الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

بلال خبيز مقدمات وشروط عودة سورية إلى لبنان

يوليو، 2008


مقدمات وشروط عودة سورية إلى لبنان

بلال خبيز


هذه المقالة نشرت في ملحق النهار في شهر يوليو - تموز الماضي. يومها لم تسلم من الردود الشفهية التي اعتبرتها مغالية في التشاؤم في وقت يبدأ البلد حملة التفاؤل المستعادة كل حين. اليوم، اصبح الموضوع مكشوفا تماما، والتحذيرات الدولية اكثر من ان تحصى من احتمال عودة الجيش السوري إلى لبنان. لهذا تبدو اعادة النشر اكثر من ضرورية





كان لافتاً للانتباه ان يستثني الجنرال جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني سوريا من مهمات الدفاع عن ايران في حال تعرضها لهجوم اسرائيلي. حيث اوكل لحركة حماس وحزب الله مهمة الدفاع عن النظام الإيراني في مواجهة هجوم اسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. والأرجح ان الرابطة الوثقى التي ربطت النظام السوري بالنظام الإيراني طوال عقود طويلة اصبحت اليوم اقل قوة مما كانت عليه من قبل.من طبائع السياسة السورية التي ارساها الرئيس الراحل حافظ الأسد، والتي ما زال الرئيس الحالي بشار الأسد يحكم من ارشيفها، ان يجهد النظام لتجنيب سوريا، جيشاً ونظاماً وقوى امنية ومؤسسات رسمية، اي مغامرة كبرى على المستوى العسكري. فالنظام السوري كان يقاتل دائماً بحلفائه. وإذ تنحو السياسة الإيرانية نحو ما كان قد ارساه الرئيس الأسد الراحل، فإن ذلك لا يعني ان سوريا الحليفة لإيران قد تحولت إلى الحليف المقاتل دفاعاً عن رأس الحلف وعقدته الاولى المتمثلة بالنظام الإيراني. ذلك ان النظام السوري يتقن الهرب من الاستحقاقات الدامية وليس ثمة ايديولجيا ايمانية من اي نوع تدفع قادته إلى مثل هذه المغامرات على نحو ما يفعل شيعة حزب الله وسنة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.هذا السلوك السوري المزمن لا يفسر كل ما يجري في طبيعة الحال. بل ان الميدان الذي يجدر بالمراقب ملاحظة ما يجري فيه لمعرفة اتجاهات السياسة السورية هو الساحة اللبنانية، وليس ميدان الصراع العربي – الإسرائيلي بطبيعة الحال. ففي لبنان تبدي الإدارة السورية استعدادها المطلق لتقديم ما لا ترضى بتقديمه في اي مكان آخر. حيث يخوض النظام معاركه بحماسة قل نظيرها في اي مكان من العالم. والحق ان متتبع الخط السوري في العلاقة مع الازمات اللبنانية المتلاحقة يمكنه ان يتثبت من ثابت وحيد في السياسة السورية، وهو الذي يكمن بالضبط في سهولة، بل واحياناً، في متعة التخلي عن الحلفاء. فالدخول السوري الاول إلى لبنان حصل في مواجهة قوى المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية المتحالفة معها، ودعماً للقوى المسيحية المعارضة للمشروع الفلسطيني – الوطني اللبناني بالسلاح. لكن مقتضيات الهيمنة السورية على لبنان سرعان ما دفعت نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى دعم المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية في مواجهة صعود نجم قائد القوات اللبنانية الرئيس الراحل غيلة بشير الجميل. إلى ان اجلت القوات الإسرائيلية القوات السورية والفلسطينية من بيروت في صيف العام 1982، من بيروت ومعظم لبنان. لتعود القوات السورية إلى لبنان مظفرة في العام 1987 بعد استفحال الخلافات اللبنانية -اللبنانية ووصول الاوضاع إلى درجة من التردي والخطورة جعلت اللبنانيين عموماً مستعدين للقبول بمترتبات الهيمنة السورية في مقابل تحقيق الأمن الأهلي، وهو ما استندت إليه عملياً القوى المساهمة في انتاج اتفاق الطائف في العام 1989 لإقراره وتمريره.يدرك قادة سوريا جيداً ان لبنان محكوم بجاريه. اي ان لبنان محكوم بتدخلات اسرائيلية لا تتوقف عند حد في شؤونه الداخلية مثلما هو محكوم بتدخلات سورية مماثلة. والفارق بين التدخلين ان البلد يستطيع ان يعيش في ظل هيمنة سورية عليه، وتعطيل فعلي لمقومات استقلاله وسيادته، سورياً، فيما لا يستطيع تقبل او احتمال مثل هذه الهيمنة اسرائيلياً. وان العلاقة بين لبنان وجاريه تتلخص بالمعادلة الآتية: لا يستطيع لبنان ان يحارب سوريا، ولا ان يسالم اسرائيل. لكنه في الوقت نفسه مضطر للخضوع لابتزاز علاقات حسن الجوار مع سوريا التي تعني دائماً هيمنة من نوع ما على المقدرات اللبنانية، ومضطر من ناحية ثانية للخضوع لمنطق استمرار التوتر مع اسرائيل، التي تبتزه دماً بتطلبها السلام معه، واعلاناتها المتكررة انها لا تطمع في اراضيه. على هذا يشكل الاحتلال الاسرائيلي عبئاً على لبنان، لكن انسحاب الجيش المحتل لا يقلل من ثقل هذا العبء. ذلك ان لبنان ملعون على الدوام بإعلان نوايا اسرائيلية في تطبيع العلاقات معه. فيما يجنح دائماً إلى محاولة تطبيع العلاقات مع سوريا التي يشكل رفضها وتعنتها في هذا السياق، عبئاً على لبنان، عبر الرفض السوري القاطع لإقامة علاقات طبيعية مع لبنان. وبهذا المعنى يصبح مفهوماً ان ترضى اسرائيل بترسيم الحدود مع لبنان، بخلاف علاقتها بجيرانها كافة، فيما ترفض سوريا مثل هذا التحديد او الترسيم بخلاف ما هو الأمر مع جيرانها الآخرين، وبعضهم في العرف السوري يحتل اجزاء من سوريا لا حق له باحتلالها، كحال تركيا.استناداً على هذه المعادلة الجائرة يقع لبنان بين فكي كماشة لا قبل له بالتخلص من احكامها. فهو محكوم بتطلب سوري للهيمنة على مقدراته، بحيث يستحيل، مع هذا التطلب، اقامة علاقات طبيعية بين البلدين. ومن جهة ثانية هو محكوم بحرب ابدية ضد اسرائيل لا يستطيع الإيفاء بموجباتها. وفي الحالين ثمة ابواب ونوافذ كثيرة لعودة النفوذ السوري إلى لبنان، التي لا تتعارض حكماً مع نفوذ امني اسرائيلي على الجانب اللبناني من الحدود.يجدر بنا التذكر دائماً ان سنوات سوريا الذهبية في لبنان كانت في ظل احتلال اسرائيلي لجزء من الارض اللبنانية، وان مثل هذا الاحتلال الذي قد يرتدي اقنعة لا حصر لها، هو احد المبررات التي تجعل من النفوذ السوري في لبنان امراً واقعاً. على هذا لا يجدر بأي كان ان يستغرب ان يعود الجيش السوري إلى لبنان لاستئصال شأفة حزب الله وتحجيم دوره في السياسة اللبنانية الداخلية ومناصرة خصومه.

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .