيارتين




تشاء الصدف أن يتوجه الجنرال ميشال عون الى طهران في اليوم الذي يتوجه فيه الجنرال ميشال سليمان إلى الرياض. وبين الميشالين مثل ما بين العاصمتين اختلاف أسلوب وافتراق أهداف.زيارتان سياسيتان بامتياز، لكن لا يمكن إغفال الرمزية الدينية والمذهبية للبلدين المقصودين ولا الهوية الطائفية للزائرين الكريمين. والأكيد أنه لو تمت الزيارتان في ظروف بلد طبيعي وهادئ لشكلتا نقطة مضيئة في الحوار المسيحي - الاسلامي، السني والشيعي على السواء، ولأعادتا لميزة لبنان بريقها ولمسيحييه الدور الحقيقي الذي يفترض أن يلعبوه من أجل وجودهم في هذه المنطقة ومن أجل الحوار بين الحضارات والأديان والثقافات.كانت اللياقة تقتضي من الجنرال عون ألا يسارع إلى زيارة إيران قبل أن يزورها رئيس جمهورية لبنان، فهذه المحطة واردة أصلا في جدول زيارات سليمان، وكان اللبنانيون ينتظرونها ليبعثوا رسالة واضحة الى الجمهورية الاسلامية مفادها أنه حان وقت التعامل مع دولة لبنان قبل دويلة "حزب الله". لكن الجنرال، المستاء من مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد هيل لتجاهله إياه أثناء زيارة الأخير للبنان، عجّل في تلبية نداء ملالي إيران، إما بلسمة لكرامته السياسية المجروحة من الأميركان، أو لأن الايرانيين "فرشوا له السجادة" قبل الأوان ليقولوا للسعودية إن زعامة المسيحيين التي لا يستقبلونها مرحب بها على أعلى المستويات في طهران، وأن رئيس الجمهورية المسيحي الذي يستقبلونه يشبه في الفاعلية بابا الفاتيكان ولن يغنيهم عن مصالحة حليف دمشق و"حزب الله" والسلاح.واقع الأمر أن الفرق بين العاصمتين يشبه تماماً الفرق بين الجنرالين، فالرياض مثل ميشال سليمان تمثل الاعتدال وتدوير الزوايا والحرص على قيام الدولة والمؤسسات، في حين، أنّ عون يتماهى مع طهران في الخروج على منطق الدول والاعراف وفي الحض على الاضطراب والانقلاب... فأرض الحرمين تمارس الوسطية منهجاً، وجمهورية آيات الله تدفع بالخيارات الدينية والمذهبية الى اقصى التوترات. هذه تساعد الدولة اللبنانية لتقف على أرجلها من جديد، وتلك تدفع "المال الشريف" لنقض أسس الميثاق وتغليب فريق على آخر.يزور جنرال الرابية طهران مكملاً مسيرة بدأها منذ ثلاثة أعوام، جوهرها تحقيق المكاسب السياسية مهما كانت الوسائل، وظلّها النظري تحالف موهوم بين المسيحيين والشيعة والأقليات على حساب السنة في المنطقة ولبنان. وإذ تعطي التطوّرات للجنرال عون أحياناً بعض الصحة في التحليل والتوقعات بدءا من نتائج "حرب تموز" وصولا الى عودة الدفء الى علاقات واشنطن بدمشق، فإنّ ترجمته السياسية لنتائج التوقعات تأتي مخالفة للمبادئ والأسس التي قام عليها لبنان. والأكثر دلالة في هذا الشأن ما يؤخذ عليه من ترحيبٍ فج بغزوة بيروت وحملة شرسة على سنة لبنان وحرف الأنظار عن السلاح غير الشرعي وتسليط الضوء على "الإرهاب السني" في الشمال، ورش الملح في الجرح المسيحي، ونبش القبور، ورمي الخصم وحده بوصمة الارتكابات.يحتاج لبنان حتماً الى علاقة قوية مع طهران، لكنه يحتاج كذلك الى علاقة سوية معها، فلا تشجع حلفاءها على أخصامهم السياسيين ولا الشيعة على السنة ولا بعض المسيحيين على بعض المسيحيين. والأهم من ذلك أن تتوقف طهران عن اعتبار أرض لبنان ورقة في ملفها النووي، وحياة اللبنانيين جزءاً من نفوذها الاقليمي... والجنرال عون الذاهب الى طهران على خلفية عدائه المستمرّ للسنة وخصومته العنيفة مع "14 آذار" وحلمه الموؤود في الرئاسة، لن يعبّر حتماً عن مصلحة كل لبنان، بل عن رأيه الذي ينقسم حوله اللبنانيون وتوجهاته المتعارضة مع اتفاق الطائف ونهجه الذي لا يوصف اطلاقا بالاعتدال.إنهما زيارتان تحملان كل المفارقات، يذهب فيهما الشبيه الى الشبيه؛ واحد يقصد تقوية الدولة، وآخر متهم بالاستقواء عليها، واحد يسعى إلى رأب الصدع الداخلي، وآخر متهم بتعميق هوة الخلاف والسعي الى الدعم "النظيف" قبل الانتخابات. أما الأماكن فتتحدث عن نفسها، واحدة تحتضن "الطائف" وتجديد الميثاق، وأخرى ترعى غير المقتنعين بهذا الاتفاق.هذه المرة يحتفل الجنرال عون بذكرى 13 تشرين بين أحضان احمدي نجاد... فهل هي مصادفة مريرة تضاف الى أقدار رعت مسيرة الجنرال؟ أم تجسيد لـ "ديناميكية سياسية" يقول إنها فرضت عليه تغيير نهج وتعديل ثوابت وقناعات؟


عن ناو ليبانون

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .