الاعتراض على قانون الانتخاب الجديد ـ القديم الذي اقره مجلس النواب بصيغته النهائية امس، مبدئي وليس واقعيا. وهو لا يصدر الا عن شريحة صغيرة من اللبنانيين الذين غادروا طوائفهم فعلا وما زالوا خارجها، او عن نخبة لبنانية محدودة، ما زالت غارقة في وهم تشكيل مجتمع موحد ومستقر... لا ينتقل من حرب اهلية الى اخرى. لكن الايام قد تثبت ان هذه الشريحة اللبنانية المعترضة هي على خطأ، لان قانون الستين المعدل قد لا يكون مجرد عودة الى الوراء، بل هو بالفعل خطوة الى الامام، عما هو ظاهر حاليا من شروخ عميقة في التكوين الطائفي والمذهبي للمجتمع اللبناني، يجري انكارها دائما، او يجري تمويهها بمزاعم سياسية، لم تعد تخدع احدا من اللبنانيين. القانون المتجدد يتيح لكل طائفة ان تنتخب نوابها في البرلمان. وهو انجاز مهم حسب المعايير الطائفية الراهنة، لانه في البداية ينقل الصراع السياسي الى داخل الطائفة الواحدة، ويتحدى الاحتكار الذي تشهده جميع الطوائف من دون استثناء، من جانب قوى تحتكم الى الارث او الى المال او السلاح... وهو ما يمكن ان يحقق اختراقات محدودة في معظم الطوائف تفوق ما كان يمكن ان يحققه المرشحون من خارج الكتل والمحادل في الدوائر الكبرى. اما الاعتراض على القانون الجديد من خلال التركيز على الحاجة الدائمة الى رسم دوائر مختلطة، فهو في الوضع الحالي اشبه بالقفز في المجهول، والاكراه للجمهور اللبناني الذي يأبى الاختلاط، والتنكر لكل التجارب التي شهدها لبنان على السنوات الـ٤٨ الماضية، والتي لا يمكن لاحد ان يدعي انها كانت عادلة ونزيهة، او محفزة على المزيد من الوحدة الوطنية. اطرف ما قيل في حق قانون الستين انه هو الذي انتج الحرب الاهلية وامراءها، مع ان رد الفعل السياسي عليه انتج واحدة من اهم التجارب في تاريخ لبنان الحديث، وهي تجربة الاحزاب اليسارية واليمينية التي بذلت جهودا جدية لكي تدعي انها عابرة للطوائف والمذاهب، وخاضت ثلاث جولات انتخابية بمرشحين في مختلف الدوائر، لا ينتمون الى طائفة واحدة... وقد دخل بعضهم باسم هذه الاحزاب الى المجلس النيابي وبقي فيه ردحا من الزمن. صحيح ان الاثر النفسي للقانون الجديد محبط، لانه تراجع عن احد اهم بنود اتفاق الطائف، الذي يبدو الان مثل حلم راود اللبنانيين بعد الحرب الاهلية، لكنه سرعان ما تبدد نتيجة وقائع ومعطيات لم يعد بامكان احد ان يتخطاها، اهمها واخطرها ذلك الشرخ المذهبي العميق بين السنة والشيعة الذين لا يمكن لاي لائحة انتخابية ان تجمعهما، كما لا يمكن لاي منافسة انتخابية ان تجرى بينهما من دون ان تتحول بسرعة الى فتنة دموية. القانون الجديد ليس مهما بحد ذاته، بل بالنقيض الذي سينتجه: تكرار تجربة الستين الحزبية مستبعد تماما، والحرب الاهلية لن تتجدد لانها مشتعلة اصلا. لكن المخيلة اللبنانية واسعة جدا... وهي لا تـزال قادرة على ابتـكار وسـيلة جديـدة لـتدمير البلد!
عن السفير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق