الأربعاء، 26 نوفمبر 2008

ايمن جزيني: المقاومة حضناً للتوتر وليس للحوار


كيف ملتقى حوار اديان في بلد يحاور اهله بالدم بعضهم بعضاً؟

يقوم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان منذ فترة بدور سياسي لافت ومميّز لم يُعطَ ربما لأحد ممن تربع على كرسي الرئاسة الأولى أن سبقه إليه. وهو يضطلع بدور جعله مقصد الأنظار والزيارات والوفود. وتحوّل موضوعاً للمدائح، ونقطة للآراء الساعية إلى التقارب. وقد يكون اجماع القيادات السياسية، موالاة ومعارضة، على التطوع لمؤازرة كتلة نيابية "وسطية" دعا إليها الرئيس، قرينة قوية وجليّة على أهمية حركته السياسية، بينما لا ينفك البلد يتردى ويزداد وهناً وتراجعاً.إلا أن ما طرحه سليمان في مؤتمر "حوار الأديان" قد يحمل المراقب على طرح الاسئلة. فالرئيس لم يتردد في الطلب إلى المجتمع الدولي جعل لبنان مركزاً للقاء الثقافات والأديان، مغفلاً إطباق الميليشيات المسلحة على البلد من كل جهة، وأن وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى سبقه فراغ في الأبنية الدستورية لم يسبق لدولة ما أن شهدت مثله إلا في حالي التوتر والحرب.يسع المرء أن يسأل القائمين على أمور البلد سؤالاً ملحاً: كيف لبنان مركزاً للقاء الثقافات والأديان وحيزاً لحوار يهجس العالم قلقاً لإجرائه، فيما حال "حزب الله" ورهطه دون إجراء انتخابات رئاسية، ودون مباشرة مالكين لأرزاقهم في وسط بيروت التجاري؟ وكيف يكون البلد دولة، فيما جماعات فيه تهذر صبح مساء بـ"مقاومة" تسعى في مسالك حروب لا ترهص بنهاية لها؟ عاش لبنان خلال العامين الماضيين سجالاً متمادياً حول "قرار الحرب والسلم" ومدى ملاءمة "الاستراتيجيا الدفاعية" لطبيعة الوضع الداخلي. وهو واقع كان يعكس الصلة الوثيقة بين التهديدات الإسرائيلية ولبوس "حزب الله" لها، والحياة السياسية ومصير الديموقراطية عموماً، الأمر الذي تجلى بأوضح صوره في 7 أيار تحت عنوان "السلاح لحماية السلاح". ومهما تكن ملابسات الحزب الشيعي في نزوله المسلح إلى شوارع العاصمة، وقبل ذلك عراضاته العسكرية، فهو لم ينفك منذ اناطته بنفسه "التحرير" والحرب على إسرائيل، يربط ربطاً وثيقاً بين أجندته وخضوع اللبنانيين، فجعل النزول عند إرادته شرطاً شارطاً لثبات السلم الأهلي الهش، كما جعل من خضوع التنوع اللبناني إلى مقاومته طريقاً معبّداً إلى مزارع شبعا الموقوفة على توقيع سوري يؤكد لبنانيتها. فالتحرير مشجب يعلّق عليه الحزب الإيراني النشأة والرعاية، سياساته وبرامجه ونوازعه كلها. ويتوسل بهذا المشجب إلى تعريف نفسه. ويزعم لنفسه علناً ضلعاً في الأحوال الدولية، سياسة وثقافة واقتصاداً، من دون أن يكون للآخرين مساءلته، فيضطلع بتسويغ نهج حربي قاطع يصلي جماعات الداخل، ويسعى في تسلط جامح إلى فرض هواجسه، على ما يؤكد نوابه المنوهون في معرض تصريحاتهم عن "الاستراتيجيا الدفاعية".يغفل الداعون إلى "التهدئة" إفساحاً في المجال للتوصل إلى إقرار "استراتيجيا دفاعية"، أن جذور "المقاومة" منذ كانت، نهضت على أنقاض الدولة وأبنيتها الدستورية والسياسية، فضلاً عن ان نسختها الحزب الهية فرضتها الهيمنة السورية المديدة على البلد من طريق استثناء الحزب الخميني من حل الميليشيات، ومنعت بينه وبين الدولة وحقوقها، فاقتطع حيزه وجماعته من الاجتماع اللبناني العام.فالمقاومة تسعى في كل ما ينقض الدولة ويذرر اجتماعها شيعاً، ويُعلن الحرب ومنطقتها على ثقافة السياسة وعمليتها لفائدة الانتساب إلى العصبيات والانضواء تحت رايتها الخفاقة. وهذا ما يناقض الحوار والأديان والثقافات ويناكفها مناكفة العقل الاحادي لمثيله. وهي (المقاومة) لا تني ترسي سلطتها على القهر والقمع لإرساء ما تسمّيه "حقها" في أن تكون مقاومة، وتستثني نفسها من مبادئ الحق والقانون الدولي، وتنصّب نفسها بديلاً من الجميع شاؤوا أم أبوا. وتنفي الأبنية السياسية والقانونية والدستورية نفياً لا تمييز فيه، لينهض في جنباتها التوتر سياقا عاماً لا أمن بعده لأيّ فرد.ثمة عيب أعمق وأفدح مصدره نزوع الغالبية - قوى 14 آذار - نزوعاً ثابتاً إلى مناقشة "الاستراتيجيا الدفاعية"، فيما يفترض منطق الدولة، كل دولة، أن الوطن له دائماً سياسة دفاعية. وإذا كان المتوخى من المناقشة أو ما يسمّى "الحوار الوطني" التهيؤ لمواجهة عدوانية إسرائيلية محتملة في كل لحظة، فالسؤال كيف السبيل إلى مواجهة مع دولة تعهّد المجتمع الدولي بتفوقها الاستراتيجي حرباً وسلماً؟ فما يحصل في هذا السياق يعكس لوناً صارخاً من ألوان التلاعب السياسي بمصير البلد.لا يمكن الموافقة في معرض الجواب عن السؤال السابق، على ما يروّجه سياسيون كثر من قول مفاده أن وقائع السنتين السابقتين تؤيد حصول حوار حول "الاستراتيجيا" والنزوع إلى التهدئة وفقاً لسياق "عشائري" لتثبيت استقلال لبنان وحياته السياسية وإرث تقاليده الديموقراطية. فمثل هذا القول ينطوي على تضخيم لا يملك حظوظاً من الصواب. وينبغي التعرف إلى الحد الفاصل بين ما ينتمي منه إلى دائرة الاختيار، وما يقع منه في دائرة الاضطرار. فاللبنانيون امام حدّين من الخيارات القاسية والمتوترة اللذين فرضتهما ميليشيا المقاومة في شوارع بيروت وعند حدود بعض المناطق في الجبل: إما التوتر و"السلاح لحماية السلاح"، وإما الانقياد والنزول عند رغبة الحزب الخميني الشيعي نزولاً لا مكان للعودة عن مساره الانحداري.يعرف اللبنانيون ان رئيسهم يتميز من بين آخرين بصفتيه العسكرية والسياسة، فهو على ما نعلم من تجربته كان قائداً للجيش وحال دون اهتزاز المؤسسة العسكرية في ظل ظروف شديدة التعقيد، وهو حالياً رئيس لجمهورية يزداد فيها التوتر. وهذا جمعٌ مصدر قوة سليمان ونوازعه السياسية. وما طلبه من مؤتمر "حوار الأديان" يقع في عين الصواب ولا جدل فيه. وليس ثمة من يريد عكس ذلك. لكن ما يسير البلد في مسالكه يفرض علينا البحث في إمكان تحقق المساعي والأماني. وكيف للبنانيين، وهم من المغلوب على أمرهم بإزاء أسلحة الميليشيات، أن يمنعوا ما يجب منعه من سطوة المقاومة وترهيبها لهم، وتجويز ما ينبغي تجويزه لجهة قيام الدولة؟ وكيف يكون لبنان مركزاً لحوار الاديان والثقافات، وفيه من لا يعرف إلى الحياة سبيلاً سوى الحرب وهذرها؟ أم أن الرئيس يعتبر ان الاجابة عن هذه الاسئلة سابقة لأوانها، وأنه، بوصفه أدرى بشعاب مكة وبمتن الاجتماع السياسي اللبناني، يذهب في ما ذهب إليه؟
ملحق النهار

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .