السبت، 8 نوفمبر 2008

حازم صاغية: اساتذة فاشلون يضعون العلامات لأوباما

إنه جسم ميّت
كلمة سرّ سرت فجأة مثل نار في الهشيم: إنّه النظام الأميركيّ لا أوباما. قائلو الكلام هذا سعيهم ودأبهم تبخيس الانتصار الأخير الذي حمل باراك أوباما الى سدّة الرئاسة الأميركيّة وامتصاص دلالاته ومعانيه.بكلمات قليلة يقولون «لا بأس بذلك»، أو أن النتيجة جيّدة. إنما بمطوّلات مستفيضة ينتقلون من المهمّ إلى الأهمّ، مستطردين في الـ «لكنْ».فجأةً لا يعود ذا دلالة كبيرة أن يحدث ما حدث في بلد وصفوه، أو وصفه بعضهم، بـ «بلد التمييز العنصريّ» و «الكاوبوي» و «تصفية الهنود الحمر واستئصالهم»، فضلاً عن نعي ديموقراطيّته بدليل ضمور نسب المصوّتين في المواسم الانتخابيّة، من دون أن ننسى التعيير بالهمبرغر والكوكا (لنتخيّل أميركيّاً يسمّينا شعب الفلافل... التي نخوض معركة ملكيّتها، إلى جانب مزارع شبعا، مع إسرائيل).وتتتالى المطالب التي يُمتحن عليها أوباما: هل يستطيع، مثلاً، إنهاء الرأسماليّة الماليّة؟ هل يستطيع إنهاء العنصريّة؟ هل يستطيع...؟. وفي النهاية هو، طبعاً، لا يستطيع. وحده ستالين أو هتلر يستطيعان مثل ذلك.أما القياس الضمنيّ الذي توضع أسئلة الامتحان بموجبه فمن طبيعة خارقة وملحميّة، وما دام الوافد الجديد الى البيت الأبيض «لن يستطيع» كلّ ذلك، واجهنا الحماسة له ممن يبديها بعض السذّج بابتسامة الحكماء العارفين والمرصّعين بتجارب التاريخ.والحال ان أوباما «لا يستطيع» لأسباب أعقد كثيراً من كونه «ابن تلك الرأسماليّة» أو «ابن تلك العلاقات والمصالح...». ذاك ان تلك الأمور لا تُستطاع من حيث المبدأ: فهي لا تشبه الحياة ولا منطق اشتغالها. وإذا كان من سمة يتّسم بها التاريخ الغربيّ فإنما هو التدرّجيّة المشوبة بضغط تقدميّ يواكبها: يصحّ ذلك في توسّع التمثيل الانتخابيّ ليصبح عامّاً، كما في توسّع قاعدة المشمولين بالحقوق عموماً.ودائماً واجهت التدرّجيّة هذه صنفين من الرجعيّين، العلنيّين، أي أولئك الذين عارضوها وحاولوا الحيلولة دونها، والراديكاليّين المزايدين فيها، أي أولئك الذين حاولوا تسريعها وإحراق الزمن بإقامة نظام ثورويّ استبداديّ.في المقابل، فإن الذين أُولعوا عندنا بجورج بوش وسياسته يكتفون اليوم بمباركة «التغيير» أو «التجديد» في تسمية أخرى. ليس مهمّاً عند هؤلاء، حكّاماً كانوا أم معارضين لهم، مناقشة هذا النهج في اشتطاطه الحربيّ وجموحه النيو ليبيراليّ، أو سلوكه المتعالي حيال القانون الدولي والمجافي لمؤسساته، أو ارتداده الدينيّ على قيم التنوير وموروثه.هؤلاء، على عكس أولئك، يضعون علامة نجاح للحدث الأميركيّ الأخير، وأحياناً يسجّلون ذلك بانبهار لافت. إلا أنهم، برفضهم المراجعة والتأويل، يكادون ينسبونه الى خوارق من نوع «طبيعة أميركا» أو «التفوّق الأميركيّ المؤكّد». وهم يحيلون الحدث، ضمناً في الغالب وعلناً أحياناً، إلى «هناك». فهو مما لا يحصل «هنا» حيث يُطلب منهم تقديم تنازلات فعليّة وتشكيك بمقدّسات يكاد يتألّف منها متن الحياة العربيّة بالسلطة فيها والمعارضة.وما يجمع هؤلاء بأولئك صدورهم عن ثقافة واحدة هي الى الجسم الميّت أقرب: لا مقارنة ولا من يحزنون، ولا استعداد، كائناً ما كان، للتخلّي عمّا عندنا مما يُظنّ «أصيلاً» فينا، عزيزاً علينا. هكذا يضع العلامات لأوباما ولأميركا أساتذة فشلوا في أن يكونوا تلامذة يتعلّمون الوجهة التي تسلكها البلدان الجديّة كيما تصير بلداناً. بعضنا ينجّحهما وبعضنا يفشّلهما أو بالكاد يمرّرهما. يتمّ هذا من على منصّاتنا في الأديان والمذاهب والاثنيّات والحروب الأهليّة والاستبدادات. ما همّنا بعد ذاك؟

عن الحياة

ليست هناك تعليقات:

كيف مات الشارع

انقضى الليل , اقتلع النهارعقرب الساعة الكبير وهبط من ساعة الحائط , أراد للوقت أن يبقى كسراتٍ صغيرة تدور و تدور دون أن ترتطم بعتبة. مشى في الشارع متجهاً نحو المقهى حيث كان الرجل وحيداً يحتسي ما تبقى من تفل بارد و ما ان تلاقت العيون حتى أغمد العقرب في صدره وجلس ينتظر ....لم يأتِ الليل .