السبت، 1 نوفمبر 2008

بلال خبيز: في تفهم الخجل السوري

ندين الغارة الاميركية على سوريا مرتين
سارعت بعض الاقلام اللبنانية ممن يعتبراصحابها انفسهم من الغلاة في الدعوة إلى استقلال لبنان الكامل وسيادته على اراضيه، بالتلميح إلى لفظية الرد السوري على الغارة الاميركية في بلدة السكرية الواقعة في منطقة البوكمال الحدودية. كما لو ان لسان حال بعض اللبنانيين يلهج بالقول: فلتشرب سوريا من الكأس الذي لطالما سقتنا منه. من جهة ثانية لم يحسن بعض المدافعين عن سوريا من اللبنانيين، ظالمة كانت ام مظلومة، إلا الاشادة بقوة الرد السوري على الاميركيين ومدى صلابته. والحق ان الحديث عن رد سوري قوي لا يجد باباً للمنطق يلج منه في جدار الديماغوجيا الأصم. فكيف يكون الرد قوياً والعبارة هي هي، لم تتغير: نحتفظ بحقنا في الرد في الزمان والمكان المناسبين، وهذا حق لم تستعمله سوريا مرة واحدة؟
يتفهم المرء ان تلجأ سوريا إلى خطاب لفظي عنيف، وان تحجم عن الرد بالمثل. فسوريا في هذا المقام دولة صغيرة، وليس في وسعها منفردة ان تواجه الآلة العسكرية الإسرائيلية من دون ان تتعرض فعلاً لتدمير هائل قد لا يبقي ولا يذر، فكيف حين يكون الأمر متعلقاً بالرد على القوات الاميركية. في مثل هذا السلوك السوري ما يمكن اعتباره عين الصواب. لكن اتضاح الصواب واتخاذ جانب الواقعية في السلوك السوري، المتمثل بالاحجام عن الرد بالمثل، يفضح اسطورة ايرانية – سورية - قومجية، لطالما قرعت اذاننا. الاسطورة التي تتمثل بالادعاء ان الجيش الاميركي في العراق قد يصبح رهينة في يد الايرانيين إذا ما اندلعت حرب بين الجانبين. فلو كان الأمر صحيحاً على اي مقياس من المقاييس، لما كان يجدر بسوريا ان تحجم عن الرد بالمثل. لكن سوريا عند الملمات تعرف ان هذا الجيش ليس قادراً على هزيمة جيشها فحسب، بل قادر على تدمير المنطقة برمتها إذا ما تم تسريحه من عقاله.
في وسع المرء ان يتفهم طبيعة الرد السوري واتصاله بالمنطق السليم في اي حال من الاحوال. فأن تجد سوريا نفسها في مواجهة مباشرة مع اميركا، امر لا يخفي على السوريين وعلى غير السوريين ميلان ميزان القوى الساحق لصالح اميركا من دون لبس ولا تشكيك، فالمواجهة بين دولتين على هذا المقدار الهائل من اختلال موازين القوى ليست بالأمر الذي يجدر بسوريا ان تسعى إليه.
في وسع اي كان ان يتفهم الرد السوري الخجول. انما يجدر باللبناني ان يتفهم الخجل السوري مرتين. مرة لأنه اعتداء فاضح على السيادة السورية، من دولة كبيرة لا قبل لسوريا بمواجهة مباشرة معها. وهذا مما يتناقض تناقضاً صريحاً مع شرعة الامم المتحدة، وحق الدول في تسيدها على ارضها ومقدراتها بصرف النظر عن طبيعة نظامها وسياساته. ومرة اخرى لأن سوريا لا تكف عن تذكير المجتمع الدولي شرقاً وغرباً بحقها في حماية نفسها من الإرهاب اللبناني في طرابلس والشمال. فلو كانت مثل هذه الحجة تجيز لدولة ان تتدخل في شؤون دولة اخرى، وان تشن غارات داخل اراضيها، لكانت الغارة الاميركية اكثر من مبررة. ولو كان منطق موازين القوى هو الذي يحدد الحق في التدخل العسكري والأمني خارج الحدود، لحق للولايات المتحدة الاميركية، اكثر من غيرها طبعاً، ان تتدخل عسكرياً وامنياً في عمق الاراضي السورية.
والحال، فإن الحجتين اللتين نأخذهما على الإدارة الاميركية في ما يخص الاعتداء السافر على السيادة السورية، هما الحجتان نفسهما اللتان نأخذهما على سوريا حيال مطلبها الملحاح التدخل في لبنان. إذ لطالما ردد الرئيس السوري في الآونة الأخيرة ان من حق الدولة الكبيرة التي هي سوريا ان تحمي مصالحها في الدولة الصغيرة التي هي لبنان، مثلما يحق للدولة الروسية الكبيرة ان تتدخل في الدولة الصغيرة التي هي جورجيا. وهذا مما يتنافى مع ابسط مقومات السيادة الوطنية مثلما يعلم الجميع. اما الحجة الثانية فكانت على الدوام ان لبنان خاصرة رخوة وضعيفة، وان سوريا تريد ان تعالج رخاوة الخاصرة بشدة عسكرها ويد مخابراتها الثقيلة. وحين تجيز سوريا لنفسها التدخل في لبنان اعتماداً على هاتين الحجتين، كيف يحق لها ان تعترض على التدخل الاميركي والتطاول على سيادتها؟
يجدر باللبنانيين ادانة الاعتداء الاميركي مرتين: مرة لأنه اعتداء سافر من دولة قوية على دولة اضعف منها، ومرة اخرى لأن التساهل في الموقف من مثل هذه الاعتداءات يجيز لسوريا ان تتصرف في لبنان كما تتصرف اميركا في سوريا نفسها.


عن موقع المستقبل

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .