الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

بلال خبيز: الديموقراطيون يصادرون هتاف الجمهوريين

اميركا تحاول استعادة روحها
الحشد الذي استمع إلى اوباما في كولورادو هتف "يو اس ايه". هتاف ليس مألوفاً صدوره عن جمهور ديموقراطي. لطالما احتكر الجمهوريون هذا الهتاف، كانوا دائماً يحتكرون التعبير عن مشاعر الأمة الاميركية: البسطاء الذين ينقادون إلى الغضب بسرعة انما الطيبون ايضاً، الطافحون بانفعالاتهم المباشرة، والذين يثقون بالآخرين حد السذاجة. لطالما كانت هذه الصفات معقودة للجمهوريين في الولايات المتحدة، فيما ظهر الديموقراطيون دوماً كما لو انهم اصحاب العقول المفكرة والقلوب الباردة. اختصاصيو ازمات يحللون ويفكرون، لكنهم لم يكونوا ابداً يشبهون الشعب الاميركي، إذا سلمنا ان هذه هي صفاته. في هذا السباق التاريخي للوصول إلى البيت الابيض، فقد الجمهوريون هذه الصفات، تحولوا من غاضبين إلى حاقدين، وباتوا وهم يدارون انهياراً شاملاً مستعدين لفعل اي شيء لاستعادة ثقة الأميركيين وايصال مرشحهم إلى البيت الابيض. اليوم يتركز خطاب ماكين على التنكر للحزب الجمهوري وادارة بوش. بل يذهب ابعد من ذلك، لقد بات يطلق وعوداً مرتجلة، وغير مبنية على برامج، انتقلت عدوى بايلين إلى ماكين، وها هو يصرح امام الحشود، وهي حشود صغيرة بالمقارنة مع الحشود التي تستقبل اوباما، انه لن يضيف اي ضريبة على اي كان إذا ما وصل إلى البيت الأبيض. وعد لا قيمة له على الاطلاق، على الاقل، لن يكون في الإمكان تنفيذه واميركا غارقة بدماء رأسمالها اليوم. العالم كله ينزف امواله، وليس في المستطاع ان يقف ساكن البيت الابيض مكتوفاً ازاء ما يجري.
الجمهور الديموقراطي في كولورادو وفي ولايات اخرى بات اكثر ثقة بأميركيته من قبل، لهذا اصبح الهتاف مألوفاً: يو اس ايه، كانوا يرفعون حناجرهم بهذا النشيد، امام اوباما الذي قال لهم ما كان قد قاله من قبل: ليس ثمة بيننا من هم مع اميركا ومن هم ضدها، راداً على زلة لسان سارة بايلين حين اخذتها الحماسة وقسمت الاميركيين بين محبين لأميركا وكارهين لها. اوباما يضيف، لسنا هنا لنجعل اميركا حمراء او زرقاء، كلنا نقاتل ونعاني وننزف دماءنا تحت خفق العلم نفسه، ليبقى خفاقاً وعالياً، وهو ليس ديموقراطياً ولا جمهورياً هو اميركي. اوباما لاعب ماهر، يعرف كيف يلتقط الكرة ويحتفظ بها لزمن طويل. ادرك ان الحزب الجمهوري يتخبط في علله وتاريخه، فلم يجهز عليه، ارتأى ان يحتضن المتناثرين على اطرافه، وقد اصبحوا كثراً اليوم. يعرف اوباما ان الجمهوريين اهدروا فرصتهم مع جورج بوش. كانت فرصة تاريخية لتغيير العالم، لكن الادارة الجمهورية لم تحسن التقاط السوانح المناسبة. اليوم لم يعد النقاش مجدياً في ما يخص الخطأ في شن الحرب على العراق من اصله. اليوم بات النقاش في كيفية احياء الروح الاميركية مرة اخرى، بوصف اميركا امة عظيمة. الاميركيون اليوم ليسوا في حاجة لنصر في العراق ولن تغير في اوضاعهم هزيمة. المسألة اعمق من ذلك بكثير: الاميركيون اليوم يحتاجون إلى احياء الروح الجماعية. هذا بالضبط ما يحسن اوباما التقاطه بخلاف ماكين الذي بات لاهثاً وراء الكرسي من دون ان يستقر على قاع محدد من محاولة استيلاد الكراهية. ولان الأمر كذلك، لن يعدم ماكين فرصاً في تقدم حملته في استطلاعات الرأي. ذلك ان الانقسام حاد في صلب المجتمع الاميركي اليوم، وثمة كثيرون سيميلون نحو التعصب الأعمى. نحو محاولة استعادة المجد السابق للجمهوريين بأي طريقة ممكنة. ليس خافياً على الاميركيين ان هذه الانتخابات قد تكون لها نتائج كارثية على الحزب الجمهوري. بعض الجمهوريين باتوا منذ اليوم يفكرون يجعل بايلين زعيمة للحزب، وفي هذا الاتجاه ما يشي بعمق الازمة التي يعانيها الحزب الجمهوري، ذلك ان زعامة بايلين لن تكون اكثر من نسخة جديدة عن شوفينية فاشية كان لها ما يماثلها في النصف الاول من القرن الماضي في اوروبا عموماً ولم تنج اميركا من اثارها ايضاً في الحقبة الماكارثية. انه تصعيد الكراهية، كراهية كل ما هو خارج الحدود اولاً وكراهية كل من لا يوافقهم الرأي على ضرورة تصعيد نشيدها. البعض الآخر يرى ان الحزب سيعاني ازمة ساحقة، وان لا امل له في ايصال مرشحه إلى البيت الابيض. انها حقبة ديموقراطية طويلة على الجمهوريين، والافضل ان يعدوا العدة للالتحاق بالمنتصر، وإلا سيتعرضون للمحاسبة. تماماً مثلما سيحصل مع جورج بوش الابن.
كان ريتشارد كوهن كاتب الواشنطن بوست موحياً حين كتب منذ اسابيع: مثل هذه الازمات تاريخياً، لم تنته إلا بعدما غرق العالم كله بدمائه في حربين عالميتين لا سابق لقسوتهما وعبثيتهما. اليوم ثمة فرصة في استعادة اميركا انفاسها مع باراك اوباما، الذي يدرك بغريزة السياسي الصائبة ان اخطر ما يمكن ان تواجهه اميركا اليوم هو الانقسام الحاد، ذلك ان الانقسامات كانت دائماً الرحم الذي تتغذى منه ترنيمة الكراهية، وإذا ما قدر للكراهية ان تخرج من رحم الازمة الاميركية إلى النور، فعلى العالم برمته ان يأخذ حذره، فيعد الملاجئ ويخزن الغذاء تحسباً لأيام كالحة.
عن ايلاف

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .