حين تصبح السياسة في ايدي الجنرالات
بلال خبيز
حسناً، ها قد ازيلت صور سعد الحريري من بيروت. هل تمت هزيمته؟ وهل اصبح اقل شعبية مما كان عليه قبل ازالتها؟
الجواب عن السؤالين لا يشفي غلة. ما زال سعد الحريري زعيماً من كبار الزعماء اللبنانيين. ذلك انه اثبت انه قادر على لجم الغضب المكبوت، وتنفيسه. قد لا يطول زمن المصالحات طويلاً. هذا هو لبنان. التطورات معلولة بألف علة وعلة، كلها خارجية وكلها داخلية في الوقت نفسه. لكن سعد الحريري الذي كان يفترض به، بحسب منطق اهل القبائل، ان يرد على ما جرى ببيروت في غزوة 7 ايار، بمثل ما تعرضت له، آثر ان يختار منطقاً آخر. يقولون ويشيعون انه منطق الدولة. الدولة التي تحمي الجميع، بمن فيهم اولئك الذين سقطوا في بيروت يوم الغزوة الشهيرة ولم يعوض احد على اهلهم من المال الطاهر. فلنقل تحوطاً انه منطق الرغبة بسيادة منطق الدولة. انه منطق استكمال الدولة الناقصة. وهي ناقصة لألف سبب وسبب. المستجيبون لمنطق سعد الحريري من اهل بيروت يريدون الخضوع لسلطة الدولة. لا احد يجادل كيف سيكون لونها، ولا احد يناقش كيف سيكون اتجاه سلطاتها التنفيذية. الاتجاهات والالوان سياسات، والسياسات تتغير، لكن الدولة تبقى. حسناً، يجدر بنا ان نبحث عن الدولة.
في المقلب الآخر ثمة من يدعو إلى تسليح الجيش بأسلحة قادرة على المواجهة مع العدو الإسرائيلي. على هذا المعطى يحسب البعض ان الدولة تقوى ويصلب عودها. والحق يقال ليس ثمة دولة تصلب بجيشها فقط ويقوى عودها. دائما ثمة جيوش اقوى وثمة وسائل جديدة في وسعها النيل من الجيش القوي.
من الامور المرغوبة ان يقوى الجيش الوطني، وان يصبح قادراً على مواجهة اسرائيل. لو سلمنا جدلاً ان الجيش اصبح قوياً وقادراً على مواجهة اسرائيل. الجيش الوطني المختلط طوائفياً ومناطقياً. وان قوة الجيش اعطت الوطن منعة من اي اعتداء خارجي. هل في وسعنا ان نبني على قاعدة القوة معادلة توصلنا إلى الامان؟ اسرائيل عدو لبنان مثلما هي عدوة سوريا. وهي عدوة جيرانها جميعاً عرباً وفلسطينيين. الحرب مع اي من الجيران بالنسبة لها احتمال قائم دائماً. ودائماً تحسب حساب الربح والخسارة. هل ثمة فائدة تجنيها في اشعال حرب ضد سوريا تخسر فيها عدداً من الارواح ليس في وسعنا نحن تقديره؟ على مثل هذا السؤال تنبني حسابات الحرب والسلم. والحق ان الخسائر الإسرائيلية في حروبها مع لبنان كانت الافدح بالنسبة لها، لكنها دائماً تكرر التجربة. الأمر لا يتعلق فعلياً بحجم المقاومة التي تواجه اسرائيل في اي حرب على لبنان. الكلفة التي تستعد اسرائيل لدفعها في لبنان في اي حرب مقبلة كبيرة، لكن النتائج التي تتوخاها على مستوى المنطقة عموماً كبيرة ايضاً. ان يكون لبنان ساحة حرب كل من يريد ان يحارب اسرائيل، من ايران إلى احمد جبريل، امر يجعل الحرب عليه ممكنة وواقعة حتى لو تعاظمت اكلافها. ذلك ان ما يحمي البلد من حرب جديدة ليس سلاحه المتطور، بل سياسته المستقلة. فحين لا يكون البلد صندوق بريد لأحد، يتحول الاعتداء عليه مكلفاً. ليس لأن البلد يريد الانسحاب من تحمل اكلاف الصراع العربي الإسرائيلي. بل لأن لبنان وطن لأبنائه ايضاً. ويحق له ان يقرر الكلفة التي يتوجب عليه دفعها في هذا الصراع تماشياً مع امكاناته ليقرر شكل المقاومة الانجع ونوعية سلاح الجيش الافضل وطريقة تدريبه.
ما الذي يعصم اسرائيل من حرب على لبنان اليوم؟ القاصي والداني يعرف انها بانتظار ترتيب بعض اوراقها اولاً. مصير المفاوضات مع سوريا، ومصير المواجهة بين المجتمع الدولي وايران. وما ان يستقر العمل الدبلوماسي على نتيجة ما ستحصل الحرب. ولن يردعها امتلاكنا عشرات الوف الصواريخ. ذلك ان مقاومتنا قوية وصلبة، وهذا لا جدال فيه. لكن بلدنا مفتوح على اهواء خارجية كثيرة، وهذا لا جدال فيه ايضاً.
لقد نجحنا فعلاً في بناء مقاومة قوية، لكننا في الطريق إلى تحقيق هذا المعطى البالغ الاهمية، جعلنا من لبنان حجراً اخيراً في لعبة الصراع. ما يجعل العدو مستعداً لتحمل الاكلاف الباهظة الناجمة عن اي حرب محتملة. والارجح ان الملف اللبناني في اسرائيل بات في يد الجنرالات، في حين ان الملف السوري ما زال في أيدي رجال السياسة وهو ما تحرص سوريا كل الحرص على ابقائه في ايديهم، ذلك ان انتقال الملف من يد رجال السياسة إلى يد الجنرالات، يجعل وقوع الحرب مسألة وقت لا اكثر. الوقت الكافي لينهي الجنرالات اعداد خططهم.
من جهتنا ايضاً، ثمة من يجهد كل جهده، وبكل امكاناته لإبقاء ملف الصراع ضد اسرئيل في ايدي الجنرالات وحدهم. اكان الجنرالات هم جنرالات الجيش اللبناني الموحد والمنيع او جنرالات المقاومة القوية والتي تعلن عن جهوزيتها الكاملة.
تحت شعار دفاعاً عن السلاح، كدنا نخسر كل شيء عدا البنادق والمدافع. وتحت شعار عدم الانجرار إلى الفتنة، انقذنا ما يمكن انقاذه من الداخل. يبقى اننا لا زلنا ننتظر الاعصار الخارجي.
عن موقع المستقبل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق