السبت، 18 أكتوبر 2008

حسام عيتاني احياء رميم الثورات


السلطة ليست على قارعة الطريق



السلطة ليست على قارعة الطريق، كما اعتقد يوسف ستالين أثناء حديثه الى الشيوعيين الأوروبيين في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي السوفياتي في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها الدول الأوروبية الغربية مدمرة ومنهكة "تنتظر من يتقدم ليلتقط السلطة الملقاة على قارعة الطريق". والثورة ليست على الأبواب، بحسب عنوان كتاب الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك الذي جمع كتابات فلاديمير لينين عشية ثورة أكتوبر وأعاد تقديمها بصفتها وصفات عصرية تصلح لعلاج مشكلات الرأسمالية والديموقراطية في عالم اليوم. هذان الانطباعان اللذان يريد تعميمهما عدد من الكتّاب العرب، المعادي أكثرهم لكل أشكال الاشتراكية والديموقراطية، والسعيد في الوقت ذاته بالأزمة المالية سعادة مؤيدي العمليات الانتحارية في العراق وفلسطين، قد ينتهيان الى تعميق حالات اليأس والقنوط في العالم العربي الذي ينصت الكثير من مواطنيه الى ترّهات تتولى بثّها ونشرها فضائيات وصحف، أغلبها لا يعرف شذر الرأسمالية من مذر البرجوازية. والرهان على سقوط النظام الرأسمالي العالمي على النحو الذي سقط قبله النظام الشيوعي، يتعمد أصحابه التهرب من السؤال البديهي والبسيط عن البديل الذي يعده دعاة تحويل الانهيار الاقتصادي العالمي الى ثورة عالمية، ولا يأخذ في الاعتبار الفوارق الشاسعة بين الشيوعية "القائمة"، أي تلك المنظومة السياسية ـ الاقتصادية ـ العسكرية التي كانت تضم عدداً من الدول القليلة التأثير على المستوى العالمي، وبين الرأسمالية بصيغتها الحالية التي تغطي العالم مع استثناءات تشمل كوريا الشمالية وكوبا (الى حد ما). أما الصين وروسيا والهند فقد اختارت الطريق الرأسمالي مع تنويعات على أساليب التطبيق والإدارة. وبغض النظر عن شرعية الدعوة الى الثورة العالمية أو جديتها، فإن سقوطاً للرأسمالية كنظام دولي، اقتصادي وسياسي، لا يهدد مصالح الفقراء قبل غيرهم وحسب، بل ايضا يدفع الى الواجهة خطر تقدم مجموعة من الأنظمة الاستبدادية والديماغوجية والحركات الإرهابية كتنظيم القاعدة وغيرها لمحاولة ملء الفراغ. ولقائل أن يقول إن تجارب هوغو تشافيز في فنزويلا وصديقه ايفو موراليس في بوليفيا وغيرهما، تقدم الطريق الى البديل الاشتراكي الملائم للقرن الواحد والعشرين. الجواب البسيط لا يتجاوز الدعوة الى إمعان النظر في ما يجري في البلدين المذكورين: اشتراكية تشافيز القائمة على إعادة ضخ ٦٠ في المئة من عائدات النفط الى داخل البلاد للحفاظ على أسعار الوقود الرخيص وجعل الاشتراكية صنواً لاستيراد السلع الاستهلاكية، وما شابه ذلك من المراهقة الاقتصادية باسم العدالة الاجتماعية، هي أمور تؤدي الى الإسراع في إفلاس البلاد إرضاء لنزوع الحاكم الملهم. أما موراليس الآتي على خلفية صراع عرقي بين البيض وسكان البلاد الأصليين، صراع ذي سمات اقتصادية وطبقية لكنه لا يخلو من هواجس الهويات والثقافات، فقد نجح في أعوام قليلة في قسمة البلد ودفعه الى ما يشبه الحرب الأهلية المعلنة بين المناطق الزراعية التي يسيطر عليها الهنود والمنتجة لأوراق الكوكا، والمناطق التي يمثّل البيض أكثريتها السكانية وتمتلك المزارع اضافة الى تفجير نزاع حول الغاز الطبيعي. ولعل الأمثلة ليست قليلة في إيضاح سهولة اللجوء الى الخطاب الشعبوي لتبرير الاحتفاظ بالسلطة أو الوصول اليها، من دون أن يلقى ذلك سوى الترحيب من المواطنين الذين عضهم اليأس بنابه. والمثير للسخرية هو ذلك اللجوء الى الماركسية أو ما يشبهها في سبيل تأكيد قرب سقوط الرأسمالية. أبسط ما يقال في هذا المجال أن الماركسية التي يجري الاستشهاد بها هي ماركسية عالمثالثية مستهكلة ومفوتة وتكاد لا تمت بصلة الى الماركسية الأوروبية التي دعا مؤسسها الى الحفاظ على الرأسمالية وتعزيزها الى حين ظهور البدائل الاجتماعية القادرة على بناء الاشتراكية في بلدان الرأسمالية اولا ... وأخيرا. وها نحن أمام مشهد سوريالي: لا ينوه بقرب سقوط الرأسمالية سوى من يفتقر تماما الى المثال البديل والى التصور الواقعي لليوم التالي للسقوط. واذا كانت الأزمة الحالية من الضخامة بحيث لن يعود العالم بعدها الى ما كان عليه قبلها، فليس يعني ذلك البدء بالتهليل لبزوغ فجر اليوتوبيا الاشتراكية، ناهيك عن وجود بون شاسع بين وقائع الأزمة الاقتصادية وتحول هذه الى أزمة سياسية ومن ثم الى رافعة للتغيير السياسي...الخ بكلمات أخرى، اذا كان السؤال هو عن الخيار بين عالم متعدد الأقطاب تؤدي الولايات المتحدة، وعليها ما عليها من مآخذ واعتراضات، دور القاطرة فيه، وعالم تسوده الروح الفاشية الدينية والقومية والحروب الأهلية الدائمة، فأي اتجاه يجب أن يؤيد الإنسان السويّ العادي؟

عن السقير

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .