الثلاثاء، 21 أكتوبر 2008

بلال خبيز: الازمة في اميركا لكن اميركا بخير

من سيكون ضحية الازمة المقبلة؟

في وسع من يريد استعمال ذاكرته ان يتذكر ان الاقتصاد الاميركي عانى ازمة خطيرة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، يوم كان اقتصاد العولمة في لحظة بزوغه المتألقة. فلجأت يومها الشركات الصناعية الكبرى في الولايات المتحدة الاميركية إلى سياسة دمج الشركات الكبرى التي استمرت ردحاً طويلاً، تداركاً للانهيار. وكان اشهرها ربما تملك السي ان ان لصحيفة نيويورك تايمز في اواخر عهد الشركات الاميركية الكبرى باعتماد سياسة الاندماج. وفي تلك الازمة التي ضربت شركات تتصل اتصالاً مباشراً بعصب الاقتصاد الاميركي المحلي، تفريقاً له عن الاقتصاد الاميركي المعلوم، عانت شركات كبرى مثل جنرال موتورز وكرايزلر وكاتر بيلار من ازمات خانقة كادت تهدد الاستقرار الاجتماعي الاميركي وتهوي به إلى الحضيض في تلك الفترة.
لكن ازمة اليوم لا تبدو اميركية الهوية والأثر، وإن كانت بدأت في نيويورك ومنها امتدت موجتها الهائلة إلى اضقاع العالم كله. انها ازمة عالمية، بمعنى ان تأثيراتها على الاقتصاد الاميركي المتوسط، في الصناعة والتجارة والزراعة ليست بالخطورة نفسها التي تبدو عليها من بعيد. رغم ان توقف المصارف عن التسليف وازمة السيولة التي عانت منها قد يضر بالمنشآت الاقتصادية المتوسطة والمحلية. لكنه ليس تأثيراً قد يغير الوجهة العامة لهذا الاقتصاد. والحق ان المدقق في هوية المتضررين في الازمة الحالية لا بد وان يلاحظ ان المؤسسات التي تعاني من الازمة الحالية تنتمي قلباً وقالباً إلى يمكن تسميته باقتصاد العولمة. اي الاقتصاد العابر للقارات ليس بوصفه سلعاً ملموسة ومتداولة بين الناس، بل بوصفه فوائض نقدية تعلو تهبط حيال اصولها الساكنة. إذ لم تتعرض اميركا لإعصار ادى إلى تدمير الوحدات السكنية المرهونة للمصارف، بل تناقص ثمنها بعدما وصل من قبل إلى حافة خيالية. والمعنى ان الاصول التي جرت المقامرة عليها ما زالت موجودة ومسكونة وما زالت قيد الاستعمال وقابلة لأن تطرح مجدداً في السوق بيعاً وشراء.
واقع الامر ان اقتصاد العولمة منذ ولادته المتألقة درج على ازدراء واستبعاد ما لا حاجة له به، ابتداءً بالدولة الأمة، ومروراً بالشعوب التي لا تؤهلها ثقافاتها ولغاتها للالتحاق السهل بركب العولمة وصولاً إلى القضايا الكبرى التي تشعل الصراعات المسلحة وغير المسلحة. فما ان يتعرض بلد ما إلى اهتزاز امني او يدخل في صراع مسلح حتى تهجره هذه الرساميل وتتركه لمعالجة مشكلاته من دون معين: "الرأسمال جبان" عبارة درج على تردادها الكثيرون. لكن الازدراء والاستبعاد الذي درج اقتصاد العولمة عليه، لم يعد بعد الأزمة الحالية ممكناً. إذ لم يعد في وسع اي مضارب مالي ان يهدد اقتصاد كوريا الجنوبية او ماليزيا كما حدث في التسعينات. بل ان هذا الاقتصاد نفسه يتعرض اليوم لهزة عنيفة ستلجئه طائعاً صاغراً إلى حضن الدولة الامة التي لطالما ازدراها وعزف عنها. والحق ان المتخلفين عن هذا الركب، والذين لم تطاولهم هذه الازمة ولم تصبهم بشظاياها، سيكونون على الارجح ضحية من ضحاياه، ولا يمكن نسبتهم ابداً إلى الناجين من ضراوة انيابه.
اليوم تجهد اميركا واوروبا ودول آسيا الكبرى في الإمساك بناصية ما يمكن تسميته اقتصاد العولمة والأرجح انه لن يستطيع الخروج عن طوعها في المقبل من الايام. لكن بلاداً كثيرة لم تتأثر اقتصاداتها سلباً في هذه الازمة ستصبح، اغلب الظن، في قلب الازمة المقبلة.

عن ايلاف

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .