الأربعاء، 22 أكتوبر 2008

حسن داوود: اركان الرواية الثلاثة التي لا يعرفها احد

عن الدُبّ الذي يعرف ماذا يفعل والهرّ المنتقم من نفسه
لا أعرف إن كان قراّء حسن عبدالله الصغار سيفهمون نكتته عن الدبّ الذي هو » دبّ مرح في قفص مقفل / يعرف دوما ماذا يفعل ». أمّا ما يفعله (ألدب) فهو أنّه، » حين يملّ المشي ذهابا وإيابا / يمشي بالعكس، إيابا وذهابا! ». كما لا أعرف إن كان في علم البلاغة العربيّة والبديع العربي إسم لتلك اللعبة، أو لذلك المعنى الذي ليس هو بمعنى ما دام أنّه لا يفيد سامعه ، الذي من الكبار هذه المرّة، إلاّ بإهدائه تلك الضحكة التي تعقبها حيرة متردّدة. لماذا ضحكت؟ يسأل نفسه الضاحك الذي لن يجد لذلك جوابا. هل يقع هذا في باب السخرية، يسأل. لكن السخرية ممّن، أو من ماذا؟ لا شكّ بانّ الشاعر راوي هذه النكتة يشمل نفسه بتلك السخرية، كما يشمل نكتته التي لن تنجو هي أيضا من وصفها بأنّها لا شيء، أو بأنّها لعب على لا شيء. في قصيدة أخرى في الكتاب، بطلها الهرّ هذه المرّة، نتوصّل إلى شيء مفهوم، ف(الهرّ عند العتبة/ بالسهو عضّ ذنبه/ ونطّ من ألمه/ ويده في فمه/ يعضّها بضرسه/ منتقما من نفسه). ما يفعله الهرّ بنفسه مفهوم على الأقلّ إذ يحدث للقطط، كما لغيرها من الحيوانات، أن تنتقم من نفسها بسبب ما فعلته بنفسها. كما أنّنا سبق لنا أن سمعنا عن ذلك أو عمّا يقع في نطاقه مما يتردّد عن علم النفس، ومِن قِبَل فرويد خصوصا. فذاك الذي حدث للهرّ قائم على ما يخالف الإعتياديّ استطاع أن يجد له متّسعا بين الأمور المفهومة، أما ما يقوم به الدبّ فما زال لم يجد له مكانا بينها. ذاك لأنّ هناك أشياء كثيرة تبقى بلا إسم ولا تعريف، لأنها تتمّنع وتراوغ وتذهب إلى هناك حين يظنّ الساعي إلى التقاطها أنّها هنا. لم يستطع أيّ من التعريفات التي وُضعت للسخرية أن يحتويها كلّها. وحين يقول أحدهم مثلا إنّ السخرية هي محاججة العارف مستخدما حجّة مَن يجهل يكون قد أصاب جانبا منها لا أكثر. وهو جانب ضئيل على الأرجح لا تتعدّى نسبته السبعة في المئة أو الثمانية (هذا إن شئنا أن نقلّد المولعين بتحديد النسب، بدقّة). بل وربّما ينقص ذلك التعريف للسخرية على قدر ما يزيد فيها. أقصد أنّه يُنقص من ميزتها وخصيصة كونها غير قابلة لأن تُعرّف. فيرجينيا وولف صنعت نكتة أو أحجية في وصف ذلك: "هناك ثلاثة أشياء ينبغي توافرها في الرواية لتشيع قراءتها، لكن لا أحد يعرف ما هي هذه الاشياء الثلاثة". وقد سبق لحسن عبدالله الشاعر أن فعل بنا شيئا مماثلا لما فعله بنا دُبّه، وذلك في قصيدة كتبها عن صيدا في سنوات السبعينات. كان الحفّارون في القصيدة ينبشون في الأرض بحثا عمّا قد يجدونه من تاريخ المدينة. وهم "وجدوا فخّارا صلصالا لحنا جوفيّا منبعثا من أعماق الأرض"، وفيما هم مستمرّون أيضا في الحفر، عثروا على سيارة.. " خطأً وجدوا سيارة"» كتب حسن في نصّه، هكذا من دون أن يخطر له أن يضع خاطرته هذه، أو مزحته، بين فاصلتين. بل أنّه أكمل قصيدته من بعدها كأنّ شيئا لم يكن، غير مكترث بكونه تركنا، نحن قرّاءه آنذاك، ننبش في معنى ذلك وفي مطرحه من أنساق المنطق التي اعتدنا قولها وسماعها. غير أنّنا كنّا نضحك كثيرا في أثناء ما نروح نترنّم بالقصيدة أو ننقلها، محاولين تفسيرها، لمن نظنّ أنّ تلك الجملة عبرت عبورا إلى رأسه من دون أن تخربط شيئا فيه.لن أزعم هنا أنّ حسن سعى إلى أن يعبث عن قصد، باللغة، من طريق اللعب بالذهاب والإياب وعكسهما ليظلاّ مع ذلك شيئا واحدا، أو بالمنطق كما في ردّ الحاضر إلى الزمن الماضي ثمّ الإعتذار عن ذلك. لا يعدو الأمر أن يكون مزاحا. لا أكثر من مزاح أحبّه حسن عبدالله إلى حدّ أنّه، في مجموعة "راعي الضباب" التي كتبها بعد انقطاع سنوات عن كتابة الشعر، جعل الذي كان ينبغي له أن يكون بين فاصلتين، كلام القصائد الأوّل. ولا أعرف لماذا، في إحدى الامسيات الشعريّة، انتكسنا قليلا إذ رأينا أنّ الشعر المازح العابث، لكن غير الساعي إلى أن يغيّر شيئا أو أن يصرخ محتجّا، كاد أن يوقف الشعر الآخر أو يعطّل مفعوله. في كتابه الجديد، ألذي خصّص قصائده وحكاياه للأطفال، وللفتيان ربّما، جعلَني حسن عبدالله أفكّر أنّه يُدخل الأولاد الصغار في ما سبق أن أدخل إليه الكبار، أن يقودهم إلى المفارقة لا إلى الأمثولة. وقد قلت أنّه ربّما سيوقعهم في ما لا تطيقه عقولهم الصغيرة. حتّى أنّني، وقد رغبت في أن أختبر ذلك، رحت أقرأ ما فعله الدبّ لأولاد صغار. بعضهم لم يفهم. بعضهم أطلق الضحكة قويّة فاقعة. يتعلّق ذلك ربّما بالفطرة، بذكاء العقل قبل أن ينظّمه التهذيب وتقولبه التربية.أيام ما كانت أشجارنا 35 بالمئةيقول الإعلان الذي تبثّه أكثر المحطّات التلفزيونيّة إنّ ما بقي أخضر من مساحة لبنان هو 13 بالمئة، في حين أنّ تلك المساحة كانت 35 بالمئة في سنة 1965. هذا سبب آخر لأن نعود إلى ذلك الزمن الذي، حتّى الآن، صرنا ناقلين إليه أكثر أغراضنا وأمتعتنا. يحصل لنا ذلك مع أننا قليلا ّما نذهب إلى الأمكنة التي يكثر فيها الشجر. مرّة في السنة ربّما، أو مرّة في السنتين، لكنّنا مع ذلك نروح نشتعل مع النيران التي نشاهدها تقصف الأشجار قصفا في آخر الشاشة. لكنّنا نعود نقول بعد ذلك، بيننا وبين أنفسنا، إنّ تعلّقنا هذا بالشجر وبيئته خفيف، لا يتعدّى تعلّقنا بالأشياء الاخرى التي تعلّمنا حبّها في المدارس، مثل الأناشيد على أنواعها ومواضيع الإنشاء عن الوطن وعن احترام الأهل بالطريقة التي يجدها الأستاذ مناسبة.إنّه نوع من الإيديولوجيا لم يستطع أن يتمكّن منّا، لكنّنا، مع ذلك، نخاف من أن لا يعود لبنان يعجب سوانا من أهل البلدان الذين قد يأتون إليه. ففي أحيان، وهي أحيان كثيرة، نجد أنفسنا واقفين مثلما يقف المتفرّجون عند حافّة طريق السباق، نتطلّع لنرى كيف يراه القادمون إليه لزيارته أو للإصطياف فيه. ونحن، في أثناء ما نتفرّج، نكون نتأسّف لكونه خسر الكثير من دعايته التي تراجع عنها . وأكثر ما يكون ذلك فادحا حين يكون القادمون من أبناء الأجيال الجديدة، أولئك الذين لا يمكنهم الإستعانة بذاكرتهم، لأيّام ما كان الشجر 35 بالمئة، ليضيفوا ما يتذكّرونه على ما يرونه من مشاهد لبنان.وها أنّنا نساعدهم من جهتنا بأن نرسم لهم لوحات نضع فيها شجرا كثيرا وبيوتا ترتفع إلى مستوى قرميدها رؤوس الصنوبرات. إنّهم، الرسّامون عندنا، يعوّضون عمّا نخسره، كما أنّهم يقوّون الدعاية التي لا ينبغي لنا أن نتركها تضعف أو تخفّ.
عن نوافذ

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .