عريب الرنتاوي عن الدستور الاردنية
هددت إسرائيل بمسح قرى لبنانية بأكملها إن هي استُخدمت كمنصات لإطلاق صواريخ حزب الله عليها ، عملا على ما يبدو ، بما بات يعرف في "العسكرية الإسرائيلية" بـ"نظرية الضاحية" ، وهي النظرية التي تتخذ من "الدمار الشامل" الذي ألحق بضاحية بيروت الجنوبية في حرب تموز ـ آب 2008 أنموذجا لما يمكن أن تكون عليه مصائر القرى والبلدات والمدن اللبنانية في أي حرب قادمة.
في السجالات داخل الأروقة العسكرية والاستراتيجية الإسرائيلية ، تم تطوير نظرية مفادها أن حزب الله بعد أحداث السابع من أيار الفائت واتفاق الدوحة وتشكيل الحكومة الثانية للسنيورة ، قد استولى على لبنان أو اختطفه ، وتأسيسا على هذه الفرضية ، فإن أي حرب قادمة لا يجوز أن تخرج البنى التحتية للدولة والاقتصاد اللبنانيين من دائرة الاستهداف الإسرائيلي ، وأن الضربات الجوية المكثفة لا يجب أن تقتصر على أهداف تتبع مباشرة لحزب الله ، بل يمكن أن تطال الأهداف اللبنانية على اتساعها.
مثل هذا التطور - البربري - في النظريات العسكرية والاستراتيجية ، لا يليق إلا بإسرائيل ، التي احتلت "نظرية المجزرة" مكانة مُؤسسة في تاريخها الحديث ، وموقعا جوهريا في البنيان الفكري والإيديولوجي للدولة العبرية ، ومثل هذه النظريات والاستراتيجيات لا بد أن حزب الله يأخذها على محمل الجد ، وهو الذي اكتوى بنارها في مرات سابقة.
الخلاصة أن تطور التفكير العسكري الإسرائيلي لا يترك لحزب الله سوى واحد من خيارين: الأول ، الانصياع لهذه التهديدات والخضوع لهاجس الخوف الناجم عن التلويح بالدمار والتدمير الشاملين...والثاني ، امتلاك أسلحة أكثر تطورا وأكثر قدرة على التدمير ، لخلق توازن رعب ، ورد الصاع صاعين ، وجعل "الجبهة الداخلية" في إسرائيل مكشوفة تماما أمام نيرانه ، وفي مثل هذا الحال ، فإن "خيار شمشون" سيكون الخيار الوحيد المتبقي أمام الطرفين المتحاربين.
في ظني أن حزب الله ، حسم أمره واتخذ قراره ورسم خياره ، وهو ماض في بناء ترسانته العسكرية كما ونوعا ، وما التهديدات التي يطلقها الأمين العام للحزب بجعل الحرب القادمة وبالا على إسرائيل ، سوى دلالة على السير في هذا الاتجاه ، أما إلى أي حد أو أي درجة سينجح الحزب في إرساء قاعدة "توازن الرعب" أو "الردع المتبادل" فتلكم حكاية أخرى ، لن نعرف تفاصيلها ونهاياتها إلا إذا اندلعت مواجهة جديدة ، وهذا أمر ليس بمستحيل على أية حال.
المهم في أمر التهديدات الإسرائيلية التدميرية الشاملة للبنان ، أنها توفر درسا للفلسطينيين كذلك...فإسرائيل كانت تنتقم من السلطة عن أي عملية تنفذها حماس أو الجهاد ، لكن المجتمع الدولي وفر بعض الشيء ولبعض الوقت ، حماية للسلطة من "التدمير الإسرائيلي الشامل" ، وهي حماية كانت تتناقص كلما كانت حماس تتقارب مع السلطة ، أو بالأحرى كلما اقتربت السلطة من تبني خيارات حماس ، أما اليوم ، وبعد أن أصبحت حماس هي السلطة في غزة ، فقد باتت عارية من أي غطاء ومن أي نوع ، وستصبح هدفا للتدمير الشامل إن هي استأنفت عملياتها الموجعة لإسرائيل ، ولعل هذا ما يفسر توقف عمليات حماس النوعية منذ عام أو عامين ، وامتناع الحركة مؤخرا عن ممارسة المقاومة المسلحة وجنوحها الجارف للتهدئة والهدنة ، والأرجح أن بقاء حماس في السلطة ، سيجعل التهدئة المؤقتة هدنة دائمة ، فالسلطة لا يمكن الاحتفاظ بها من دون هدنة وتهدئة ، ودائما ستكون هناك حجج وذرائع لتبرير هذه وتسويق تلك ، حتى وإن كنا جميعا نعرف تمام المعرفة أن الحفاظ على السلطة هو هدف التهدئة ، وأن الجمع بين المقاومة والسلطة خيار ساقط في لبنان وفي فلسطين على حد سواء ، خصوصا بعد أن ارتقت "نظرية الضاحية" إلى مستوى الاستراتيجية العليا في إسرائيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق