الخميس، 6 نوفمبر 2008

جو معكرون:اوباما هو زمن آخر


لبنان والعرب في ميزان أوباما البراغماتي

لا يمكن حسم ماهية سياسة الرئيس باراك اوباما الخارجية، قبل بروز ملامح هذه الإدارة الجديدة خلال الأسابيع المقبلة، مع التعيينات التي ستنطلق من البيت الابيض، وتتوزع تباعا من وزارة الخارجية الى وزارة الدفاع. يحمل اوباما عناوين عريضة لنظرته الى الشرق الاوسط، لكنه ليس ايديولوجيا مع أفكار جاهزة مسبقا، وتفاصيل سياساته ستستند الى نتاج تشاور ونزاع بين فريق مستشاريه. يعبر اوباما عن »مثالية براغماتية« ورؤية لنظام عالمي متعدد الأطراف. يعيد إحياء الدبلوماسية الاميركية، ويعبر عن اهتمام خاص بتعزيز الدول الهشة لضمان الأمن الاميركي في عالم ما بعد ١١ أيلول. في خطابه الشهير في العام ٢٠٠٢ ضد غزو العراق، قال »انا لا أعارض كل الحروب. انا أعارض الحروب الغبية«. لا يمكن الجزم بعد بشأن ما اذا كان مناهضا للحروب بالمطلق، او يؤيد ربما حروب التدخل الإنساني، في ازمة دارفور على سبيل المثال. يمثل اوباما بطبيعة الحال انقطاعا عن سياسات الرئيس جورج بوش. التحول الأبرز ليس فقط في مقاربة الآخر، صديقا كان أم عدوا، بل في هذا التباين الجوهري في الشخصية. اوباما لا يعيش في »فقاعة« التاريخ، لا يحمل عقدا من علاقته مع أبيه، يستمع ويقرأ ويحاور ويتابع التفاصيل، يعرف العالم ويهتم بأمره، ويسعى بالفطرة الى الإجماع والشراكة. لديه موقف حازم من جدوى حرب العراق، ولا يرى تورطا أميركيا عسكريا طويل الأمد في بلد يعيش صراعا طائفيا على السلطة، فهو يعتبر ان غزو العراق أنهك المصالح الاميركية في المنطقة ووضعها في تناقض مع حلفائها. حرب اوباما هي افغانستان، التي يريدها مساحة شراكة مع الأوروبيين، ونموذج المصالحة معهم. في سياق تركيزه على جنوب آسيا وقضايا الإرهاب، يسعى اوباما الى نقل تدريجي للموارد والجنود من بغداد الى كابول، لدعم حكومة هشة يتراجع نفوذها امام صعود حركة طالبان. والتحدي الآخر صياغة استراتيجية جديدة في التعامل مع باكستان، التي تقلق حكومتها المدنية من استعداده لشن غارات داخل الاراضي الباكستانية في حال لم تتعاون إسلام آباد عند توفر معلومات عن مكان تواجد زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. في الشرق الاوسط، تستند سياسة اوباما الى مصير التجاذب الايراني الاميركي حول الازمة النووية. هل ستقتنع »واشنطن اوباما« بطموحات طهران النووية وتتعايش معها في صفقة متكاملة، من بغداد الى بيروت مرورا بقطاع غزة؟ وهل سيقود اوباما دبلوماسية سرية مع طهران فورا، لم انه سيتمهل حتى تنطلق ولايته وتمر الانتخابات الرئاسية الايرانية؟. لقد تعهد اوباما بالسعي لدبلوماسية »قاسية ومباشرة من دون شروط لإنهاء الخطر من ايران«. وهو يقول انه سيعرض عليها التخلي عن برنامجها النووي في مقابل رزمة من الحوافز. وفي حال رفضت، سيزيد عليها الضغوط الاقتصادية والعزلة السياسية. وقد مهد انهيار السياسة الاميركية في الشرق الاوسط أواخر عهد بوش، لنظام إقليمي متنوع، شهد بروز قوى جديدة على مسرح التسويات. قد يبني اوباما على الوساطة التركية بين سوريا واسرائيل، والدبلوماسية المصرية في الداخل الفلسطيني، والدور الفرنسي في لبنان. وهو تعهد أيضا بإبداء أهمية بعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مبكرا في ولايته، وقد يبني بطبيعة الحال على مسار انابوليس ودعم السلطة الفلسطينية، في أسلوب مشابه لمقاربة الرئيس الأسبق بيل كلينتون. وقد يستند أيضا الى قرار وزارة الخارجية الاميركية المتردد باتخاذ خطوة افتتاح مكتب لرعاية المصالح في طهران. مفاعيل اوباما على سياسة واشنطن الخارجية، بدأت حتى قبل وصوله الى البيت الابيض. الحكومة العراقية انتفضت على بوش ورفضت توقيع المعاهدة الامنية. آخر لقاء مباشر له مع قائد القوات المتعددة الجنسيات السابق الجنرال ديفيد بيتراوس كان باردا. تعوّد المسؤول العسكري الاميركي ان تكون له اليد المطلقة في الاستراتيجية العسكرية، حتى من دون رقابة من وزارة الدفاع. استمع إليه اوباما بهدوء وابلغه في النهاية انه سيكون القائد الأعلى للقوات المسلحة في حال فوزه، وهو سيرسم خريطة انتشار القوات الاميركية. الغزل السياسي بين المرشح اوباما ووزير الدفاع روبرت غيتس لم يتوقف، يطبعه تقاطـــع أفكار علـــني حول افغانســـتان والعراق. يدرك اوباما ان العلاقة بين العسكر والمدنيين تدهورت منذ غزو العراق، بعدما تجاوز مدنيون في البنتاغون صلاحيات القيادة العسكرية، التي تحدت لاحقا ادارة بوش عندما ألمحت الى ضرب ايران. وما عرف يوما بسياسة بوش حيال لبنان، انتهت حتى قبل انتخاب اوباما، الذي يبدو انه سيحافظ على الثوابت مع تباين في الأسلوب والمقاربة. لا تورط لإدارة اوباما في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية، بل النظرة الى بيروت ستعتمد على الخريطة الأوسع في العلاقة مع سوريا وايران. والسؤال الآخر هو: هل سيطمئن اوباما ابرز حلفائه العرب، لا سيما مصر والسعودية، بعد فترة حرجة في علاقتهما مع واشنطن؟. ما صدر عن اوباما من بيانات قليلة جدا حول لبنان، أعاد التأكيد على ثوابت كل القرارات الدولية، لكنه قال في بيان بعد أحداث أيار الاخيرة »حان وقت الانخراط في جهود دبلوماسية من اجل المساعدة على بناء إجماع لبناني جديد يركز على الإصلاح الانتخابي وإنهاء نظام الرعاية الفاسد وتنمية الاقتصاد الذي يوفر توزيعا عادلا للخدمات والفرص والوظائف«، ما أزعج حينها كثيرين داخل ادارة بوش وخارجها. وقال في بيان آخر في ذكرى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في خضم الازمة الرئاسية »على واشنطن ان تقوم بتصحيح فشل سياسة الرئيس جورج بوش حيال لبنان، وان تقوم باستبدال الشعارات الفارغة بمسار دبلوماسي فعال ودائم، وعلينا العمل مع حلفائنا الأوروبيين والعــرب لرعاية إجماع حول لبنان مستقر«. وختم بالقول »على اي اتفاق وطني ان يشمل نزع ســـلاح الميليــشيات«. وقال لديفيد بروكس من »نيويورك تايمز« ان على واشنطن البحث عن سبل لمنافسة »حزب الله« لناحية تطوير »آليات يتمكن من خلالها الساخطون الحصول على منفذ فعال لشكواهم، ما يضمن لهم الحصول على الخدمات الاجتماعية«. لمن يتوقع ان يكون اوباما مناصرا لقضايا عربية غير متماسكة بالأصل، يكون واهما. ولمن يتوقع ان يشكل اوباما استمرارا لسياسة بوش حيال اسرائيل، يكون متسرعا. بين فريق عمله أسماء مقربة من القضايا العربية، وأصوات موالية لإسرائيل، وشخصيات معتدلة تضع المصلحة الاميركية فوق كل اعتبار. أسماء تتحفظ على حجم الدور الاميركي في العالم، وتؤيد تدخلا ليبراليا لحماية الشعوب من هلاك داخلي، من يمينها الى يسارها، كلها مقربة منه ويستمع إليها. سيكون لاوباما جدول اعمال متواضع في ما يريد تحقيقه في الشرق الاوسط، على عكس أوهام سلفه بتغيير راديكالي في منطقة تحترف الجمود. نظرته الى التحديات الخارجية ستكون أسيرة ازمة مالية بنيوية في الاقتصاد الاميركي. لاوباما سياسة خارجية لم تكتمل بعد، ستنضج وتتطور مع الوقت، ستتوضح ملامحها وسط المشاكل او الفرص، التي قد تغتنمها او تفوتها. اوباما هو زمن آخر، قد يحتاج الى عقلية عربية اخرى في النظرة الى واشنطن.

عن السفير

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .