الأربعاء، 15 أكتوبر 2008

بلال خبيز القبض على الاقتصاد المعولم

اوروبا العالمثالثية



تتسرع غالب التحليلات العربية بزف بشرى انهيار الامبراطورية الاميركية على نحو لا عودة عنه. والارجح انما تنطق مثل هذه التحليلات عن هوى وغاية وليس نتيجة انعام نظر. بل والارجح ان مطلقي هذه الأفكار السريعة لا ينتبهون لمعنى انهيار الولايات المتحدة واثر مثل هذا الانهيار على العالم اجمع وعلى البلاد العربية بوجه الخصوص. بل انه لم تمض اسابيع قليلة على تصدر خبر منع الولايات المتحدة الاميركية اسرائيل من ضرب ايران صفحات الصحف العربية والاجنبية. مما يوجب على المحلل وهو يطلق احكامه ان يتفكر قليلاً في معنى ان تفقد الإدارة الاميركية سطوتها على اسرائيل مثلاً. والحق ان السياسات العربية على الدوام لم تكن مرة تعارض التدخل الاميركي في المنطقة بل كانت تعارض انحيازه للتعسف الإسرائيلي في مواجهة الحقوق العربية المشروعة. كان المفوهون العرب، من يسارهم إلى يمينهم ومن محاربيهم إلى مسالميهم، يأخذون على الإدارة الاميركية انحيازها لإسرائيل ولا يأخذون عليها تدخلها. والأرجح ان صدور هذا الرأي المبشر، على عجل، بانهيار الامبراطورية الاميركية وافول نجمها لا يأخذ في حسبانه استمرار السعي السوري الحثيث نحو اعتراف اميركي بدور ما لسوريا في جوارها، اقله حتى الآن. كما لم يأخذ في حسبانه اشعاع نجم الامل اثر اجتياح روسيا لجورجيا باستعادة الدور الروسي في مواجهة الدور الاميركي وعودة الحرب الباردة، بعدما كان ديدبان المحللين طوال العقد ونصف العقد المنصرمين التأكيد على انهزام الامبراطورية السوفياتية امام الأمبراطورية الأميركية. وإذ بقدرة قادر اصبحت روسيا نداً لأميركا وصنواً لها بعدما كانت مهزومة في افغانستان وعلى جدار برلين وغارقة في الفساد والصقيع لسنوات قليلة خلت.
لا ترد هذه الإشارة المتعلقة بروسيا تنقيصاً من شأن حضورها ومتانة دورها على المستوى العالمي. على العكس من ذلك. لم يحدث يوماً ان تحولت روسيا دولة هامشية، حتى وهي تنسحب من افغانستان، ويجرجر جيشها اذيال الهزيمة خلفه. كذلك لم تكن دولة هامشية حين كانت المافيات تأكل اخضرها ويابسها وتتحكم بأبيضها واسودها. لطالما كانت روسيا دولة مهمة ولا يستطيع العالم تحمل انهيارها مهما كانت الظروف، ومهما تعقدت اوضاعها. لذلك لم يتورع قادة العالم عن ضخ مبالغ هائلة في الهوة الروسية الفاغرة لأن العالم لا تقوم له قيامة وروسيا النووية لا تستطيع تأمين رواتب علمائها النوويين.
اليوم ثمة فرحة تغمر بعض العرب بقرب سقوط اميركا. متناسين ان مثل هذا السقوط يترك اثاراً لا يمكن التحكم بنتائجها في زوايا الارض الاربع. ذلك ان تدني مستوى الاستهلاك الاميركي وحده، من دون البحث في الاثار الأخرى لأي انهيار اقتصادي مزعوم، قد يجعل الصين تعاني من الجوع والعطش، ويضرب الاقتصاد الهندي ضربة ساحقة لا قيامة له بعدها.
قد يقول قائل هذا لا يعنينا من قريب او بعيد، فلتحل الصين مشكلاتها ولنترك نحن لنحل مشكلاتنا. لكن الصين ليست بلداً يمكن تجاهله ان جاع او عطش، وليست بلداً يمكن تجاهله ايضاً ان تعطلت مصانعه، او عجز عن تأمين حاجاته من الارز او القمح. لأن حدوث مثل هذا العجز قد يجعل اسعار القمح او الأرز تبلغ ارقاماً فلكية، مما يُعجز بلدان كثيرة في المنطقة ويضعها في عين العاصفة. ومؤدى هذا كله، ان الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين لا تتعرض للانهيار بسبب ازمة طاحنة، فضلاً عن ان انهيارها لا يكون محلياً ويطاول شعبها فقط، بل ان مثل هذا الانهيار له نتائج كارثية على العالم اجمع، وهي نتائج تطاول شعوب العالم كله قبل ان تصل للشعب الاميركي.
ثمة مفارقة اخرى تتعلق بطبيعة الانهيار المزعوم. ذلك ان المؤسسات المتعثرة في الولايات المتحدة هي مؤسسات الاقتصاد الافتراضي. اي تلك المؤسسات التي تبيع سلعاً غير ملموسة، من خدمات التأمين إلى الكفالات إلى التسليف المصرفي. وكلها تقع في قلب ما يسمى باقتصاد العولمة، وحيث ان العولمة الاقتصادية ولدت حرة ومن دون قيود من اي نوع. وادت حريتها هذه إلى ازمات كبيرة في اكثر من بلد من بلاد العالم المتقدم، من اليابان إلى كوريا الجنوبية وصولاً إلى بريطانيا وفرنسا اثناء ازمة المضاربات المالية في التسعينات، وبدت ثائرة على فكرة الدولة نفسها، وظهرت بوصفها اكثر اعداء الدولة - الامة شراً وخطراً على الإطلاق. وواقع ان الدولة الاميركية وجدت نفسها مضطرة للتدخل في هذه السوق اثر ما اصابها من علل وانهيارات، لا يعني في مطلق الاحوال عودة الاشتراكية مثلما كتب كثيرون مستهجنين ومستغربين، بل انه يعني على الارجح ان الولايات المتحدة، دولة ونظاماً ستخرج من هذه الازمة متحكمة بمفاصل اقتصاد العولمة الجديد كلها. ما لم تقلع اوروبا عن ترددها المقيت، وتلجأ إلى صنع شراكة مع الولايات المتحدة في التحكم باقتصاد المستقبل. وحيث ان الحذر الاوروبي اصم ولا يخترق، فإن مصير اوروبا نفسها ان تتحول عالماً ثالثاً.
عن الجريدة

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .