الثلاثاء، 7 أكتوبر 2008

ايمن جزيني فوكوياما لم يخبر خالد حدادة شيئاً

رواية شيوعية مبتسرة ومنكفئة



على هدي الثورات العروبية والدينية المتطاولة في منطقتنا حضوراً وزمناً، سار الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني خالد حدادة خلال احتفال بذكرى جبهة المقاومة، وتصدى لتأريخ فصل من فصول الحرب التي عصفت بلبنان، دولةً وجماعات، من غير التعريج على أدوار حزبه الكثيرة - إعداداً ومشاركةً - في الحروب الأهلية وانفجاراتها المتنوعة. ولم يشذ عن أقرانه في الأحزاب الاحادية الرؤية والممارسة، ممن لاذوا بأحزابهم عن المساءلة المفضية إلى إرتياد أفق سياسي أرحب، فنزع إلى إدانة كل آخر في الموقف والسياسة، وأبرزهم "من حملوا زوراً يوماً من الأيام لافتة اليسار اللبناني والعربي"، منافحاً عن "بيروت التي يحاول البعض طمسها بملايين الدولارات". وحرص على روايته من مدخل الإلمام السريع والمبتسر للحوادث وربطها وتسلسلها، خالصاً إلى الكلام عن النتائج والمقاصد كلاماً قاطعاً بشّر من خلاله بانهيار المشروع الأميركي وأزمة النظام الرأسمالي وترنّح فوكوياما صاحب نظرية "نهاية التاريخ" التي تراجع عنها منذ عام 2003 في سلسلة مقالات كان أوضحها ما كتبه في صحيفة "نيويورك تايمس" وقارن فيها بين حركة المحافظين الجدد واللينينية، ومن دون أن يخبر حدادة.
فالأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الذي جعل من عاصمة النظام السوري محجةً، مستعيداً سنناً قوية أرساها المتسورنون في زمن الإحتلال السوري، يقتفي أثراً أرساه قادة الأنظمة الشمولية والتوتاليتارية، وهو يتناسل منها، لجهة ابتسار التاريخ ومحو أجزاء جوهرية منه وتركه نهباً للتأويل والتحريف. يتشارك حدادة الخطاب السوري وتوابعه اللبنانية في إسقاط الطائفية دون غيرها على علة النظام، ويتوسل بها وبفئة في عينها تشكل الغالبية في بيروت، ليجعل منها مسرحاً تخاض عليه الحروب. والحق أن هذه الفئة نكرت مواطنيتها نكراناً فاضحاً جعلت البلد وأبنيته السياسية والدستورية والأهلية نهباً للتنازع. لكنه سكت عن السياسة السورية وتوسلها بلبنان أرضاً لنزاعاتها، وحرفها مسالك الهوية اللبنانية وتذريرها لاجتماعه الأهلي عصبيات عصية على الفهم ومتدابرة حتى النصر أو الشهادة. وأغضى وارث الحركة الوطنية وإرثها في الحروب الملبننة عن ملايين الدولارات "النظيفة" التي توزع في جهات البلد الأربع لتبني اقتصاد الموت والحروب المستمرة إلى الأبد.لا يضير الشيوعي الايديولوجي منشأ حزب "الثورة الإسلامية في لبنان"، على ما يجهر قادته ونوابغه قبل إضافة العلم اللبناني حديثاً في خلفية الصور المتلفزة، ومنابته ونوازعه الفكرية وأجهزته الأمنية والعسكرية، ولا يضيره أيضاً "التكليف الشرعي" في الحراك السياسي لجماعة ارتضت "ولاية الفقيه" من خارج الحدود مرجعاً ونهجاً. وتوهم مع رهطه الشيوعي انه يتولى الصراع في وجه الولايات المتحدة. وسكت عن السعي الحثيث للسياستين السورية والإيرانية في لبنان ومحاولتهما ربط البلد ربطا إستراتيجياً بحضورهما الدولي. وقصر مناكفته السياسية على إلقاء الشبهة الطائفية أو المذهبية أو المالية على كل من ينادي بلبنان سيداً، حراً، مستقلاً. ويغفل الأمين على البقية الباقية من الشيوعيين، "العصبية" التي صنعها الحزب الخميني عقيدةً وتمويلاً وتدريباً منذ أكثر من ثلاثة عقود، واضطلاع هذا الحزب وبأموال النفط الإيراني بدور إحالة البلد على لحظة قيامته الأولى، لكن من دون دولة. على المثال نفسه يغفل حدادة حروب حزب "ولاية الفقيه" ونكباتها الأهلية والسياسية والإقتصادية، وان لا غاية نهائية له يقصدها مرة واحدة وأخيرة، ولا سعيه (الحزب) الثابت للحط من منزلة الدولة وهيئاتها وتسخيفها وتسويغ تجاوزها والقفز فوقها إلى مجتمعات متنافرة متدابرة لا يؤمن الخروج منها. لعل القرينة الأوضح على نكوص الحزب الشيوعي عن اضطلاعه بدوره هو غيابه المدوي عن تظاهرة 14 آذار، وانكاره المتمادي ان ما يتهدد الدولة على الدوام في أبنيتها السياسية والحقوقية مصدره الأول صرخات التهويل التي اضطلع بها مديداً "حزب الله"، حليفه ونصيره، والذي يقف وراء أقنعة متفرقة وموزعة منذ ظهور نذر الأزمة السياسية للدور السوري في لبنان.على خلاف الحراك الأهلي الإجتماعي الصاعد، لا يني حدادة يكرر على وجوه كثيرة مأساة سقوط حزبه في تحالفات طائفية ابان الحقبة الفلسطينية، ليسجل عليه حالياً تقدمه صفوف المعارضة في اسقاط المحكمة ذات الطابع الدولي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبذريعة اسقاط الحكومة، مشكّلاً ضمانا واقيا لمقولة "الصراع السياسي" التي أطلقها نظيره في اللقب الأمين العام للحزب الشيعي السيد حسن نصر الله.لم يكلف الحزب الشيوعي نفسه طوال حقبة الهيمنة السورية عناء تنكب الدفاع عن المسيحيين اهلاً وأحزاباً حيال القمع والاعتقال والنفي مقابل صعود أمني وعسكري وسياسي للحزب الخميني. ويكرر الاحتكام، في معرض قراءته الواقع اللبناني، إلى المعايير التي ساهمت في انفجار لبنان، والنهل من معين السياسات العربية الهادرة في الخطابة لغواً ولهواً. وكان للحزب الذي يحمل العلمانية هويةً ودعوةً ضلع في الحروب الأهلية، حاصراً به جبهات متنقلة ومشتعلة، واندرج في أحلاف طائفية في مقابل المسيحيين الذين يُظن فيهم على الدوام انتماءً وولاءً للعروبة السياسية، وليس أقل الأحلاف خطراً وأثراً على هذا الحزب، إلا ذلك الذي خلف فيه السياسة السورية في إدارة أزمات البلد والتوسل به حيزاً للحروب الإقليمية الباردة، بدءاً من إيران وصولاً إلى إسرائيل.وإذا أغفل حدادة دور حزبه سياسةً وقتالاً من روايته عن النظام السياسي اللبناني، وتنكبه دوراً وازناً وفاعلاً في الحرب شأنه شأن غيره من حلفائه الذين حضروا احتفال جبهة المقاومة (الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب البعث العربي الإشتراكي، حركة "أمل"، و"التيار الوطني الحر")، فإنما السبب هو الإستمرار على نهج وسياق سياسييَن لم تطوهما "ثورة الأرز".والحق ان جورج حاوي، الذي تربع لعقود في صدارة الإجتماع الشيوعي، وحده من بادر إلى الإقرار من خلال برنامج "حوار العمر" عبر شاشة "المؤسسة اللبنانية للإرسال"، بإنقياد لبنانيين كثر، جماعات أهلية وأحزاباً وأفراداً، في السياسات الإقليمية والدولية، وتفكيكهم العروة بين الدولة ومواطنيها، بعدما لفت إلى خطأ "عزل المسيحيين"، ثم وصفهم بـ"الإنعزاليين". وإزاء كثرة الدواعي التي ساقها حاوي آنذاك لتعليل نزوعه وحزبه إلى ما نزعوا إليه، فإن التجارب المديدة التي مر بها الحزب الشيوعي مع حركة "أمل" و"حزب الله" تشي بأن ضوابطه (الحزب) السياسية لا تزال على هشاشتها، وبأن إغواء المقعد النيابي القائم منذ العام 1992 لا تزال تدغدغ مخيلة قيادته، وخصوصاً في الجنوب. فالحزب الذي تنكب مهمة التحرير ورفع شعار "الأرض لمن حررها" يتستر على من قتل قيادييه في أسرّتهم (حسين مروة)، وعلى طرق بيروت (حسن حمدان)، وعلى من اعتقل مقاتليه ضد إسرائيل وكانوا كثراً آنذاك، في قرى الجنوب المذعن للسياسة الإيرانية ووكلائها في لبنان. ويتحفظ عن فتاوى التكليف الشرعي في الانتخابات البرلمانية، وآخرها كانت ضد انتخاب أسيره المحرر انور ياسين. ولم يوقظه دوران شطر كبير من الحياة السياسية على إرادة الحزب الخميني.والحال هذه ، لا يملك من ينيط بنفسه الحلول مكان السياسة السورية ولغتها والسكوت عن حزب "شكراً سوريا"، سوس المنازعات اللبنانية، ولا يجوز له ان يدلي بدلوه وإبداء الأحكام القاطعة والنهائية. على هذا النحو ينافي خطاب حدادة واقعاً سياسياً وأهلياً، الثابت فيه انقسام البلد جماعات أهلية تتنازعها اهواء خارجية. ويرتكس بمن تبقّى في حزبه إلى مثال شعبوي في ممارسة السياسة والمضي في مسالكها المتعرجة. ومن كانت حاله هكذا، يتواضع، لانه يذكّرنا بالوصف العربي للنعامة "فهي ليست طيراً ولا جملاً". فلا ممارسة الحزب علمانية ولا مواقفه وطنية جامعة تحت لواء الدولة المفقودة، وروايته مبتسرة ومنكفئة على ذاتها وماضيها .
عن ملحق النهار




ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .