الأربعاء، 22 أكتوبر 2008

راسم المدهون: إذن ماذا يفعل هؤلاء في بلادي

عن عكا والشرعية وعن نوبل الضائعة
"لو خافت عكا البحر لما سكنت على الشاطئ"
(مثل شعبي فلسطيني)
كان يمكن لأحداث مدينة عكا أن تكون »عرضية« وبسبب »مخالفة« أحد الفلسطينيين للتقاليد التي تفرضها الديانة اليهودية لو جاءت ردود الفعل على تلك »المخالفة« منطقية أو حتى قريبة من المنطق. غير أن ما حدث فور وقوع تلك "المخالفة" يعيدنا من جديد إلى المربع الأول : قوة مجتمعية تحكمها أيديولوجيا عنصرية وشديدة التطرف لا تزال أغلبية أفرادها تتطلع إلى السيطرة الشاملة على بيوت المدينة وإجلاء مواطنيها الفلسطينيين. فما حدث في مدينة عكا لا تجوز قراءته خارج سياق الدعوات المحمومة إلى جعل إسرائيل دولة يهودية خالصة كما يكرر قادة الأحزاب السياسية الإسرائيلية، وكما طالب رئيس الإدارة الأميركية جورج بوش. الحكاية في سياق كهذا تظل قابلة للتكرار بين وقت وآخر خصوصاً وأنها تتزامن تماماً مع هجمات عنصرية منظمة، وحشية وذات طابع دموي ينظمها المستوطنون في الضفة الغربية ضد أبناء القرى الفلسطينية ويتعمدون تصعيدها في هذا الوقت سنوياً حيث موسم قطاف الزيتون، ما يعني تبديد محاصيل المزارع الفلسطينية وحرمان المواطنين الفلسطينيين من مصادر عيشهم كي يظلّوا في حالة معيشية ونفسية تدفع إلى الهجرة ومغادرة فلسطين. في مطلع خمسينات القرن الماضي، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول دافيد بن غوريون يسافر بسيارته في الجليل حين التفت إلى سائقه فجأة وفي صورة مفتعلة يسأله: هل ضللت الطريق ودخلت الأراضي السورية؟ قال السائق بسرعة : لا يا سيدي.. نحن لا نزال في أراضي الدولة. عندها قال بن غوريون كلمته التي شاعت طويلا في الحياة السياسية الإسرائيلية: إذن ماذا يفعل هؤلاء في بلادي؟!!.هي حالة تعيدنا من جديد إلى القلق على مصير الفلسطينيين في أرض وطنهم في ظل حصار السياسات الحكومية الرّسمية من جهة، والاعتداءات العنصرية المتصاعدة والمتكررة التي تعكس رؤية قوى سياسية إسرائيلية رسمية وممثلة في البرلمان والحكومة، ما يجعل الأقلية الفلسطينية التي ظلت في وطنها بعد نكبة العام 1948 في حاجة ماسة إلى حماية دولية. هي حالة تعيد تذكيرنا بالحماية التي قدّمتها قوات الأمم المتحدة منذ ستينات القرن الفائت للمدنيين القبارصة من الاعتداءات التي كانوا يتعرّضون لها، والتي ما لبثت بعد ذلك أن انفجرت بعد الانقلاب العسكري الذي قامت به قيادة القوات اليونانية المرابطة في الجزيرة، وهو الانقلاب الذي تذرعت به الحكومة التركية فقامت بحربها المعروفة ضد اليونان والتي انتهت باحتلال الأتراك القسم الشمالي من قبرص وإقامة "جمهورية قبرص التركية" فيه. فلسطينيو الجليل والمثلث والنقب يحتاجون اليوم للحماية الدولية، ليس فقط من الاعتداءات الهمجية العنصرية التي تطاولهم كأفراد وتطاول بيوتهم ومحالهم التجارية، ولكن أيضاً ضد "القوانين" الرّسمية التي تتخذها السلطات الحكومية الإسرائيلية بين وقت وآخر وتقوم بموجبها بمصادرة ممتلكاتهم من الأراضي الزراعية بكل ما يعنيه ذلك من تدمير ممنهج لأسباب عيشهم، خصوصاً في ظل الحظر غير المعلن غالباً على توظيفهم في أغلب القطاعات الحكومية بحجة الأسباب الأمنية. وفي مناخ عنصري كهذا لا يجوز لأحداث عكا الأخيرة أن تمر عربياً بسهولة: من المهم هنا القيام بأوسع حملة تضامن عربية ودولية مع مواطني عكا، ومع المواطنين الفلسطينيين في الجليل عموماً. حملة التضامن المطلوبة ينبغي أن تحمل للعالم صورة ما يحدث هناك في ظل "الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" كما يطيب لدول الغرب عموماً أن تصف الدولة العبرية. نقول ذلك ونحن ندرك حجم التطلع الإسرائيلي المتطرف إلى تفريغ المدن الجليلية من مواطنيها العرب الذين أثبتت سنوات النكبة الستين التي مضت أنهم ليسوا مجرد سكان بل هم أصحاب البلاد الحقيقيين، والذين يتأكد حضورهم الرّاسخ من خلال ثقافتهم العميقة التي جعلت بعض المتطرفين من الصحافيين الإسرائيليين يطالبون أبو عمار في أعقاب أوسلو بإنهاء "الرواية الفلسطينية الشعبية" للصراع. يومها قال أبو عمار: لقد وقعت اتفاقاً للسلام باسم منظمة التحرير الفلسطينية "ولم أوقع تعهداً بإلغاء قصص وحكايا الجدات والأمهات الفلسطينيات".الحالة التي تعيشها عكا هي عودة مستمرّة للمربع الأول: صهيونياً مقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. وفلسطينياً التصميم على مقاومة مشروع التهويد ومواجهته بكل السبل والأساليب الممكنة بما فيها اللجوء إلى الشرعيات الدولية في الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان لكشف وتعرية الممارسات الفاشية وعزلها.
عن نوافذ

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .