الاثنين، 13 أكتوبر 2008

امبرتو ايكو كل رواية تستقي بطريقة ما من السيرة الذاتية

التلفزيون مصدر مهم للباحثين
ترجمة فوزي محيدلي

ولد امبرتو ايكو في الخامس من كانون الثاني لعام 1932 في مدينة آليسندريا الصغيرة الواقعة شرق مدينة تورينو ضمن مقاطعة بيدمونت. والمعروف عن اهل تلك المقاطعة انتماؤهم الى ثقافة متفردة بالنسبة لباقي مناطق ايطاليا. وكون تلك المقاطعة جبلية يعرف عن اهلها التمتع بحس من الاستقلال، وانهم في الكثير من النواحي اصحاب طبيعة لا مبالية كتلك التي لجيرانهم الفرنسيين مقابل تلك الطبيعة ذات الولع الناري للايطاليين. ويشير ايكو الى نشأته في احضان تلك الثقافة معتبراً انها منبع المزاج الفريد في كتابته: "تبقى بعض العناصر بمثابة الاساس لنظرتي الى العالم: لدي نزعة الى الشك مع مقت للبلاغة. بمعنة عدم الميل الى البلاغة ابداً او لاستعمال تأكيدات طنانة ومنمقة".في احدى القرى التي لجأ اليها هو ووالدته شاهد ايكو اندلاع النيران بين الفاشيست ومناوئيهم. وقد افاده ذلك لاحقاً في عمله "بندول فوكو"، روايته الثانية.يتذكر امبرتو جدته لأمه بولع، وكما جاء على لسان كل من بورخيس وماركيز يقول بدوره انه طور ونمى حبه للعبث من احساسها الخاص بالدعابة.تبعاً لمشيئة والده التحق ايكو بكلية الحقوق في تورينو ليكون محامياً، لكنه ما لبث ان ترك دراسة الحقوق، واختار دراسة فلسفة وأدب القرون الوسطى متخذاً لأطروحته موضوع توما الأكويني.أما بالنسبة لروايته الأولى "اسم الوردة" فقد اختار لها في البداية عنوان "جريمة داخل الدير"، لكنه ما لبث ان ادرك ان عنواناً كهذا يغري بالتركيز على "الجانب اللغزي" في القصة، فيما اراد هو رواية يمكن قراءتها كنص مفتوح يحتمل طيات من التفسير. وما لبث ان اعطاها لاحقا عنوان "آدسو الذي من ميلك" متأثراً بعنوان "ديفيد كوبرفيلد" لكن بعد قراءته ابياتاً من شعر القرون الوسطى ظهر العنوان الأكثر شاعرية "اسم الوردة". ويعلق ايكو ان "الوردة تشكيل رمزي غني بالمعاني لكنها بالكاد تنطوي هذه الأيام على اي معنى. اعتقد ناشر الرواية انها لن تبيع اكثر من ثلاثين الف نسخة في حين انها تجاوزت التسعة ملايين. ورغم تساؤل ايكو عن قدرته على كتابة رواية اخرى وجد انه تبقى لديه خارج "اسم الوردة" صور لرواية جديدة هي "بندول فوكو".لاحقا وبعد سنوات قلائل على تصريح ايكو عدم امتلاكه مخططات لرواية اخرى، ظهرت رواية "جزيرة اليوم الاسبق" من رحم افكاره حول الكتابة الطبيعية الخالصة، داخل قصة مفاهيم.رغم دنو ايكو من عامه السابع والستين لم يزل يدخن عدة علب من السجائر يومياً، ويعمل حتى ساعة متأخرة من الليل، فضلاً عن حبه استكشاف الضواحي. يلجأ ايكو الى الاشارات الصاخبة وأحيانا الى الصراخ خلال النقاشات، يصف نفسه بأنه شخصية "تشرع في إتيان اشياء عدة في نفس الوقت ثم خلطها بعضها مع بعض لتشكيل تداخل ماح اذا لم يكن لدي الكثير لأنجزه بأنني اتوه"يقول ايكو انه يؤثر كتابة النقش التالي على ضريحه:"انتظر، انتظر""ليس بامكاني ذلك"نشرت مجلة "باريس ريفيو" الفصلية الاميركية المقابلة التالية مع ايكو في عدد صيف 2008:هل كان للحرب اي تأثير على قرارك في الكتابة؟ـ لا، لم يكن ثمة رابط مباشر. بدأت الكتابة قبل الحرب، باستقلال عنها. خلال مراهقتي كتبت اعمالاً هزلية، لأنني كنت اقرأ العديد منها، فضلاً عن الروايات الخيالية التي تدور احداثها في ماليزيا وافريقيا الوسطى. كنت من الذين ينزعون الى الكمال في الاداء وأردت ان اجعلها تبدو وكأنها مطبوعة، لذا كتبتها مستعملاً الاحرف الكبيرة. كما خصصت صفحات مستقلة للعناوين، ودونت ملخصات وايضاحات. وقد كان ذلك مضنياً الى حد انني لم اقم باكمال اي من الكتب. كنت حينها "كاتباً كبيراً" للتحف غير المكتملة. مهما يكن، من الواضح انني حين بدأت كتابة الروايات لعبت ذكرياتي عن الحرب دوراً ما. لكن كل رجل منا مهووس بذكريات شبابه.هل قرأت تلك الكتب المبكرة لأحد؟ـ من الممكن ان يكون والداي قد رأياها، لكنني لا اعتقد انني اعطيتها لشخص آخر. كانت اشبه "برذيلة" متوحدة الطابع بل خاصة.تحدثت سابقاً حول خوضك تجربة الشعر خلال هذه المرحلة التي ذكرت. جاء في مقالة لك عن الكتابة قولك، كان لشعري نفس الاصل الوظيفي بل نفس الترتيب من حيث الشكل كما لحب الشباب.ـ أعتقد انه، عند سن معينة، لنقل الخامسة عشرة أو السادسة عشرة، يكون الشعر أشبه بالاستمناء. لكن فيما هو قادم من العمر، يعمد الشعراء الجيدون الى حرق شعرهم الباكر، فيما الشعراء السيئون يعمدون الى نشر تلك البواكير. أشكر الله اني أقلعت عن الشعر ومحاولة كتابته باكراً.من يعود له الفضل في تشجيعك على مساعيك الأدبية؟ـ جدتي لأمي التي كانت قارئة هاجسية. الملفت انها لم تتخط الصف الخامس من المرحلة الابتدائية، بيد انها كانت عضواً في مكتبة البلدية، ومن عادتها احضار كتابين أو ثلاثة الى المنزل لي. يمكن لتلك الكتب ان تكون روايات من النوع التافه، أو حتى لبلزاك مثلاً، في نظرها لم يكن ثمة فرق بينها ـ كلها أخاذة. من جهة أخرى تميزت أمي برغبة ان تغدو في المستقبل مدرّسة للصم. بدأت تعلم الفرنسية والالمانية، ومع انها قرأت الكثير خلال صباها إلا انها استسلمت لنوع من الكسل مع تقدمها في العمر، بحيث لم تعد تقرأ سوى روايات الرومانس والمجلات النسائية. لذا لم أقرأ ما كانت تقرأه. لكن أذكر انها كانت تتحدث بلباقة، بأسلوب إيطالي رفيع، كما وأنها تميزت بأسلوب جميل في الكتابة بحيث ان صديقاتها طلبن منها كتابة رسائلهن. ملكت والدتي حساسية فائقة تجاه اللغة، رغم تركها المدرسة في عمر مبكر نسبياً. اعتقد انني ورثت عنها ذوقاً أصيلاً، تجاه الكتابة، كما ورثت عنها عناصر أسلوبي الاولية.الى أي حد يمكن وصف رواياتك بأن لها طابع السيرة الذاتية؟ـ كل رواية هي بطريقة ما تستقي، من السيرة الذاتية. حتى تتخيل شخصية ما فإنك تقرضها، امرأة كانت أم رجلاً، من تجاربك الشخصية. انك تهب جزءاً من ذاتك الى الشخصية رقم واحد وجزءاً آخر للشخصية رقم اثنين. ضمن هذا المعنى فأنا لا أقوم بكتابة اي نوع من السيرة الذاتية، لكن مع ذلك الروايات هي سيرتي الذاتية. ثمة فرق.هل هناك صور نقلتها من حياتك مباشرة؟ تحضر هنا صورة بيلبو عازفاً على الترامبت (البوق) داخل المقبرة في "بندول فوكو"؟ـ ذاك المشهد من صميم سيرتي الذاتية. صحيح اني لست بيلبو، لكن الامر حدث معي وكان مهماً عندي الى حد اني سأكشف الآن عن شيء لم أقله سابقاً. منذ ثلاثة أشهر اشتريت بوقاً من نوعية عالية ودفعت ثمنه ألفي دولار. من أجل العزف على البوق عليك تدريب شفتيك لفترة طويلة. حينما كنت في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة كنت عازفاً جيداً، لكني خسرت مهارتي تلك وبت أعزف الآن بشكل سيئ. رغم ذلك أقوم بالعزف يومياً. السبب في ذلك هو رغبتي في العودة الى طفولتي. يمثل لي البوق دليلاً على نوع الصبي الذي كنته. لا يحرك فيّ الكمان مثلاً أية مشاعر حين تقع عيناي عليه، بيد انني حين انظر الى البوق أشعر بعالم يجيش في عروقي.هل وجدت ان بمقدورك عزف الالحان التي كنت تعزفها أيام صباك؟ـ بمقدار ما عزفت اكثر بمقدار ما تذكرت أكثر حيوية تلك الالحان. طبعاً ثمة مقاطع عالية جداً، صعبة جداً، أعمد الى إعادتها مرات عدة، أحاول لكني أعلم ان شفتي لا تتجاوبان، بكل بساطة، بالطريقة الصحيحة.هل يحدث الشيء نفسه مع ذاكرتك؟ـ الأمر غريب، بمقدار ما أتقدم في العمر، بمقدار ما أتذكر أكثر. سأعطي مثالاً لغتي بل لنقل لهجتي الأم، هي أليسندرية، عبارة عن بدمونية مع عناصر من اللمباردية، والايميليانية والجنوية. لم أتكلم تلك اللهجة لأن عائلتي تتحدر من البورجوازية الصغيرة، وقد آمن أبي أن علينا أنا وشقيقتي ألا نتكلم سوى الايطالية الصرف. لكن والديّ استعملا فيما بينهما اللهجة المذكورة. هذا ما جعلني أفهمها بشكل كامل لكن مع عدم إمكانية تكلمها. بعدما يقارب نصف القرن، حدث أن ظهرت اللهجة من أعماق بطني أو من لا وعي، وحين كنت ألتقي أصدقائي القدماء المنحدرين من أليسندريا صار بمستطاعي تكلم اللهجة! وهكذا مع مرور الزمن لم أعد قادراً في حياتي فقط على استرجاع الأشياء التي نسيتها، بل الأشياء التي اعتقدت أني لم أتعلمها أبداً.لماذا قررت دراسة علم جمال القرون الوسطى؟ـ تلقيت ثقافة كاثوليكية. وخلال سنوات الجامعة قمت بإدارة واحدة من المنظمات الطلابية الكاثوليكية الوطنية. لذا أخذت بالفكر الخاص بعلماء القرون الوسطى وعلم اللاهوت المسيحي المبكر. بدأت بإعداد أطروحة عن جماليات فكر توما الاكويني، لكن مباشرة قبل الانتهاء منها وقع إيماني في أزمة. المشكلة كانت ذات بعد سياسي معقد. كنت أنتمي الى الفريق الأكثر تقدمية داخل المنظمة الطلابية، ومعنى ذلك أن اهتمامي كان منصباً على المشاكل الاجتماعية وعلى العدالة الاجتماعية. كان الجناح اليميني من المنظمة محمياً من قبل البابا بيوس الثاني عشر. وحدث ذات يوم أن رُمي جناحي من المنظمة بالهرطقة والشيوعية. حتى الجريدة الرسمية للفاتيكان هاجمتنا. أدى ذلك الحادث الى إطلاق مراجعة فلسفية لمعتقداتي، بيد أنني ثابرت على دراسة القرون الوسطى وفلسفتها باحترام كبير، الى جانب اهتمامي بالأكويني.في العبارة الملحقة التي دونتها في "اسم الوردة" كتبت، "أرى تلك الحقبة في كل مكان، غاشية بشفافية اهتماماتي اليومية، التي لا تبدو من القرون الوسطى، رغم أنها كذلك". كيف تبدو اهتماماتك اليومية منتمية الى القرون الوسطى؟ـ كانت لي على مدار حياتي تجارب لا تحصى منغمسة كلياً في القرون الوسطى. على سبيل المثال، خلال تحضيري لأطروحتي، ذهبت مرتين الى باريس، كل رحلة دامت شهراً، أجريت في غضون ذلك بحثاً في "البيبلوتيك ناسيونال، وقررت خلال الشهرين المذكورين أن أحيا فقط في القرون الوسطى. إذا ما قمنا باختصار خريطة باريس منتقين فقط بعض الشوارع، يمكن حينها لواحدنا العيش في القرون الوسطى. بعدها تبدأ بالتفكير والشعور مثل رجل من القرون الوسطى. أتذكر، على سبيل المثال، أن زوجتي الماهرة في البستنة وتلمّ تقريباً بأسماء كل أعشاب وأزهار العالم دائماً ما كانت تلومني بل تعيرني قبل كتابتي "اسم الوردة" لعدم إلقائي نطرة صائبة وكافية على الطبيعة. ذات يوم، في الريف، أضرمنا ناراً في الهواء الطلق فقالت لي، "أنظر الى الجمرات الصغيرة وهي تتطاير بين الأشجار. بالطبع لم أعر الأمر انتباهاً. لاحقاً، حين قرأت الفصل الأخير من "اسم الوردة"، حيث أصف ناراً شبيهة، قالت لي، إذن، نظرت الى الجمرات! وقلت لها، لا، لكني أعلم كيف ينظر راهب من القرون الوسطى الى الجمر.أتعتقد أنه كان من الممكن لك الاستمتاع حقاً بالعيش في القرون الوسطى؟ـ حسناً إذا ما فعلت ذلك، لمت فوراً. لكن أشك أني لو عشت في القرون الوسطى أن تتغير مشاعري تجاه تلك الحقبة بشكل دراماتيكي. بأي حال، أفضل تخيلها.هل ما زلت مهووساً بالتلفزيون؟ـ أشك بوجود باحث جدّي لا يحب مشاهدة التلفزيون. أراني الوحيد الذي يعترف. وأنا أستعمله كمادة لعملي. لكني لست بالفهم الذي يبتلع كل شيء. لا أستمتع بمشاهدة كل ما يطرح في التلفزيون. أميل الى المسلسلات الدرامية وأكره العروض الرديئة المستوى.هل يمكن أن تسمي أعمالاً تلفزيونية تحبها؟ـ المسلسل البوليسي "ستارسكي وهاتش"، على سبيل المثال.ذاك المسلسل لم يعد معروضاً. إنه من سبعينات القرن الماضي.ـ أعلم ذلك، لكني علمت أخيراً أن المسلسل بكامله أطلق أخيراً على دي.في.دي وأفكر حالياً في شرائه. من جهة أخرى تعجبني مسلسلات مثل "سي.أس.أي"، "ميامي فايس"، "إي.آر" وأكثر من أي شيء آخر "كولومبو".هل قرأت "قانون دافينتشي"؟ـ أجل، أراني أميل الى هذا أيضاً.تبدو تلك الرواية أشبه بغصن غريب من "بندول فوكو".ـ المؤلف، دان براون، هو إحدى شخصيات "بندول فوكو"! أنا إخترعته. إنه يشارك شخصياتي الأمور التي تجذبها من مثل مؤامرة أعضاء جمعية الروزيكروشيين، اليسوعيين. وإلى ذلك أيضاً دور جماعة "فرسان الهيكل" كما السر التنسّكي. مبدأ أن كل شيء متعلق بالآخر. أشك الى ذلك بعدم وجود دان براون.

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .