الخميس، 20 نوفمبر 2008

سمير التنير: اميركا من الداخل 1


موزاييك الأديان والطوائف

تغيرت تضاريس أميركا الدينية بشكل أساسي في السنوات الثلاثين الماضية. وهذا التغير كان تدريجياً وضخماً جداً. وقد بدأ الأمر »بالهجرة الجديدة« التي حفزها قانون الهجرة والتجنس لعام .١٩٦٥ إذ وفد الناس من جميع أنحاء العالم إلى أميركا وأصبحوا مواطنين اميركيين. وقد جاءت معهم تقاليد العالم الدينية الاسلامية والهندوسية والبوذية والزرادشتية والافريقية. ونقل أتباع هذه الأديان وممارسو هذه الشعائر الدينية الحية الى الاحياء الاميركية. ان عدد الاميركيين المسلمين يفوق عدد الاميركيين المنتمين الى الكنيسة البروتستانية الاسقفية. وإن المسلمين يفوقون أتباع الكنيسة المشيخية الاميركية عدداً. وإن عدد المسلمين مماثل لعدد اليهود، أي حوالى ٦ ملايين نسمة. كما ان مدينة لوس انجلوس هي اكثر المدن بوذية في العالم إزاء شكلها المعقد. اذ تضم الجالية البوذية فيها اشخاصا من شتى انحاء العالم البوذي الآسيوي الممتد من سيرلانكا الى كوريا. كانت اميركا دوماً بلد أديان كثيرة. فهناك تعددية ضخمة مركبة تميز طريقة حياة سكان اميركا الاصليين، حتى قبل وصول المستوطنين الاوروبيين الى تلك الشواطئ. وما زال التنوع الكبير في الممارسات الدينية لسكان اميركا الاصليين مستمراً حتى اليوم. من ممارسات البسكاتاواي في ولاية ميرلاند، حتى شعائر البلاكفيت في ولاية مونتانا. كما كانت للذين عبروا الاطلسي من اوروبا الى اميركا تقاليد دينية متنوعة، من الكاثوليك، الاسبان والفرنسيين، الى البريطانيين الإنكليكانيين والكويكزر، مرورا باليهود والهولنديين المسيحيين. وقد ازدادت هذه التعددية عبر ٣٠٠ سنة من الاستيطان. زاد المهاجرون الذين وصلوا في العقود الثلاثة الاخيرة من تنوع الحياة الدينية في اميركا، بشكل مثير هائل. فقد وصل البوذيون من تايلند وفيتنام وكمبوديا والصين وكوريا. ووصل الهندوس من الهند وشرق أفريقيا وترنيداد. ووصل المسلمون من اندونيسيا وبنغلادش وباكستان والشرق الأوسط ونيجيريا، ووفد السيخ من الهند، والزرادشيتون من الهند وإيران. وجلب المهاجرون من هايتي وكوبا معهم الى الولايات المتحدة تقاليد افريقية ـ كاريبية مازجين بين الرموز والصور الافريقية والكاثوليكية. ووفد مهاجرون يهود جدد من روسيا وأوكرانيا. واصبح التنوع الداخلي بين اليهود الاميركيين أعظم مما كان عليه، في أي وقت مضى. كما تغيرت صورة المسيحية الاميركية هي ايضا مع وجود جاليات كبيرة من الكاثوليك من دول اميركا اللاتينية. لقد أعاد تنقل اعداد ضخمة من البشر خلال السنوات الثلاثين الاخيرة، كمهاجرين ولاجئين تشكيل العالم المعاصر من الناحية الديموغرافية. وفي حين يبلغ عدد المهاجرين في شتى انحاء العالم اكثر من ١٣٠ مليون نسمة يوجد ٣٠ مليونا منهم تقريبا في الولايات المتحدة الاميركية، بحيث يصل اليها مليون في كل عام. ان الصورة العالمية المثيرة لعصرنا ليس ما يطلق عليه صدام الحضارات، بل تحويل الحضارات الى ما يشبه الرخام المعرق. فكما اوجد تنقل البشر عالما جغرافيا ـ سياسيا جديدا، اوجد تنقل البشر عالما دينيا جديدا. لقد اصبح الهندوس والسيخ والمسلمون الآن جزءا من النسيج الديني في بريطانيا. وظهرت المساجد في باريس وليون، والمعابد البوذية في تورنتو، وهياكل السيخ في فانكوفر. ولكن تنوع القصائد الدينية لم يصل في أي مكان حتى في عهد الهجرة الضخمة التي تميز العالم اليوم. الى ما هو عليه في الولايات المتحدة. ان علينا ان نضيف الى التنوع الديني الكبير في الهند ديانات الصين وأميركا الجنوبية وأفريقيا المختلفة. وعليه ان يضيف الى تعددية بريطانيا او كندا موجات هجرة الاميركيين الجنوبيين، علاوة على الفيتناميين والكمبوديين والفيليبينيين. وهذا واقع جديد. يؤمن المسلمون في اميركا مجتمعا هو الاكثر صلابة في النسيج الاجتماعي من أي جالية أخرى في الغرب. ووفقا لمركز الابحاث بيو Pew فإن المسلمين في اميركا يتمتعون بمستوى علمي جيد، ويحصلون على رواتب جيدة لقاء عملهم. على العكس من الجاليات الاسلامية في اوروبا الغربية، التي يعيش ٢٠ بالمئة منها في فقر مدقع، ويشير مركز »بيو« ايضا الى ان هناك ٢,٣٥ مليون مسلم في اميركا (مصادر اخرى تذكر ٦ ملايين). و٦٥ بالمئة منهم ولدوا خارج البلاد. وأغلبهم اتى في موجات بعد عام ،١٩٦٥ وهو العام الذي سمحت فيه اميركا بمزيد من المهاجرين. ومعظم المهاجرين المسلمين اتى من باكستان والهند وبنغلادش ومن العالم العربي (فلسطين، ولبنان، ومصر وإيران). وهم جاءوا للدراسة والعمل. ويقول كايث اليسون السيناتور الديموقراطي المسلم من مينسوتا »ان اميركا مؤسسة على مجموعة من الافكار وليس على مجموعة من تواريخ العالم. وهي تحتوي على مجموعة من المبادئ والقوانين، وليس على الثقافة العنصرية«. يندر المسلمون المولودون في اميركا من الاميركيين ـ الافارقة. اما ابناء المهاجرين من الجيل الثالث فهم يافعون وأعمارهم هي بين ١٨ ـ ٢٩ سنة. وتختلف الجالية المسلمة في اميركا عنها في اوروبا الغربية، حيث ان المهاجرين اليها قدموا من بلدانهم ليعملوا في المصانع والمزارع. وهم يسكنون احيانا في احياء خاصة بهم. كما لم تعان الفتيات المسلمات من قضية الحجاب، في اميركا، كما حدث ذلك في فرنسا وألمانيا. تختلف حقبة الهجرة الجديدة عن حقب الهجرة السابقة الى اميركا، ليس فقط من حيث حجمها وتعقيدها، بل ايضا من حيث القوى الداخلية المحركة لها والقوانين الخاصة بها. فالكثيرون من المهاجرين الذين يفدون اليوم يحافظون على علاقات قوية مع اوطانهم الاصلية. اذ يبقون على صلاتهم معها عبر السفر وشبكات الاتصال العابرة لحدود الدول والرسائل الالكترونية. وخطوط الهاتف عبر الاقمار الصناعية. وينجح المهاجرون في العيش هنا وهناك في الوقت نفسه بجميع الطرق التي اصبحت توفرها وسائل الاتصال الحديثة. في بداية القرن الحادي والعشرين تواجه اميركا هذا الكم الهائل من التقاليد الدينية والثقافية، اذ تؤدي الحرية الدينية الى ظهور التنوع والتعددية بشكل حتمي، فمع ازدياد عدد المسلمين وبروزهم في المجتمع الاميركي على سبيل المثال، بدأ المجتمع الاميركي يتحدث لا عن الكنيسة المسيحية والكنيس اليهودي فقط، بل عن المسجد ايضا، وأصبح حلول شهر رمضان يلقى اهتماما شعبيا ويشكل مناسبة لكتابات متعددة تنشر في جريدتي والاس مورننغ نيوز وصحيفة مينابوليس ستار ترييون. لا يعني هذا ان لا وجود للتمييز في المجتمع الاميركي. فالمجلس الخاص بالعلاقات الاسلامية يتلقى سنويا اكثر من ٢٥٠٠ شكوى في السنة. وبعض السيدات المسلمات يصررن على وضع صورهن في اجازة سوق السيارة. وهن يرتدين الحجاب. وفي هذا المجال لا بد من اتخاذ قرارات تتسم بالمرونة. وفي نظرة بانورامية شاملة للحركات والتجمعات الدينية في اميركا نجد ان هناك ١٥٨٦ جماعة دينية، منها ٧٠٠ غير تقليدية، أي لا تتبع الأديان التوحيدية المعروفة. وتتراوح دعواتها بين الحكمة والتصوف والتأمل، واعتماد الطقوس الغريبة (الذاهبة احيانا الى حد الانتحار الجماعي لدى بعض الفرق) وغيرها كثير. يتطلب تصور التعدد الديني في اميركا، في القرن الحادي والعشرين وضع افكار شاملة مفيدة تتسم بسعة الخيال، لانها تعني رؤية تضاريس اميركا الدينية من اقصاها الى اقصاها بكل تعقيداتها الهائلة.
عن السفير

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .