الثلاثاء، 21 أكتوبر 2008

بلال خبيز: نود ان نحب سوريا

علاقات غير طبيعية

ما دام أمر إقامة العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا مفرحا إلى هذا الحد للبنانيين كافة، والسوريين ضمناً، فما الذي جعلها تتأخر اكثر من ستين عاماً؟ وما الذي جعل بعض اللبنانيين الفخورين بعلاقتهم الممتازة مع النظام السوري يعترضون على اقامتها حتى يوم امس؟ ثمة اجابة حاضرة: اللبنانيون يحبون الفرح، وبالقدر يحبون المناكفة. ومن كان حتى يوم امس يعارض اقامة العلاقات الدبلوماسية اللبنانية - السورية، ويستهجن اشهار بعض اللبنانيين مثل هذا الطلب "الغريب" من الشقيقة الكبرى، ويردونه إلى اسباب غامضة تتصل بالعلاقات المشبوهة التي تقيمها القوى التي تطالب بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بأميركا وإسرائيل. من كان امره كذلك حتى يوم امس كان يناكف فقط. اما اليوم فالفرح مشترك. لقد وُضعت العلاقات بين البلدين على سكة صحيحة، ومنذ اليوم يمكن ان نؤرخ لعلاقات مميزة بين البلدين، بوصف كل بلد يعترف باستقلال الآخر ولا يعتدي على أمنه او يخرب عليه. مبروك. التهنئة واجبة، علاقات دبلوماسية بين البلدين احتاجت منا إلى بذل هذا الجهد كله وصرف هذا الوقت كله، وايضاً صرف الحبر والورق والجهد وتعب العيون. لكن الأمر مثلما يراه اي كائن عاقل لا يعدو كونه من الأمور المألوفة والطبيعية والعادية بين بلدين: ثمة علاقات بين فرنسا وبلجيكا، وسفارات وسفراء ودبلوماسيون، هذا لا يمنع فرنسا القوية من التأثير في سياسة بلجيكا الصغيرة المتواضعة. وهذا لا يمنع روسيا من التأثير في جارتها بولونيا، مثلما لا يمنع المانيا كذلك. وايضاً، في وسع المرء ان يتذكر الرئيس السوري بشار الاسد وهو يتفهم التدخل الروسي في جورجيا، بوصف روسيا، مثل سوريا، دولة كبيرة ولها مصالح يجدر بالدول الصغيرة، لم يقل الحقيرة، ان تحافظ عليها، تماماً مثلما لسوريا الكبيرة، الكبرى، مصالح في لبنان يجدر بالجار الصغير ان يحافظ عليها. مع ذلك ثمة سفارة روسية في تبليسي، وثمة سفارة جورجية في موسكو. الأمر واضح كعين الشمس. السوريون ربما ايضاً يحبون المناكفة، الم يقل الرئيس حافظ الاسد ان سوريا ولبنان شعب واحد في بلدين؟ حسناً، السوريون مناكفون مثلهم مثل اللبنانيين، ويجدربالمتعجب والمستهجن، ان يكف عن العجب والاستهجان. لم يكن احد يقصد ان يدفع البلدان هذه الاثمان كلها، من اجل سفيرين وبضعة دبلوماسيين. ان يدفع لبنان لهو امر مفهوم. ذلك انه لم يكن الطرف الذي يمانع ويعارض اقامة العلاقات الدبلوماسية. لو شاءت سوريا ان تقيم علاقات دبلوماسية مع لبنان منذ خمسين عاماً لما استطاع البلد الصغير ان يعترض. اصلاً لم يحصل ان تجرأ لبنان على مناكفة سوريا يوماً بالمعنى المشار إليه. اقفال الحدود يحصل من الجهة الأخرى، والتدقيق في ما تنقله الشاحنات يحصل ايضاً من الجهة الاخرى. لبنان حتى لم يكن قادراً على منع تدفق الاسلحة، لا اليوم ولا امس، من نقاط العبور الرسمية على الحدود وغير الرسمية ايضاً. وطبعاً لو حدث ان حشد الجيش اللبناني لواءً او لواءين مقاتلين على الحدود مع سوريا لن تظن سوريا ان الجيش اللبناني يعتزم اختراق الحدود بحثاً عن شاكر العبسي الفار من وجه العدالة اللبنانية. لا داعي للقلق السوري طبعاً. انما ثمة ما يستدعي القلق اللبناني طبعاً، ودائماً. فأي حشد سوري على الحدود اللبنانية قد يعني نية في التدخل السوري المباشر في لبنان وقد لا يعني. الأمر معقود على نية الإدارة السورية وليس على رغبة اللبنانيين او تطلبهم. يجدر باللبنانيين ان يقلقوا فعلاً. لكن إلى متى؟رافقت الحشد السوري الأخير على الحدود الشمالية للبنان تصريحات سورية معلنة، من اعلى هرم النظام، ان ثمة وضعاً في طرابلس وشمال لبنان يقلق سوريا ويشكل خطراً على أمنها. بعض اللبنانيين تفاءل خيراً بالحشد السوري بعدما كان توجس شراً من التدخل السعودي في لبنان. السعوديون اكدوا انهم لا يملكون مطامع في لبنان من اي نوع، ولطالما فعلوا ذلك، عبر سفيرهم ايضاً، فالسعودية لديها سفارة في لبنان وتعرضت مرات للتهديد لكنها لم تقفل ابوابها. وبعض اللبنانيين توجس شراً من الحشد العسكري على الحدود الشمالية، ولم يكف عن التوجس إلى ان طمأنهم اكثر من طرف: غوندوليزا رايس ابلغت المعلم ان اميركا لا توافق على اي تدخل عسكري سوري في لبنان، برنار كوشنير صرح ان الحشد السوري لا يستهدف شمال لبنان، بل ربما مخيماً فلسطينياً او اثنين. التطمينات هطلت على اللبنانيين من كل حدب وصوب، وكل المطمئنين يقيمون علاقات دبلوماسية طبيعية مع لبنان طبعاً. واستناداً إلى هذه التأكيدات الحاسمة خف التوجس اللبناني وبات أقل حدة. لا بأس حتى الآن: اصدقاء لبنان في كل مكان يهتمون لمصالحه ومطالب حكومته وابنائه. انما، يبقى السؤال المر مراً: متى تصبح العلاقات اللبنانية – السورية علاقات طبيعية لا تحتاج إلى وسطاء خير. الأكيد ان لبنان لا يطمع في اراضي حوران، فهل نستطيع القول ان سوريا بالمثل لا تطمع في أراضي طرابلس والشمال؟ السؤال لبناني مئة في المئة، لكن الإجابة عنه سورية مئة في المئة. والأرجح اننا على أبواب فتح السفارتين في بيروت ودمشق لا نستطيع إلا ان نعود لترديد المقولة التي لطالما رددها اهل البلاد التي عانت وضعاً مماثلاً للوضع اللبناني: اننا نحب السعودية لأنها لا تطمع في ارض لبنان ونود أن نحب سوريا.


عن موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .